ما إن انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الصورية لمجلس الشيوخ المصري في الثاني عشر من آب/ أغسطس الحالي، لتبدأ من اليوم التالي حزمة من القرارات الحكومية التي تزيد من الأعباء على كاهل المصريين، بداية من خصم نسبة 1 في المئة من أجور العاملين سواء في الحكومة أو في القطاع الخاص، ورفع أسعار مترو الأنفاق، إلى خفض وزن الخبز المدعم، وتعديل الرسوم القنصلية التي يدفعها المصريون في الخارج، وفرض رسوم إضافية على عدد من الخدمات لتمويل صندوق لدعم ذوي الإعاقة، ورسوم لصندوق آخر لرعاية المبتكرين، وغير ذلك من القرارات.
وكان توقيت تلك القرارات غير مناسب بالمرة، حيث يعاني المصريون خلال الأسابيع الأخيرة من فرض رسوم للتصالح في مخالفات البناء على ساكني العقارات المخالفة، رغم عدم تسببهم في تلك المخالفات. كذلك يعاني الكثير من المصريين من تعريفة الكهرباء الجديدة التي بدأ تحصيلها خلال الشهر الحالي، بسبب نقلهم إلى شريحة استهلاكية أعلى قيمة في تعريفتها من الشريحة السابق حسابهم عليها. كما تعاني العمالة في المقاولات وصناعات مواد البناء من وقف تراخيص البناء لمدة ستة أشهر.
كذلك حالة الركود في الأسواق والتي أدت إلى تصريح رئيس جمعية مستثمرى مدينة العاشر من رمضان، والتي تعد أكبر منطقة صناعية مصرية، أن مصانع المدينة تعمل بنسبة 40 في المئة من طاقتها بسبب ضعف الطلب، كما أعلنت شعبة الأدوية في الاتحاد العام للغرف التجارية تراجع مبيعات الكمامات والفيتامينات بنسبة 50 في المئة، ومددت وزارة التموين الأوكازيون الصيفي الذي استمر شهرا كاملا لشهر ثان، وقامت شركة عمر أفندى المتخصصة في بيع الملابس والسلع المعمرة والأثاث والهدايا منذ 160 عاما، بالإعلان عن إدخال بيع مواد البقالة الغذائية إلى فروعها للحد من خسائرها.
وجاءت بيانات جهاز الإحصاء الرسمي لتشير إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 9.6 في المئة خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، نتيجة تداعيات فيروس كورونا، ليصل عدد العاطلين إلى مليونين و574 ألف شخص، وهو رقم يتحفظ عليه كثير من الخبراء الذين يرون الواقع أكبر من ذلك، إلى جانب إعلان جهاز الإحصاء انخفاض قوة العمل خلال الربع الثاني من العام الحالي، بسبب تداعيات كورونا بنحو مليونين و319 ألف شخص، أي بإجمالي أربعة ملايين و893 ألف شخص للبطالة السافرة والخارجين من سوق العمل.
ارتفاع أسعار الخدمات والغذاء
وكانت بيانات جهاز الإحصاء الخاصة بأسعار المستهلكين بشهر تموز/ يوليو، قد أشارت إلى ارتفاع أسعار الخدمات التعليمية بنسبة 28.5 في المئة خلال عام، والخدمات الصحية بنمو 9 في المئة، والمطاعم بنمو 8 في المئة، والنقل والمواصلات بنسبة 7 في المئة، والاتصالات 4 في المئة.
كما زادت أسعار العديد من السلع الغذائية خلال نفس الفترة، ومنها الفول البلدي بنسبة 17 في المئة، والحلاوة الطحينية السائبة 18 في المئة، والزبدة البلدي 11 في المئة، وعسل النحل 10 في المئة. كذلك زادت أسعار العديد من أصناف الخصروات، والعسل الأسود، والجبن الأبيض، وزيت الذرة، والأرز المعبأ، والمكرونة السائبة وغيرها.
كذلك ما زال النشاط السياحي محدودا وقاصرا على ثلاث مناطق فقط، هي الغردقة وشرم الشيخ ومرسى مطروح. ونظرا لعدم إضافة مصر لقائمة الاتحاد الأوروبي للدول الآمنة في ما يتعلق بفيروس كورونا، فقد اقتصر الحضور على سياح من بعض بلدان أوروبا الشرقية.
وها هو صندوق النقد الدولى يتوقع إنخفاض الإيرادات السياحية خلال العام المالى الحالي 2020/2021، الذي بدأ في يوليو تموز الماضى ويستمر حتى يونيو حزيران القادم، إلى 2.7 مليار دولار مقابل 10 مليار دولار في العام المالي الأخير، الذي شهد النصف الثاني منه تداعيات فيروس كورونا على النشاط السياحي.
كما توقع صندوق النقد الدولي انخفاض تحويلات العمالة المصرية في الخارج، التي تعتمد عليها ملايين الأسر إلى 18.7 مليار دولار في العام المالي الحالي، مقابل 21.6 مليار دولار في العام المالي الأخير، وهي التحويلات التي كانت قد بلغت 26.3 مليار دولار في العام المالي 2017/2018.
