تقارير

مثلث حيفا.. قصة صمود فلسطيني ورعب صهيوني

حيفا.. يُطلق عليها عروس الكرمل وتقع على البحر المتوسط وتعد أهم موانئ فلسطين- (وفا)

في الأشهر الثلاثة التي أعقبت سقوط مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني في الثاني والعشرين من  نيسان/ أبريل من عام 1948؛ سطع نجم قرى ما أسماه الشعب الفلسطيني بمثلث الصمود الصغير، الذي يضم قرى، جبع، وعين غزال، وإجزم؛ وذلك لما أبلته في معركة الدفاع عن تلك القرى، ولمساندتهم للقرى المجاورة، إضافة إلى ما فرضه موقعهم الاستراتيجي على طرق إمداد العصابات الصهيونية بين يافا وحيفا عل الطريق الساحلي الفلسطيني، حيث صمدت تلك القرى صمودا أسطوريا لأكثر من ثلاثة أشهر، واستعمل الصهاينة لاحتلالها كل صنوف الأسلحة المتوافرة لديهم وسقط خلال الدفاع عن قرى المثلث الكرملي عشرات الشهداء من الفلسطينيين وقتل عشرات من العصابات الصهيونية.

مثلث الرعب وسقوط حيفا والقضاء

ثمة خطط صهيونية وبريطانية أدت لاحتلال مدينة حيفا في 22 نيسان (أبريل) 1948؛ وبعدها بعدة أشهر احتلت العصابات الصهيونية أكثر من خمسين قرية فلسطينية في قضائها ومن ضمنها مثلث الكرمل، الذي يتشكل من قرى إجزم وجبع وعين غزال كما أسلفنا، ويكمن السبب الرئيسي في اختلال في ميزان القوى لصالح العصابات الصهيونية سواء على المستوى البشري أو الأسلحة النوعية، فضلاً عن تقاعس وخيانة قادة جيش الإنقاذ الذي تشكل من عدة سرايا عربية بغرض نجدة ونصرة الشعب الفلسطيني. 

وحول مثلث الرعب الفلسطيني أشار الدكتور المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها في دراساته المختلفة إلى أن هناك منطقتين دعيتا باسم المثلث، في أثناء نكبة وحرب 1948؛ الأولى "مثلث الساحل" التي عرفت أيضاً باسم "مثلث الكرمل"، حيث أطلق عليه مصممو الرأي العام اليهودي الصهيوني آنذاك اسم "مثلث الرعب" أو "المثلث الصغير"؛ نظراً لصمود أهله والثوار الفلسطينيين في مواجهة الهجمات التي شنتها العصابات الصهيونية التي شكلت فيما بعد نواة وأذرع الجيش الصهيوني. أما المنطقة الثانية فهي المنطقة التي تم سلخها عن المثلث الكبير وضمها لإسرائيل في شهر أيار (مايو) 1949، وذلك تنفيذاً لاتفاقية الهدنة في رودس، والتي أبرمت بين إسرائيل والأردن في نيسان (أبريل) 1949، والتسمية هنا تسمية مجازية لأن شكل هذا القطاع لا يمت لشكل المثلث بأية صلة فهو عبارة عن شريط يصل طوله إلى سبعين كيلومترا وعرضه خمسة كيلومترات.

 

رغم مرور أكثر من إثنين وسبعين على النكبة الكبرى ، لم تتوقف معاناة أهالي مثلث الكرمل الذين طردوا من قراهم تحت وطأة المجازر الصهيونية المنظمة.

 



إثر ارتكاب مجازر فظيعة من قبل العصابات الصهيونية في مثلث حيفا؛ إجزم وجبع وعين غزال، فقد تم احتلال المنطقة في نهاية تموز/ يوليو 1948 وتهجير آلاف الفلسطينيين باتجاه مدينة جنين في الضفة الغربية والأردن وسوريا، وعدد قليل لا يتجاوز الـ(2500) فلسطيني تم نقلهم في سيارات الجيش العراقي عبر مدينة جنين إلى العراق بقيادة قائد الفرقة العراقية التي كانت متمركزة في الساحل الفلسطيني الضابط عمر علي.

الصمود والتمسك بالهوية رغم الألم
 
رغم مرور أكثر من اثنين وسبعين على النكبة الكبرى، لم تتوقف معاناة أهالي مثلث الكرمل الذين طردوا من قراهم تحت وطأة المجازر الصهيونية المنظمة. ففي العاشر من نيسان/ أبريل 2002 ارتكب الجيش الصهيوني مجزرة مروعة في مخيم جنين في الضفة الغربية، الذي تعود أصول غالبية سكانه إلى قرى مثلث الكرمل، ذهب ضحيتها المئات بين شهيد وجريح، وذلك بعد صمود مشهود له، وتجسدت فيه روح الوحدة الوطنية بين كافة الفصائل في مواجهة الاحتلال. وفي عام 2012 تم تدمير أجزاء كبيرة من مخيمي اليرموك ودرعا واستشهاد المئات من اللاجئين الفلسطينيين وتهجير الآلاف منهم إلى المنافي القريبة والبعيدة، حيث يمثل أهالي مدينة حيفا وقراها ومن ضمنها قرى المثلث إجزم وجبع وعين غزال، نحو (20) في المائة من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
  
واللافت أن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق، الذين تعود أصول غالبيتهم إلى مثلث الكرمل، لم  تتوقف البتة منذ احتلاله من قبل الجيش الأمريكي في نيسان/ أبريل 2003، ووصلت تلك المعاناة ذروتهـا بعد مقتل (400) من اللاجئين على يد قوى عراقية طائفية تعتبرهـم موالين للنظام العراقي السابق. 

وقد أكدت دراسات أن المجازر التي ارتكبتها ميليشيات طائفية موتورة إلى تهجير (20) ألفا من فلسطينيي العراق إلى أربعين دولة في العالم، يمثلون (83) في المائة مجموع اللاجئين، ولم يتبق سوى (4000) لاجئ فلسطيني في العراق حتى عام 2020، ويتمركزون بشكل أساسي في حي البلديات في وسط العاصمة بغداد. 

ويمكن الجزم بأن معاناة من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين في العراق أصبحت مركبة والتغريبة ستلاحقهم يومياً، خاصة بعد إصدار العراق قانونا مثيرا للقلق قبل عدة أشهر؛ يحرم الفلسطينيين على أراضيه من امتيازات تمتعوا بها منذ بداية الخمسينيات؛ ويلغي قانونا سابقا صدر عام 2001 ومنحهم تلك الامتيازات، حيث تم اعتبار اللاجئ الفلسطيني في العراق مقيما أجنبيا وبلا أي امتيازات كان يتمتع بها ومنها.

الكفاح الوطني 

ساهم أهالي قرى مثلث الكرمل الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية وفي المهاجر القريبة والبعيدة  كأقرانهم من الشعب الفلسطيني بكافة مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني، وسقط منهم المئات من الشهداء والجرحى والأسرى على مذبح الحرية والتحرير والعودة. وبرزت من بينهم رموز كثيرة في المجالات كافة؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر كان الدكتور الراحل محمد توفيق البجيرمي من قرية إجزم الكرملية من أهم المدرسين لمادة الأدب المقارن في كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية- جامعة دمشق حتى عام 2000؛ أما شيخ المحققين والنقاد العرب فكان الراحل إحسان عباس الذي ينحدر من قرية عين غزال إحدى قرى مثلث جبل الكرمل الشامخ الذي يحتضن مدينة حيفا من الشرق.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا