سياسة تعويم الجنيه المصري التي فرضها صندوق النقد الدولي محكوم عليها بالفشل
الصناعات المؤمّمة التي يديرها الجيش المصري تؤدي إلى فساد هائل
مستوى الفقر ارتفع بشكل كبير منذ تولي السيسي للسلطة
قال أستاذ الاقتصاد التطبيقي بجامعة "جونز هوبكنز" الأمريكية،
البروفيسور ستيف هانكي، إنه بالرغم من أن "الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتمتع
بقبضة حديدية على المشهد السياسي في البلاد، إلا أنه يمكن أن يفقد قبضته الحديدية تلك
بين عشية وضحاها، وربما لهذا السبب صنّف البنك الدولي مصر في المرتبة الـ184 من بين
211 دولة في مؤشر (الاستقرار السياسي وغياب العنف/ الإرهاب)".
ونوّه الاقتصادي الأمريكي المعروف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"،
إلى أن "الصناعات المؤمّمة التي يديرها الجيش تؤدي إلى فساد هائل وامتيازات غير
مبررة لكبار القادة العسكريين"، مشدّدا على أن "مستوى الفقر ارتفع بشكل كبير
منذ تولي السيسي للسلطة؛ فبين عامي 2015 و2018، ارتفع عدد الفقراء بمصر من
28% إلى 33%".
ورفض هانكي توقعات صندوق النقد الدولي التي تحدثت عن حدوث انتعاشة
قوية في نمو الاقتصاد المصري إلى 5.2 بالمئة في 2022/2021، قائلا: "تعتبر توقعات
صندوق النقد الدولي أعلى بقليل مما هو حقيقي. وعندما تنظر إلى التدهور على المستوى
الهيكلي في مصر فإنه ينبغي على المرء أن يستنتج فشل برامج صندوق النقد الدولي"، مؤكدا
أن "سياسة تعويم الجنيه المصري التي فرضها صندوق النقد الدولي محكوم عليها بالفشل
في نهاية المطاف".
وأوضح هانكي أن "وضع الاقتصاد المصري ليس جيدا لكنه لا يعدّ فظيعا
في نفس الوقت، حيث إن الواقع الاقتصادي يميل إلى أن يكون جيدا نسبيا في سنة 2020. ويبدو
أنه لا يزال يبلي البلاء الحسن إلى حد ما سنة 2021"، متابعا بأنه "بينما تبدو
الأرقام متفائلة نسبيا في الوقت الراهن، فإن المشهد العام بمصر على المدى الطويل يبدو أكثر
كآبة".
يشار إلى أن البروفيسور هانكي شغل سابقا منصب كبير الاقتصاديين للرئيس
الأمريكي الراحل رونالد ريغان، وعمل أيضا مستشارا لخمسة رؤساء دول أخرى، وهو مؤسس فريق
عمل لمعالجة أزمة لبنان في معهد "جونز هوبكنز"، ومدير مشروع العملات المضطربة
في معهد كاتو في واشنطن، وكان عضوا في المجلس الاستشاري الدولي لبنك الكويت الوطني،
وعضوا بالمجلس الاستشاري المالي لدولة الإمارات.
وفي ما يأتي نص المقابلة:
كيف ترى واقع الاقتصاد المصري اليوم بعد سبع سنوات من حكم السيسي؟
يميل الواقع الاقتصادي في مصر إلى أن يكون جيدا نسبيا في سنة 2020.
ويبدو أنه لا يزال يبلي البلاء الحسن إلى حد ما سنة 2021؛ فقد احتلت القاهرة خلال عام
2020 منتصف مؤشر هانكي السنوي للبؤس، حيث تصدرت المرتبة الـ88 من بين 156 دولة. وفي المجال
الاقتصادي، يعود سبب البؤس إلى ارتفاع معدلات التضخم وتكاليف الاقتراض الباهظة والبطالة.