كذلك توقع صندوق النقد انخفاض قيمة الصادرات السلعية المصرية في العام المالي الحالي إلى 23 مليار دولار مقابل 25.9 مليار في العام المالي الأخير، أيضا انخفاص صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في العام المالي الحالي، إلى 5.5 مليار دولار مقابل ثمانية مليارات دولار في العام المالي الأخير.
زيادة رسوم الخدمات القنصلية في الخارج
لكن الحكومة المصرية تغاضت عن كل تلك المعاناة للمصريين، وبدأت حزمة جديدة من الإجراءات التي تزيد من تلك المعاناة، بدأتها بقرار جمهوري بخصم نسبة 1 في المئة من أجور العاملين في الدولة وفي القطاع الخاص، ومن العمالة الدائمة أو المؤقتة لمدة 12 شهرا، لصالح نفقات مواجهة فيروس كورونا، وكذلك خصم نسبة نصف في المائة من المعاشات لمدة 12 شهرا لنفس الغرض، كما تضمن القرار إمكانية زيادة فترة الخصم عن الاثني عشر شهرا.
وكان قرار رفع أسعار مترو الأنفاق الذي يعتمد عليه سكان محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية) بنسب تراحت ما بين 40 في المئة إلى 67 في المئة، وهي الزيادة الرابعة منذ آذار/ مارس 2017، ثم كان قرار خفض وزن رغيف الخبز المدعم من 110 جرامات للرغيف إلى 90 جراما، ونظرا لصرف خمسة أرغفة مدعمة للفرد يوميا، فإن نقص وزن الأرغفة الخمسة من 550 جراما إلى 450 جراما، يعني عمليا نقص عدد الأرغفة من خمسة إلى أربعة، وهو قرار يمس الأمن القومي الغذائي المصري نظرا لاعتماد غالبية الفقراء على الخبز المدعم كطعام رئيسي.
وفي ظل تفشي سوء التغذية بين حوالي ثلث الأطفال المصريين، فإن نقص وزن الخبز المدعم يمثل خطرا على الصحة العامة للمصريين، ويزيد على الجانب الآخر من الإنفاق الصحي ويقلل من الإنتاجية نتيجة النقص الغذائي. كما أن توقيت القرار يتنافى مع التصريحات الرسمية برعاية الأسر الفقيرة، وكان توقيته غير متناسب مع ارتفاع حالة البطالة والركود المترتب على تداعيات كورونا.
ونفس حالة عدم التوفيق في التوقيت كانت لقرار زيادة الرسوم القنصلية التي يدفعها المصريون في الخارج، خلال تعاملاتهم الخاصة في السجل المدني، من تسجيل زواج أو طلاق ونحو ذلك من توكيلات وتصديقات في القنصليات، في ظل تراجع أسعار البترول وفرض ضريبة القيمة المضافة في الدول الخليجية، وظروف العمل الصعبة في مرحلة ما بعد الفيروس والتي أدت لنقص التحويلات، وهو نفس النقد الموجه لقرار زيادة رسوم تأشيرات الدخول للسياحة، والتي يتم دفعها بالدولار في وقت تنخفض فيه حركة السياحة الواردة وتحتاج إلى محفزات وليس إلى زيادة رسوم.
زيادات مرتقبة بضريبة القيمة المضافة
وقامت وزارة الصحة بزيادة سعر تحليل "PCR" الخاص بفيروس كورونا للمصريين من 1050 جنيها إلى 1260 جنيها، وكذلك زيادة سعره للأجانب إلى 1680 جنيها.
وامتد الأمر إلى إقرار البرلمان فرض رسوم لصالح صندوق لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة، على 14 خدمة منها: رخص قيادة السيارات، ورخص تسيير المركبات واستخراج صحيفة الحالة الجنائية، وتذاكر المباريات الرياضية، وتذاكر الحفلات الغنائية، وطلبات الالتحاق بالكليات، وتصاريح العمل للمصريين في الخارج وطلبات حجز الوحدات السكنية وطلبات الاشتراك بالأندية وتجديد العضوية السنوية، وكذلك فرض رسم على الطلاب بمراحل التعليم قبل الجامعي والجامعي وفي المعاهد العليا، وفرض مبالغ شهرية محددة حسب الدرجة الوظيفية على العاملين في الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص.
كما صدر قرار جمهوري بفرض رسم سنوى على طلاب الجامعات لتمويل صندوق لرعاية المبتكرين، وقامت وزارة التموين بزيادة رسوم دمغ المصوغات ورسوم معايرة أجهزة الوزن ورسوم استخراج الشهادات، كما قام البرلمان بخفض نسبة الإعفاء الضريبي على عوائد أذون وسندات الخزانة لهيئة التأمينات الاجتماعية، وإلغاء الإعفاء الضريبي على عوائدها للجمعيات الأهلية وبنك ناصر الاجتماعي وبنك الاستثمار القومي.
ويتوقع الاستمرار في فرض رسوم جديدة خلال الفترة القادمة، وعلى رأسها التعديلات التي أعلنت عنها وزارة المالية لضريبة القيمة المضافة، برفع نسبتها بالنسبة للصابون والمنظفات الصناعية المنزلية، والمقرمشات والمنتجات المصنعة من الدقيق والحلوى، إلى 14 في المئة.
twitter.com/mamdouh_alwaly
نتيجة تراجع الدخل.. انخفاض معدلات استهلاك المصرييين