حي الياسمينة أو حارة الياسمينة الأكثر شهرة بين أحياء نابلس وربما فلسطين قاطبة، وكثيرا ما توصف بأنها دمشق أو الشام الصغرى.
وتتميز أحياء البلدة القديمة في مدينة نابلس بطابعها المعماري الخاص والموروث من الحضارات القديمة التي تعاقبت على المدينة، ويحتل حي الياسمينة الزاوية الجنوبية الغربية من المدينة القديمة، وسمي الياسمينة بهذا الاسم لكثرة الياسمين فيه.
ويحتوي الحي على الكثير من الفن المعماري القديم المتمثل في بيوت أنشئت قبل مئات السنين، ومن أعرقها بيوت أبو شلبك وعبد الهادي وشقير وشريف وحمودة (صانع الخير) وتحتوي أيضا على قصر عبد الهادي، ويقع وسط حارة الياسمينة فوق جامع الساطون. وعلى أمتار قليلة حتى يبرز ديوان الياسمينة، الذي تحول إلى ملاذ لكل العائلات في المناسبات الاجتماعية الأفراح والأتراح، أو استقبال العزاء بالشهداء، وإقامة الأنشطة الاجتماعية والثقافية.
ومن الأماكن التراثية جامع الساطون، وجامع الخضراء، وتشتهر نابلس بـ"الأحواش"، فهي تميزت عن غيرها من المدن الفلسطينية، وما يشير إلى ذلك، ما ذكره الجغرافي المقدسي في القرن الرابع الهجري.
ويعد "حوش" العطعوط أحد "الأحواش" الشهيرة بنابلس، ويتميز بطول الممرات وتفرعها وكثرة الساكنين فيه، ومر كغيره من "الأحواش" بما مرت به البلدة القديمة من ترميم، وهو ينسب لعائلة العطعوط النابلسية التي كانت تسكن فيه منذ العهد العثماني.
ومن بين معالم الحارة يقف "حمام السمرة الهنا" وهو من الحمامات التركية المشهورة في مدينة نابلس خاصة وفلسطين عامة وأكثرها جمالا وتميزا. ويعود تاريخه إلى ما قبل 2150 عاما، ويعتبر من أشهر الحمامات في نابلس وأجملها، وقد أنشأه السامريون الذين يقطنون في جبل جرزيم (أحد جبلي المدينة) ويقع في البلدة القديمة وبالتحديد في حارة الياسمينة.
واشتهرت عائلات الياسمينة ببعض المهن، فكان لكل عائلة مهنة تتقنها وتتميز بها، فامتازت عائلة "صانع الخير" والتي تتفرع منها عائلة حمودة واصبيح والصروان، بالبناء والإعمار، فبنوا منارة نابلس وسجن نابلس المركزي وكذلك بيوت العائلة القديمة في الياسمينة. ويعتبر سعيد حمودة من أشهر البنائين والمعماريين في نابلس في بداية القرن العشرين.
أما عائلة بريك فتشتهر بالعطارة فهي تمتلك عطارة بن بريك منذ 400 عام وتحوي كل منتجات الأعشاب والبذور، بعضها يستخدم للمأكولات الشعبية، وأخرى للعلاجات الشعبية وتحول مكانها إلى ملاذ للسائحين والزوار.
ويعد مسجد الساطون من أقدم المساجد في مدينة نابلس، ويتوسط حارة الياسمينة، وله ذكريات مؤلمة إبان احتلال المدينة عام 1967 واجتياح المدينة عام 2002.
ولعب حي الياسمينة دورا كبيرا في الانتفاضة الأولى عام 1987، واجتياح الجيش الإسرائيلي للمدينة عام 2002 حيث تعرض لعمليات هدم طالت مصابن ومحال ومنازل، وجرى هدم مدخل الحي بالمتفجرات لدى اقتحامه في بدايات الانتفاضة الثانية.
ويعتبر الياسمينة القبلة الأولى للوفود السياحية الأجنبية التي تصل للتعرف على خفاياها وعلى معالمها التاريخية، ووجهة للمصورين الهواة لالتقاط صور تراثية جميلة.
