أجمع خبراء سعوديون وقطريون على أن المرحلة المقبلة التي تتلو "مصالحة العلا" لن تتخطى الحد الأدنى من التوافق على الملفات الرئيسية بين البلدين.
وذكر خبراء أن الإفراط في التفاؤل حول عودة العلاقات إلى أعلى مستوياتها، لمجرد العناق الحار الذي جمع محمد بن سلمان بأمير قطر تميم بن حمد، أمر غير منطقي.
وبعيدا عن موقف الإمارات والبحرين ومصر غير الواضح من المصالحة مع الدوحة، رأى خبراء سعوديون وقطريون أن مسبّبات الأزمة محدّدة، ويجب التوقف عندها وإغلاقها، خشية عودتها لاحقا، كما حدث في 2014.
اقرأ أيضا: قرقاش يعلن موعد عودة النقل مع قطر ويتحدث عن "علاقة تركيا"
تفاؤل حذر
الإعلامي والمحلل السياسي القطري، عبد العزيز آل إسحاق، قال إن الخلافات بين السعودية وقطر ستجد حلا تدريجيا.
وتابع في تصريحات تلفزيونية: "نتمنى حدا أدنى من التوافق الذي كان موجودا قبل أزمة 2017".
رئيس أكاديمية قطر الدولية للدراسات الأمنية، ماجد الأنصاري، أبدى تفاؤلا حذرا بالمصالحة، متوقعا أن تلحق بها بقية الدول تباعا، بما فيها مصر.
وقال الأنصاري، في تصريحات، إن سبب عدم الإفراط في التفاؤل تجاه المصالحة هو أن الخلاف الذي قامت عليه الأزمة سياسي بالدرجة الأولى.
وأشار إلى أن "إنهاء جميع الخلافات بحبة خشم غير وارد، إذ إن هناك آليات للعمل، بدأت بحضور أمير قطر وتوقيعه على اتفاق العلا".
أستاذ العلاقات الدولية في السعودية، هشام الغنام، أيّد عدم الذهاب نحو الإفراط بالتفاؤل أيضا في العلاقة بين الرياض والدوحة.
وقال في تصريحات إن ما سيحدث بعد قمة العلا هو الاتفاق على خطوط عريضة بين الطرفين.
وذكر مواطنه الإعلامي مبارك آل عاتي، أن الأزمة قامت بأسباب جوهرية رصدتها الدول الأربع، مشيرا إلى أن عددا من هذه الدول لا تزال متمسكة بها، وترى أن الحل الحقيقي لم يأت وقته بعد.
وبحسب آل عاتي، فإن "ما حصل هو وضع حجر الأساس، لكننا ما زلنا في بداية المشوار".
اقرأ أيضا: FT: تأكيد قطري بأن المصالحة لا تمس علاقاتها مع أي دولة
بيان ضبابي
الأكاديمي السعودي محمد العمري، مدير مركز "الجزيرة العربية للإعلام" في لندن، قال إن البيان الختامي المطول للقمة الخليجية احتوى على الكثير من العبارات الإنشائية، والعديد من المجاملات، وتغافل عن نقاط هامة.
وتابع في حديث لـ"عربي21"، بأن بعض النقاط لم يتم توضيحها بشكل كاف، وفي مقدمتها توافق الدول الست على عدم التدخل في سيادة بعضها، دون مزيد من التوضيح.
الأمر الواضح من البيان بالنسبة للعمري، هو تخلي دول الحصار عن الشروط الـ13 التي وضعتها على قطر بداية الأزمة، وتخليها أيضا عن المبادئ الست التي اتفق عليها بالقاهرة لاحقا، معتبرا أن هذه التنازلات بمثابة اعتذار غير مباشر لقطر.
وأشار إلى أن المصالحة أخذت منحى سياسة "حب الخشوم" المتعارف عليها في منطقة الجزيرة العربية، وهو ما يفسر عدم وضوح بنود الاتفاق والمصالحة.
برغم عدم وضوح البيان، اعتبر آل عاتي أن ما تم هو انفراجة، والقادم هو مرحلة حل للأزمة.
