وسط مصالحة خليجية، تنظر دول لم تنحز لأي من الأطراف الخليجية خلال أزمتها بشكل كامل، بعين المراقب، والمنتظر، وذلك لأثرها البالغ عليها خارجيا وداخليا ومن بينها الأردن.
وتترقب المملكة التي تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة ما ينتج عن المصالحة الخليجية، وشكل التحالفات القادمة في المنطقة، في وقت حاولت فيه اعتماد سياسة الحفاظ على العلاقات مع جميع أطراف الأزمة.
وللحديث عن ذلك، أعرب مسؤول أردني سابق عن ارتياحه من مشهد المصالحة القطرية السعودية، معتبرا أن تلك المصالحة ستنهي الاصطفافات التي كانت المملكة تلجأ إليها أثناء فترة القطيعة الخليجية.
ويرى وزير الثقافة والشباب الأردني الأسبق، د. محمد أبو رمان، أن "الأردن عانى في الفترة الماضية من حالة الاستقطاب التي حدثت بين هذه الدول، وكانت المملكة تاريخيا منحازة للطرف السعودي الإماراتي، وسبقها أزمة سابقة منذ عشرين عاما بين الأردن وقطر، لكن عندما اشتدت الحملة على قطر حاول الأردن إمساك العصا من المنتصف وإعادة السفير القطري.
وأضاف: "أصبح هناك فجوة في ما بين الموقف الأردني والسعودي-الإماراتي في ملفات إقليمية وترتيبات الأولويات بين الملف الإيراني والقضية الفلسطينية".
وعبر عن اعتقاده في حديث لـ"عربي21" عن أن "الجميع يعيد ترتيب أوراقه ويعيد حساباته استنادا إلى أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، والمهم أن الأردن لم يعد مضطرا لأخذ مواقف حادة هنا أو هناك، خصوصا أن هناك إرهاصات تقارب تركي-سعودي، وهذا خفف على الأردن الضغوطات، قد يكون منها لاحقا ملف الحركة الإسلامية".
ورغم ذلك، يقول أبو رمان وهو كاتب ومحلل سياسي أيضا، إنه "لا مؤشرات واضحة حتى الآن للتوافقات التي حدثت بين قطر والسعودية والإمارات، كي نعرف ما مدى تأثيرها على الملفات الداخلية والخارجية الأردنية، لذا فإنه من الصعب التوقع قبل معرفة ماذا سيحدث بعد القمة الخليجية".
وقال: "ما يحدث الآن هو إعادة تموضع، مع قرب استلام الرئيس الأمريكي جو بايدن لسلطاته".
ورأى أن "من إيجابيات المصالحة الخليجية على الأردن، وقف الاستقطاب بين النخب الإعلامية في الأردن، إذ أفرزت الأزمة الخليجية نخبا محسوبة على أطراف الصراع بطريقة مؤذية للمملكة، والمصالحة ستخفف من هذه الاستقطابات"، وفق تقديره.
موقف رسمي
رسميا، علقت وزارة الخارجية الأردنية، الثلاثاء، على القمة الخليجية وعلى بيانها الختامي، ورحب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بها، قائلا: "بيان العُلا يشكل إنجازا كبيرا، ذلك أن رأب الصدع وإنهاء الأزمة الخليجية وعودة العلاقات الأخوية إلى مجراها الطبيعي يعزز التضامن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، ويخدم طموحات شعوبها بالنمو والازدهار، ويسهم في تعزيز التضامن العربي الشامل وجهود مواجهة التحديات المشتركة".
وثمن "الجهود التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية، وجميع الأطراف لإنهاء الأزمة. وأكد أن المملكة ستستمر في العمل مع جميع الأشقاء على تعزيز التضامن والعمل العربي المشترك في مواجهة التحديات، وتعميق التعاون العربي لخدمة المصالح والقضايا العربية المشتركة، وتحقيق المستقبل الأفضل لجميع الدول العربية".