وتعدّ الطريقة الوحيدة للتخفيف من هذا البؤس، السعي لتحقيق نمو اقتصادي
أعلى. وعموما، فإنه يحتسب مؤشر البؤس السنوي لهانكي من خلال جمع معدلات البطالة والتضخم
والإقراض المصرفي وطرح النسبة المئوية للتغير في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد.
وتعدّ المؤشرات المرتفعة للعناصر الثلاثة الأولى "سيئة" وتجعل الناس أكثر
بؤسا.
في الواقع، يقابل هذه السلبيات بعض الإيجابيات مثل نمو نصيب الفرد من
الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي يُطرح من مجموع المؤشرات السلبية. ويعكس ارتفاع
مؤشر البؤس السنوي لهانكي ارتفاع مستوى البؤس. وفي ما يأتي بعض البيانات المتعلقة بمصر
لسنة 2020، حيث بلغ معدل البطالة ثمانية بالمئة والتضخم 5.1%، ومعدل الإقراض المصرفي
11.4%، ومعدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 3.6%.
وخلال سنة 2021، كان أداء مصر مقبولا. ووفقا لتوقعات مؤسسة فوكس إيكونوميكس
المتخصصة في الأبحاث الاقتصادية لسنة 2021، سيصل النمو الاقتصادي المصري إلى ثلاثة
بالمئة والتضخم إلى 5.4 بالمئة. أما معدل البطالة، فسيبلغ ثمانية بالمئة. أما بالنسبة
لمؤشر البؤس السنوي لهانكي لسنة 2021، فلا يمكن احتسابه حتى نهاية السنة. في المقابل،
أتوقع أن تظل مصر في المنتصف، بمعنى أنها ليست بائسة ولا سعيدة.
بينما تبدو الأرقام متفائلة نسبيا في الوقت الراهن، ويبدو المشهد العام
على المدى الطويل أكثر كآبة؛ فمنذ أن تولى السيسي مقاليد الحكم، تدهورت الحرية الاقتصادية
والقدرة التنافسية في مصر بشكل كبير. وعلى سبيل المثال، تراجع ترتيب مصر في مؤشر الحرية
الاقتصادية لمعهد كاتو الأمريكي للأبحاث والدراسات الاقتصادية. كما أنه ازداد نفوذ الحكومة،
وأصبحت اللوائح التنظيمية مرهقة أكثر، وتدهورت مصداقية النظام القانوني. بالإضافة إلى
ذلك، فقد ساء ترتيب مصر في مؤشر الحرية الإنسانية لمعهد كاتو.
هناك جدل حول مدى سيطرة الجيش المصري على الاقتصاد.. فما أبعاد وخطورة
ذلك على الاقتصاد المصري الآن بحسب رأيك؟
كما هو الحال مع أيّة شركة مملوكة للدولة، فإن هناك العديد من الطرق لقياس
أوجه القصور المرتبطة بسيطرة الجيش على قطاعات كبيرة من الاقتصاد المصري. وتعدّ بعض
البيانات المقارنة مفيدة مثل المقارنة بين المؤسسات المؤمّمة، بالنسبة لنظيراتها من
القطاع الخاص، وانخفاض المبيعات لكل موظف، والأرباح المعدلة لكل موظف في المؤسسات المؤمّمة
أقل، وكذلك الإنتاج المادي لكل موظف "أقل"، والضرائب المدفوعة لكل موظف
"أقل".
ولكل دولار من المبيعات، تكون مصاريف التشغيل بالإضافة إلى الأجور
"أعلى"، والمبيعات لكل استثمار بالدولار "أقل"، والأرباح لكل دولار
من إجمالي الأصول باتت "أقل"، والمبيعات لكل موظف تنمو بمعدل أبطأ.
وإذا لم تكن هذه البيانات سيئة بما فيه الكفاية، فينبغي أن نضيف أن الصناعات
المؤمّمة التي يديرها الجيش تؤدي إلى فساد هائل وامتيازات غير مبررة لكبار القادة العسكريين.