ويعاني الحي حاليا من هجران غالبية المنشآت التجارية في شوارعه الضيقة، نحو التجمعات التجارية الكبيرة وأسواق الأحياء الراقية، إلى جانب انتقال أعداد كبيرة من شبانه للسكن خارجه، واقتصار الإقامة فيه على كبار السن.
وحتى لا نهضم الأحياء والحارات الأخرى قيمتها فإلى جوار حي الياسمينة تقف حارة العقبة وهي أحد أحياء البلدة القديمة في نابلس، وتحتل الجهة الوسطى من جنوب المدينة بين حارتي القريون والقيسارية، وتحتوي على عدد من المعالم الأثرية، أشهرها "المسرح" الذي يقع في حارة العقبة في منطقة كشيكة التي تفصلها عن حي رأس العين جنوب البلدة القديمة، ويعود بناؤه إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي. وقد اكتشف صدفة عام 1979، وهو يعتبر أكبر مسرح روماني مكتشف في فلسطين، حيث يبلغ قطره 100 متر.
وأيضا حارة الحبلة وتقع في الجزء الشمالي الشرقي منها، بنيت شوارعها على طريق الحبلات أي مجموعة من الحجارة تسند بعضها بعضا من أجل تكوين بناء الحائط بطريقة عفوية، تحتوي حارة الحبلة على عدد من المعالم الأثرية مثل مقام الشيخ مسلم وجامع الأنبياء كما تحتوي على قصر آغا النمر، يتفرع عنها عدة حارات مثل الفقوس والشيخ مسلم.
وحارة القريون وتقع إلى شرق حارة الياسمينة، وأصل الكلمة "قريون" لاتينية واشتقت من كلمة "كرايون" ومعناها "الأنبوب"؛ وسميت بذلك لكثرة الأنابيب المائية والينابيع فيها، كان يسكنها الكثير من العائلات النابلسية، وفيها قصر طوقان وجامع التينة وصبانة طوقان، وتتوسطها ساحة التوتة.
وحارة القيسارية وتحتل الزاوية الجنوبية الشرقية منها، سميت قيسارية نسبة لقيصر روما، تحتوي على الكثير من آثار الفن المعماري القديم ومنها موقع أثري أسفل مدرسة ظافر المصري يعود للحقبة الرومانية، ويقع أسفله نفق يحتوي على قناة ماء تعود إلى نفس الحقبة التاريخية وجزء منها حارة الجبالية والجوزة وبير الدولاب.
وأخيرا حارة الغرب وتقع في الجزء الشمالي الغربي منها وتحتوي على معالم تاريخية مهمة، منها: جامع الخضر، والمدرسة الفاطمية، وصبانة كنعان، وصبانة الشكعة، وخان الوكالة (الوكالة الفروخية) ودير فنشر (الكنيسة الأسقفية العربية للبروتستانت)، وكنيسة الروم الأرثوذكس "كنيسة القديس مار ديمتريوس".
يشعر الزائر إلى حارة الياسمينة بأنه يتجول في أحد الأحياء الشامية العريقة حيث تشابه حارة الياسمينة بأبنيتها وأزقتها ودكاكينها القديمة ومحالها ونمط العمارة فيها الحارات الشامية في سوريا، حيث تنتشر في الحي أشجار الياسمين في الأزقة والشوارع والبيوت التي يعود عمرها لآلاف السنين، وتشتهر حارة الياسمينة كما الحارات السورية في دمشق بصنعها الكعك الشامي، وتنتشر فيها محال بزورية والعطارة وتحتوي على أهم المعالم العثمانية في المدينة، وفي مقدمتها الحمام التركي ما يجعلها مقصدا للسياح والتجار.
وترسخ مع الزمن وصف المؤرخين القدماء لمدينة نابلس بأنها الشام الصغيرة، فالبناء المعماري المتميز بانفتاح مرافقه على بعضها وإطلالة مكوناته على فضاء واحد من البيوت القديمة المتراصة والتشكيلات الفنية والجمالية ودكاكين العطارة يمنح الحارة وساكنيها شعورا بالألفة والتقارب تماما مثل الحارات الشامية.
القضية الفلسطينية إنسانية بامتياز ونصرتها فرض عين وكفاية
الفلسطينيون يرون مدنهم بأسماء أطفالهم لإبقاء ذاكرتهم حية
أريحا أقدم مدينة على الأرض.. تعيش هاجس "الضم"