وتابع: "هناك نية واضحة لحل الخلاف، ونوايا حسنة متبادلة، وهناك مسافات قطعت من خلال الوساطات الكويتية والأمريكية".
اقرأ أيضا: ما الذي يمكن أن تغيره المصالحة الخليجية في أزمات المنطقة؟
مصالح متبادلة
وقال الكاتب والمحلل السعودي، إن المصالحة تعود بالنفع على الطرفين، أمنيا، واقتصاديا، وسياسيا.
وذكر في تصريحات أن السعودية وقطر وبقية دول الخليج لديها مقومات لكي تؤهلها للدخول إلى السوق العربية والعالمية بشكل مشترك.
من بين المصالح المتبادلة من هذه المصالحة، بحسب محمد العمري، الانتعاشة المتوقعة في أسواق منطقة الأحساء والمنطقة الشرقية بشكل عام بعد فتح الحدود مع قطر.
وتابع بأن السعوديين من هواة كرة القدم بات بمقدورهم حضور مباريات كأس العالم في الدوحة بعد نحو عام.
في المقابل، بات بمقدور القطريين التنقل إلى بقية دول الخليج، والأردن، والعراق عبر الأراضي السعودية، وكذلك عبر أجوائها التي حرموا منها أكثر من ثلاث سنوات.
اقرأ أيضا: تعرّف إلى حجم اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي (إنفوغراف)
تأثير أمريكي
تباينت آراء الخبراء السعوديين والقطريين حول الدور الأمريكي بالمصالحة، إذ ذهب بعضهم للقول إنه لولا ضغط إدارة دونالد ترامب لما حدثت المصالحة.
فيما قال آخرون إن الولايات المتحدة قادت جهودا مثل الكويت، وتكللت بالنجاح بعد عدة محاولات، ما يعني أن الأمر لم يكن ملزما للدول المتخاصمة.
محمد العمري قال إن القيادة السعودية لم تكن ترغب في المصالحة، إلا أنها اضطرت لإغلاق عدد من الملفات التي قد توقعها في أزمة مع وصول إدارة بايدن للسلطة، وفي مقدمتها ملف قطر، وحرب اليمن، والمعتقلون.
وأشار العمري إلى أن هذه الملفات، بالإضافة إلى جريمة اغتيال الكاتب جمال خاشقجي، ساهمت في ترجيح كفّة قطر على السعودية في الأزمة، عبر التسليط الإعلامي عليها.
إلا أن ماجد الأنصاري رفض هذا السيناريو، قائلا إن توقيت المصالحة جاء لإدراك جميع الأطراف بأن هذه هي اللحظة المناسبة لوضع حجر الأساس لإنهاء الأزمة.
رئيس حركة "الإصلاح" السعودية المعارضة، سعد الفقيه، ذهب إلى ترجيح سيناريو الضغط الأمريكي على الطرفين لإقامة المصالحة.
وقال إن "المصالحة لم تتم برغبة من الدول، ولكن بضغط من ترامب؛ لأنه إما أن يريد قبل مغادرته البيت الأبيض ضرب إيران، أو غسل عاره في قضية الخليج، كونه دعم دول الحصار ضد قطر".
وتابع: "القمة مفتعلة ومصطنعة، والدول كانت مجبرة عليها".
الإعلامي السعودي مبارك آل عاتي، رفض هذا السيناريو، بيد أنه رأى أن دور الولايات المتحدة، وتحديدا مشاركة جاريد كوشنر في القمة، هو دور "الضامن" لهذا الاتفاق.
اقرأ أيضا: هيرست: دوافع سوداوية من وراء توجه السعودية للوحدة الخليجية
دور المجلس والحوار
قال الإعلامي عبد العزيز آل إسحاق، إن قدر دول مجلس التعاون الخليجي هي التشارك في اللغة والدم والقرب الجغرافي، متابعا: "لا يمكن أن نسير إلا معا".
وأكد ماجد الأنصاري أن الحل الوحيد في حال حدوث أي خلاف سياسي، هو النزول إلى طاولة الحوار، مشيرا إلى أن "القطيعة" لم ولن تأتي بأي حل.