وينعكس كل ذلك في الترتيب الضعيف لمصر (المرتبة الـ183 من أصل 209 دولة) في ما يتعلق بدرجة
فعالية الحكومة للبنك الدولي.
إلى أي مدى صمد الاقتصاد المصري أمام جائحة كورونا؟
في ما يتعلق بكوفيد-19، وفقا لبيانات جون هوبكنز المتعلقة بفيروس كورونا،
بلغ مجموع الحالات الإيجابية في مصر 283,762 حالة وبلغت الوفيات 16,453 حالة. بينما تلقى
1.4% فقط من السكان، اللقاح. ويعدّ الرقم الأكثر أهمية هو عدد الوفيات المرتفعة التي
شهدتها مصر أثناء الجائحة حيث بلغت 194 لكل 100 ألف شخص. ويعتبر هذا الرقم أعلى من
عدد الوفيات في أي بلد آخر مُبلغ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في المقابل،
يحتل لبنان المرتبة الثانية من حيث عدد الوفيات بمعدل 137 حالة وفاة لكل 100 ألف شخص.
توقّع صندوق النقد الدولي مؤخرا انتعاشة قوية في نمو الاقتصاد المصري
إلى 5.2 بالمئة في 2022/2021. ما مدى دقّة هذه التوقعات؟
من جانب آخر، تعتبر توقعات صندوق النقد الدولي أعلى بقليل مما هو حقيقي؛
فمنذ عام 1962، كان لدى مصر ما مجموعه 11 برنامجا لصندوق النقد الدولي، في ظل استئناف
برنامجين تابعين لصندوق النقد الدولي في سنة 2020 وحده. وعندما تنظر إلى التدهور على
المستوى الهيكلي في مصر، فإنه ينبغي على المرء أن يستنتج فشل برامج صندوق النقد الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه على الرغم من ارتفاع معدل تداول الجنيه المصري، إلا أنه لا يزال
يعتبر عملة ضعيفة بشكل أساسي، وذلك لأن صندوق النقد الدولي فرض نظام تعويم مُدار
"موجه" لسعر الصرف، وهو الذي يعني ترك سعر الصرف يتحدد وفقا للعرض والطلب،
مع تدخل البنك المركزي كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات. ويعدّ
فرض مثل هذه الأنظمة، في دول مثل مصر، أمرا محكوما عليه بالفشل في نهاية المطاف.
هل ما زالت مصر تعتبر من أسوأ دول العالم على المستوى الاقتصادي؟
لا، كما ذكرت من قبل، يضع مؤشر هانكي السنوي للبؤس مصر تقريبا في منتصف
المجموعة، فوضعها ليس جيدا ولا فظيعا. في المقابل، ارتفع مستوى الفقر بشكل كبير منذ
تولي السيسي للسلطة. ومن سنة 2015 إلى سنة 2018، ارتفع عدد الفقراء في مصر من 28% إلى
33%.
برأيك، إلى متى سيستمر السيسي في حكم مصر في ظل هذه الأوضاع
الاقتصادية المتدهورة كما تقول؟
في الوقت الراهن، يبدو أن السيسي يتمتع بقبضة حديدية على المشهد السياسي
المصري. ويعدّ أحد أسباب ذلك أن الشعب لديه قدرة قليلة للغاية على المشاركة في اختيار
حكومته، فضلا عن ضعف حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، ووسائل الإعلام الحرة. وفي
الواقع، يصنف البنك الدولي مصر في المرتبة الـ187 من أصل 204 دولة في "الصوت المسموع
والمساءلة". في المقابل، يمكن للقادة ذوي القبضة الحديدية في الكثير من الأحيان
أن يفقدوا هذه السيطرة بين عشية وضحاها. ربما لهذا السبب صنف البنك الدولي مصر في المرتبة
الـ184 من بين 211 دولة في مؤشر "الاستقرار السياسي وغياب العنف/ الإرهاب".
