على
الرغم من توافق رئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل
ماكرون، في كثير من القضايا والملفات بمنطقة الشرق الأوسط وحوض المتوسط، إلا أن الملف
الحقوقي لمصر كان سببا في حدوث خلاف علني بين الجانبين.
وفي
خطوة مثيرة، انتقدت فرنسا احتجاز السلطات المصرية حقوقيا بتهمة "الانضمام لجماعة
إرهابية" ونشر "أخبار كاذبة"، الأمر الذي استدعى ردا مصريا اعتبر البيان الفرنسي "تدخلا في شؤونها".
وكانت
زارة الخارجية الفرنسية قد أصدرت بيانا الثلاثاء، أعربت فيه عن قلقها "العميق"
تجاه توقيف مدير "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" محمد بشير، حسب بيان
نشرته عبر حسابها بـ"تويتر".
الخارجية
الفرنسية، قالت إن "فرنسا تقيم حوارا صريحا ومتطلبا مع مصر حول مسألة حقوق الإنسان،
بما في ذلك القضايا الفردية، وتعتزم مواصلة الحوار، والتزامها بحماية المدافعين عن
حقوق الإنسان في العالم".
واعتقلت
قوات الأمن المصرية بشير، فجر الأحد، إثر لقائه 15 سفيرا أجنبيا بمكتبه في القاهرة
3 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، لمناقشة "أوضاع حقوق الإنسان بمصر"، فيما
قررت النيابة حبس الحقوقي المصري 15 يوما.
وأعلنت
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عن اعتقال قيادي آخر بها، هو " كريم عنارة"،
ظهر الأربعاء، بمنتجع دهب بالبحر الأحمر. وأكدت في الوقت ذاته أن النيابة وضباط الأمن
وجهوا لبشير أسئلة حول طبيعة نشاط المبادرة، وزيارة الدبلوماسيين لمقرها.
البيان
الفرنسي، أثار غضبا مصريا كشفه بيان وزارة الخارجية المصرية الأربعاء، الذي أعلن
"رفض القاهرة ما تضمنه البيان الفرنسي من تدخل في شأن مصري داخلي".
وأضاف
البيان المصري أن "المبدأ الذي تلتزم به مصر هو الامتناع عن التدخل أو التعليق
على الإجراءات التي تتخذها سلطات إنفاذ القانون بالدول الأخرى بما فيها فرنسا".
وأعرب
عن "الأسف لعدم احترام بيان الخارجية الفرنسية للقوانين المصرية"، منوها
إلى "ضرورة احترام مبدأي السيادة الوطنية وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، اللذين
نص عليهما القانون الدولي الذي يحكم العلاقات بين الدول".
وتحت غطاء "الشأن الداخلي المصري"، انتقد إعلاميون وسياسيون مؤيدون لنظام السيسي فرنسا، بينهم الإعلامي والبرلماني مصطفى بكري، الذي قال بـ"تويتر": "لا يحق لفرنسا أو غير فرنسا التدخل في الشأن الداخلي المصري".
وأضاف: "مصر بلد ذو سيادة، والتدخل في شأنها هو اعتداء غير مبرر على هذه السيادة، القضاء المصري النزيه هو فقط وحده صاحب القرار ضد كل من يتجاوز القانون".
لكن انتهاك السلطات المصرية لحقوق الإنسان أدى إلى تنديد شديد اللهجة من منظمة العفو الدولية، التي وصفت اعتقال "بشير" و"عنارة" "تصعيدا مخيفا في حملة السلطات المصرية على المجتمع المدني".
وتقدر منظمات حقوقية عدد المعتقلين لأسباب سياسية في مصر بنحو 60 ألفا، تم اعتقال أغلبهم قبل نحو 7 سنوات منذ انقلاب الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي منتصف عام 2013.
الأسباب
والمبررات
وحول
دلالات الموقف الفرنسي الجديد من ملف حقوق الإنسان في مصر، قال السياسي المصري الدكتور
جمال حشمت: "لا شك أن مؤسسات معنية بمتابعة حقوق الإنسان لها استقلالية بفرنسا
هي من تتابع أحوال حقوق الإنسان بالبلاد المشبوهة حقوقيا، ولا علاقة لها بماكرون وسفهه".
البرلماني
السابق، أوضح بحديثه لـ"عربي21"، أن "السبب الرئيسي لاعتقال بشير هو
الاجتماع بدبلوماسيين من ١٥سفارة بمقر المركز، وهذا ما يرعب نظام الانقلاب بخروج تقارير
من الداخل تدعم التعديات والخروقات بملف حقوق الإنسان وبشكل رسمي من ١٥ دولة أجنبية، ما أثار غضب الجهات السيادية".
اقرأ أيضا: "العفو الدولية" تطالب مصر بإطلاق سراح اثنين من الحقوقيين
وأضاف:
"يبدو أن منهم دبلوماسيين من السفارة الفرنسية، وكان المتوقع أن تعترض 15 وزارة خارجية أجنبية وليس فرنسا فقط على هذا
التعسف والاعتقال الأهوج الذي تمارسه سلطات الانقلاب المصرية".
تصريحات
دون أفعال
الحقوقية
المصرية هبة حسن، من جانبها قالت لـ"عربي21": "لا يعتبر الموقف الفرنسي
الأخير هو الصدام الأول مع النظام المصري بملف حقوق الإنسان، حيث سبقه موقف مماثل تعليقا
على ما يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان والنشطاء بمصر من انتهاكات، واعتقالات،
ومنع من النشاط والسفر".
وأشارت
إلى قول ماكرون أثناء زيارته القاهرة في كانون الثاني/ يناير ٢٠١٩، إن "الاستقرار
والأمن مرتبطان باحترام حقوق الإنسان"، ورد السيسي عليه بأن "عدم تفهم فارق
الوضع بين مصر والغرب، وأن ضرورة محاربة الإرهاب هو واقع مختلف لا يسمح بالقياس على
حقوق الإنسان بأوروبا وأمريكا".
مدير
التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، تحدثت عن تغيير موقف ماكرون، قائلة: "يبدو
أن ملف المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء ومفهوم المجتمع المدني لدى فرنسا تغير مع
ضغط المنظمات الدولية على ماكرون، عن موقفه الذي أعلنه بالعام ٢٠١٧، حين تجاهل ما أثير
حينها حول ملف حقوق الإنسان".
ولفتت
إلى أن "تصريح ماكرون حينها بأن فرنسا ليس من دورها توجيه دروس لمصر بحقوق الإنسان،
عرضه لانتقادات شديدة"، معتقدة أن "موقفه في ٢٠١٩ جاء مصححا، ومعتبرا أن
تزايد وتيرة الانتهاكات ضد النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان بعد ٢٠١٧، لا يمكن الصمت عنه، ووصفه بالأسوأ من أوضاع عهد
مبارك".
وقللت
حسن من قيمة الانتقادات الفرنسية، مؤكدة أن "ما صدر بـ2019، والآن، تظل تصريحات
مجردة تحافظ بها فرنسا على واجهتها وشعاراتها دون فعل حقيقي وضاغط لوقف تداعيات الوضع
الحقوقي بمصر، ومنع استمرار النظام بغلق كل متنفس للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، فضلا عن المجتمع نفسه للتعبير والدفاع عن حقوقه".
بعد إبطال نحو ثلث الأصوات.. ما رسالة الناخبين لنظام السيسي؟
"ابن المستشار" يفجّر الغضب بمصر من استغلال النفوذ (شاهد)
"مستقبل وطن".. حزب السيسي أم ظهير الدولة؟