الإعلامي السعودي علي الخشيبان، قال إن هناك مؤثرات خارجية أثرت على العلاقة مع قطر، جاءت بعد الربيع العربي، مضيفا أن "الإعلام ومواقع التواصل نقلت الأزمة من المستوى السياسي إلى الشعبي".
وتابع بأن الفضل في إنهاء هذا الخلاف رغم تأزمه يعود إلى النضج الذي وصل إليه مجلس التعاون الخليجي، الذي دخل عقده الخامس من العمر.
وأكد رئيس تحرير صحيفة "الوطن" القطرية، محمد حمد المري، ضرورة الحوار بشكل دائم، مفضلا أن يكون الدور بإدارة طاولة الحوار لمجلس التعاون الخليجي، الذي يحتاج إلى تقوية وتعزيز.
وتابع: "من انتصر اليوم هي منظومة مجلس التعاون، وليست السعودية أو قطر، ويجب مستقبلا في حال حدوث أي خلاف ألا يتطور إلى ما حصل خلال السنوات الثلاث الماضية".
الكاتب والمحلل السعودي، قال إنه يجب إنشاء ما يشبه بـ"البيت القضائي" لحل أي خلاف مستقبلي بين دول المجلس.
وتابع بأنه يؤيد وجود سلطة للمجلس على الملف الخلافي بين السعودية وقطر، لمحاسبة من يخل بإحدى شروط اتفاق العلا، لإغلاق الباب أمام أي تدخل خارجي، كما حدث خلال سنوات الأزمة الثلاث الماضية، بحسب قوله.
اقرأ أيضا: وزير خارجية قطر: مسألة إغلاق الجزيرة لم تطرح
علاقات قطر
ألمح ماجد الأنصاري إلى أن تحالفات الدوحة السياسية لن تتغير كثيرا خلال المرحلة المقبلة، قائلا إن "قطر اليوم ليست قطر قبل الحصار، والخليج اليوم ليس الخليج قبل".
وتابع: "قطر انطلقت في فضاء إقليمي ودولي بشكل لا يمكن التخيل بعده أن تعود إلى ما قبل 2017".
وأضاف: "بعض الملفات يجب تفكيكها بشكل واضح، مثلا في العلاقة مع إيران قطر دعمت الثورة السورية في مواجهة التدخل الإيراني، القضية هي التعاطي مع الملف الإيراني".
وتابع بأنه بينما تأخذ بعض الدول موقف المواجهة مع إيران، تتخذ قطر الموقف الآخر الأكثر ليونة معها، حالها حال الكويت وسلطنة عمان، مشيرا إلى أن كلا الموقفين يرفض تدخلات إيران بالمنطقة.
إلا أن السعودي هشام الغنام، قال: "هناك أمور مفصلية لا يمكن القبول فيها، مثل التعامل مع الجماعات الإرهابية".
وتابع بأن المطلوب هو أن يكون موقف دول الخليج موحدا تجاه عدة جهات، أهمها السياسة الأمريكية، ومليشيات الحوثي في اليمن، والمليشيات الشيعية بالعراق، بالإضافة إلى تحديد شكل العلاقة مع الدول التي تحاول التدخل في شؤون الخليج، وأخطرها إيران، بحسب قوله.
ورأى محمد حمد المرّي، أن الاختلاف ظاهرة طبيعية، وليس بالضرورة أن تجتمع دول الخليج على نفس الموقف تجاه كل الملفات.
وتابع: "هامش تباين الآراء شيء إيجابي"، مضيفا أن وجود علاقات ودية بين دول في المجلس مع دول أخرى قد يتم الاستفادة منه لاحقا بالتوسط بينها وبين دول خليجية لا تحظى بعلاقات جيدة معها.
وكانت الدول الأربع طالبت قطر بوقف تعاملاتها التجارية مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على أراضيها، وهو ما اعتبرته الدوحة تدخلا مرفوضا يمس سيادتها.
اقرأ أيضا: الغارديان: هل حلت القمة الخلافات الخليجية أم هي مجرد هدنة؟
9 بنود مهمة في "إعلان العلا".. وأخرى "غائبة"
كيف تنعكس المصالحة الخليجية على الأردن؟
قراءة إسرائيلية في مصالحة دول الحصار لقطر