على صعيد آخر، أكد البنك الدولي قبل أيام أن الأزمة اللبنانية قد تكون
من بين أسوأ ثلاث أزمات بالعالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.. فكيف تفسر الوضع الاقتصادي هناك؟
يعاني لبنان من أزمة عملة منذ تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2019. ومنذ ظهور
تلك الأزمة، تراجعت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 89.8%، وبدأ التضخم في لبنان يتفاقم..
في الواقع، في 22 يوليو/ تموز سنة 2020، قمت بقياس معدل التضخم الشهري في لبنان عند
52.6%، وكان هذا هو اليوم الثلاثين على التوالي الذي تجاوز فيه معدل التضخم الشهري
في لبنان الـ50%، ما يشير إلى أنه أصبح أول بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
يعاني من التضخم بشكل مفرط. كانت الحلقة 62 من التضخم المفرط في التاريخ. وبشكل يومي،
أُعاين معدل التضخم في لبنان، وأقدّر اليوم أن يبلغ معدل التضخم السنوي في لبنان
113%.
ينوي الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على قادة لبنان. فهل سينعكس ذلك سلبا
أم إيجابا على الاقتصاد اللبناني؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن أعرف مَن هم القادة الذين ستُفرض عليهم
تلك العقوبات، وكذلك طبيعة الإجراءات الدقيقة للعقوبات.
ما هي توقعاتك ورؤيتك لمستقبل الاقتصاد اللبناني؟ وما الحل برأيك؟
ويتمثّل الخيار الوحيد الذي من شأنه أن يوقف أزمة العملة اللبنانية بشكل
مفاجئ في مجلس النقد. وتجدر الإشارة إلى أن مجلس النقد الخاص بالأوراق النقدية والعملات
المعدنية القابلة للتحويل يصدر عند الطلب إلى عملة أساسية أجنبية بسعر صرف ثابت. ويتلخّص
المطلوب في الاحتفاظ باحتياطيات عملة أساسية تساوي 100% من التزاماتها النقدية.
ولا يتمتّع مجلس النقد بسلطات نقدية تقديرية ولا يمكنه منح القروض. وعلى
الرغم من امتلاكه نظام تحديد سعر الصرف، إلا أنه ليس لديه سياسة نقدية. وتتمثل وظيفته
الوحيدة في تبادل العملة المحلية التي تصدرها مقابل عملة ثابتة بسعر ثابت. في الحقيقة،
تعدّ عملة مجلس النقد نسخة من العملة الأساسية للبلاد.
لا يتطلب مجلس النقد أيّة شروط مسبقة ويمكن تكوينه بسرعة. ولا تحتاج
المالية الحكومية والشركات المملوكة للدولة والتجارة إلى الإصلاح قبل أن يتمكن مجلس
النقد من إصدار النقود. وعلى الرغم من وجود مجالس النقد في حوالي 70 دولة، إلا أنه
لم يفشل في أيّ منها.
وفي حال كوّن لبنان مجلس نقد ترتكز فيه الليرة اللبنانية على الدولار
الأمريكي، فستصبح الليرة نسخة من الدولار. وسيعمل النظام بشكل مذهل، وسيقع تحطيم التضخم
في غضون ساعات وسيتحقق الاستقرار. وعلى الرغم من أن الاستقرار قد لا يكون كل شيء، إلا
أن كل شيء لا يعني شيئا دون استقرار. وفي الواقع، لا يمكن إطلاق الإصلاحات الأخرى المطلوبة
في لبنان ما لم يتحقق الاستقرار.
"عربي21" تكشف "جهود وساطة" تركية لإيقاف إعدامات مصر
حجي لـ"عربي21": مستقبل مائي مجهول لمصر بعد سد النهضة