إسلاميو الأردن يرحبون
ورحب حزب جبهة العمل الاسلامي الأردني (الذراع السياسية لجماعة الإخوان)، بالمصالحة الخليجية، إذ قال الناطق باسم حزب جبهة العمل الإسلامي، ثابت عساف، لـ"عربي21": "نرحب بالمصالحة الخليجية، وأي توافق عربي يطوي الخلاف الداخلي، في ظل التحديات المتلاحقة على المنطقة، التي تحتاج لرص الصفوف وتجاوز أي حالة ضعف تؤدي إلى اختراق العدو الصهيوني للمنظومة العربية، والتأثير على تطلعات الشعوب بالحرية".
وقال: "نأمل أن تكون هذه الخطوة على طريق انكفاء مشروع مواجهة تطلعات الشعوب العربية وإرادتها".
ملف جماعة الإخوان المسلمين
ولم تذهب المملكة الأردنية إلى ما ذهبت إليه كل من مصر، والإمارات، والسعودية، بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين "جماعة إرهابية"، إلا أن النظام في الأردن وجد طرقا أخرى أقل صدامية في علاقته مع الجماعة، التي تدهورت بعد الربيع العربي الذي تصدرته الحركات الإسلامية.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية، د. أنيس الخصاونة، أن "وضع جماعة الإخوان المسلمين في الأردن حساس، وتأثرت المملكة بالضغوطات السعودية في ما يتعلق بملف جماعة الإخوان، لكن كانت المملكة الأقل عدائية تجاه الجماعة، ولم تسجن أعضاءها".
وقال لـ"عربي21": "رغم المصالحة القطرية السعودية، إلا أن مصر والإمارات ستتأخران في دخولها، وستبقى ملفات عالقة بين القطريين والسعوديين، ولن تسير المصالحة مع السعودية بالتوازي مع المصالحة مع مصر والإمارات، كون ملف الإخوان المسلمين على سبيل المثال حساسا لهاتين الدولتين".
أردنيا، رأى أن المصالحة الخليجية "ستخلف مرونة أكثر بالتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، خصوصا أن النظام الأردني لا ينظر للجماعة على أنها عدو، لذا فستكون هناك انفراجة نسبية".
أما فلسطينيا، فقال إن "الموقف الأردني متقدم على الدول العربية في الملف الفلسطيني، والأقرب. والمصالحة الخليجية سيكون لها انعكاسات على هذا الملف، خصوصا في عودة الديمقراطيين للرئاسة في أمريكا، بحيث يعود الدعم للاجئين، بالإضافة إلى رؤية مختلفة لحل القضية الفلسطينية، بعيدا عن صفقة القرن التي أيدتها دول خليجية".
ضغوط أقل
الكاتبة لميس أندوني، قالت لـ"عربي21": "الأردن وجد نفسه بين الأطراف المتصارعة، خاصة أن كلا من الإمارات والسعودية ضغطتا على الأردن لعدم التعامل مع قطر، أو أي حليف لها مثل تركيا، لكن المصالحة ستخفف الضغوط، وهذا يعتمد على الاتفاقية بين الأطراف الخليجية".
وأضافت: "لكن ستخف الضغوط المتعلقة بالتعامل التجاري والسياسي بالدول المحيطة، خصوصا أن الوضع الاقتصادي في المملكة يتطلب التعامل مع الجميع".
أما بالنسبة لملف التطبيع، فقالت: "الدور السعودي هو الأساس، وتباطأت وتيرة التطبيع السعودي العلني مع إسرائيل. والبيان السعودي الأخير التزم بالقضية الفلسطينية، ما سيتيح للأردن مساحة للتحرك كونه الأقرب لما يحدث في فلسطين".
وقالت: "سنشهد فترة تقل فيها الضغوطات في كل الاتجاهات، ويجب على الأردن استغلال هذه الفترة للتفكير في استراتيجيات تخفف الضغوط الاقتصادية عنه، والحصول على دعم من خلال ضخ الاستثمارات في المملكة دون شروط سياسية".
ويحاول الأردن الذي تربطه علاقات جيدة مع الديمقراطيين في أمريكا، العودة إلى لعب دور إقليمي في ملفات مهمة كالملف الفلسطيني، والملف الإيراني، والملف السوري.
9 بنود مهمة في "إعلان العلا".. وأخرى "غائبة"
هل سيكون 2021 عام الاحتجاجات الشعبية في الأردن؟
قراءة إسرائيلية في مصالحة دول الحصار لقطر