قضايا وآراء

أيديولوجية النظام وراء كارثة هدم بيوت المصريين

1300x600
في كتاب "عقيدة الصدمة.. صعود رأسمالية الكوارث"، للمؤلفة الكندية ناعومي كلاين، تكشف الكاتبة السياسيات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة من قبل المؤسسات المالية الكبرى والدول الرأسمالية الغربية منذ أربعين عاماً، وتحديدا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإلى الآن، لتطبيق سياسة السوق كرها، على البعض، وطوعا من خلال العملاء والوكلاء على شعوبهم، مستفيدة مما جاء في النظرية التي ابتدعها المفكر الاقتصادي الأمريكي ملتون فريدمان، أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو، والمبنية على الاستفادة من الأزمات أو الكوارث التي تمر بها الشعوب سواء كانت طبيعية أو قدرية، أو حتى مفتعلة، لتمرير سياسات رأسمالية من شأنها أن تخدم طبقة بعينها مربوطة بالطبيعة بالرأسمالية العالمية، وعلى رأسها واشنطن وملوك المال والأعمال في العالم، أو ما تسمى بالحكومة الخفية للعالم (الماسونية).

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، كان لزاما على الرأسمالية أن ترتيب أوراقها سريعا كي تتحكم في الدولة المترامية الأطراف والمتناهية العظم من ناحية الموارد والسوق، فنشأت نظرية رأسمالية الكوارث، التي تستغل انهيار الشعوب ورخاوة الدولة بعد الكوارث، كزلزال مدمر أو فيضان جارف، أو الاستفادة من الأزمات الاقتصادية أو السياسية، كالهزيمة في حرب أو انقلاب عسكري، لتمرير السياسة الرأسمالية المبنية على تحكم طبقة معينة بالثروات والموارد، وما يصاحبها من تغيرات اجتماعية يرفضها المجتمع في الظروف الطبيعية. هذه الطبقة تكون جسرا للشركات العابرة للقارات، لتحط رحالها في هذه البلاد وتقطف ثمار هذه البلاد وتفرض نمطا اجتماعيا؛ خلاصته فرض حالة الاستعباد الناعم على هذا الشعب.

وتعرض الكاتبة ناعومي كلاين في الكتاب أمثلة لتطبيق هذه النظرية (نظرية رأسمالية الكوارث) على بعض الدول التي انهارت تحت أقدام النظرية، رضوخا للرأسمالية عموما والدولار الأمريكي الذي يطبع من غير غطاء ليستعبد الدول.

صرح السيسي مع بداية وصوله للحكم، بعد الانقلاب الذي شاركت فيه، نظريا، مخابرات عدة دول، منها من لدينا عليه أدلة، من خلال تصريحات قيادات هذه الدول، ومنها ما هو معروف ضمنا باستقراء السياسات والمواقف.. صرح السيسي أنه لم يعد هناك شيء مجانا (مافيش حاجة ببلاش خلاص.. إن كان علي أخلي اللي بتكلم في التلفون يدفع واللي بيسمعه يدفع)..

لاحظوا نظرية الصدمة الرأسمالية.. هذا ليس كلام الرجل، فهو أقل إدراكا من أن يفهم المعنى، لكن المحركين استطاعوا من خلال البرمجة اللغوية العصبية أن يجروا على لسانه ما بات مقتنعا به من خلال تغيير السلوك من ناحية، وخضوعه كأداة لمحركيه من ناحية أخرى.

ومن هنا تابع الرجل سياسات اقتصادية قاسية، رفع من خلالها الدعم بشكل شبه كلي عن شعب يعاني الفقر والبطالة، ولا يتحمل ما يتحمله العالم من أسعار سوق تراعي الدخول، ومظلة صحية مميزة تغطي كامل الشعب، ويحمي الشعوب مجتمع مدني قوي يستطيع أن يصد هجمات الرأسمالية الشرسة إذا ما تغولت. أما النظام في مصر فيرفع أسعار المحروقات ومواصلات والكهرباء والغاز جبرا، ويقول رئيسه: "محدش يقولي متغليش.. المشروعات دي بقروض".

تعويم الجنية ورفع الأسعار، وقروض خارجية متتالية وصلت إلى 109 مليارات دولار، وبيع أصول مصر عبر الصندوق السيادي لمستثمرين عرب وأجانب.. هذا بيت القصيد ومربط الفرس، وهو هدف مشاركة مخابرات الغرب في التخطيط للانقلاب وإيصال السيسي إلى سدة الحكم. فالدور الوظيفي الذي يلعبه السيسي ونظامه هو ذلك المخطوط في نظرية الصدمة الاقتصادية. فالانقلاب لم يكن غاية في حد ذاته وإنما وسيلة.. وسيلة للتنازل عن حدود مصر الاقتصادية ومن ثم حقها في غاز المتوسط للكيان المحتل، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير من أجل مشروعات سياحية خارج وصاية المتدينين في مكة والمدينة.

وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها في محافظات مصر المختلفة والتهديد بإنزال الجيش لتنفيذ الهدم، هو من أجل أن يبيع المساكن التي بناها جيشه، كما أوقعه لسانه منذ أسبوع، حين قال: "لما بنروح المحافظات وناحذ قطعة أرض ونبني عليها تجمع الناس ما بتخدوش".. إذن فهدم مساكن الناس على رؤوسهم هو إجبار لكي يشتري المواطن جبرا تلك البيوت التي تباع بأسعار خيالية وفوائد غير منطقية لمصلحة فئة بعينها مرتبطة بدوائر القروض والفوائد العالمية، فالخدمة في النهاية ذاهبة من خلال استيراد المواد الأساسية والسلع الرأسمالية.

دائرة مركبة بعضها فوق بعض، منطلقها بالأساس ما لفتت له ناعومي كلاين في كشف نظرية الصدمة الاقتصادية التي تعيشها مصر بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع