يُوصف بـ "الداهية ذو الألف وجه"،
و"الجنرال المراوغ الصامت". ارتبط بعلاقات وطيدة مع أطراف وشخصيات وجهات
مختلفة داخل وخارج مصر. قال عنه مراقبون إنه لعب أخطر الأدوار داخل المؤسسة
العسكرية في التعاطي مع ثورة يناير والانقلاب على التجربة الديمقراطية من خلال "خطة
خداع استراتيجي مُحكمة".. إنه الفريق محمد العصار أحد أبرز الوجوه
"العسكرية" التي ظهرت عقب اندلاع ثورة يناير، وفي أعقاب الانقلاب على الرئيس
الراحل محمد مرسي.
أُحيل للتقاعد عام 2003، إلا أن المشير
حسين طنطاوي استحدث له منصب مساعد وزير الدفاع لشؤون التسليح؛ ليعود إلى الخدمة بالجيش
مرة أخرى في المنصب الذي شغله خلال فترة حكم حسني مبارك، ومحمد مرسي، وعبد الفتاح
السيسي.
"اندلاع الثورة"
كان
"العصار" مسؤولا في المجلس العسكري عن ملف العلاقات الخارجية والاتصال
بالإعلام والقوى السياسية إبان ثورة يناير.
وفي 25 تموز/ يوليو 2011، ترأس العصار
الوفد العسكري المصري المرسل إلى الولايات المتحدة لإجراء حوار استراتيجي، والذي
عقد ثلاث لقاءات موسعة مع شخصيات بارزة في مراكز الأبحاث الأمريكية، بمقر مكتب
الدفاع المصري، ومعهد السلام الأمريكي، وأربعة مراكز أبحاث، بجامعة الدفاع الوطني
الأمريكية.
وخلال ندوة له بمعهد السلام الأمريكي، طمأن
"العصار"، الولايات المتحدة وإسرائيل على علاقاتهما بالجيش المصري،
وبأنهم سيحافظون على اتفاقية "كامب ديفيد"، وأنه لن يحدث أي تغيير بخصوص
تلك الاتفاقية، مُعبّرا عن فخرهم بكون الجيش المصري عنصرا هاما للأمن القومي
الأمريكي.
واستدرك العصار بقوله: "لكن أود أن أؤكد
لكم بعد المرحلة الانتقالية سيكون هناك برلمانا جديدا، ورئيسا منتخبا، ولن تجدوا
شخصا واحدا تستطيعون إقناعه ليتخذ القرار الذي تريدونه، ولهذا فليست أمريكا
وإسرائيل فقط، بل المجتمع الدولي بأكمله مُطالب بأخذ تلك التغيرات في الحسبان".
فيما اعتبر مراقبون تلك التصريحات تحذيرا واضحا مما ستفرزه الإرادة الشعبية وبداية
للتحريض ضدها.
"أول ظهور إعلامي"
في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، ظهر العصار
لأول مرة على شاشات القنوات الفضائية متحدثا عن مذبحة "ماسبيرو"، ومحاولا
تهدئة الرأي العام القبطي، قائلا: "فئة باغية وراء أحداث ماسبيرو". وبعد
أحداث العباسية زعم أن "عدم استخدام العنف ضد الشعب عقيدة ثابتة لدى القوات
المسلحة"، بحسب قوله.
عقب "مذبحة ماسبيرو" التي أفضت
إلى مقتل نحو 35 مصريا أغلبهم من الأقباط، زعم العصار أنه تم الاعتداء على جنود الجيش
كما تم الاعتداء على الأقباط، مشدّدا على أن "المؤسسة العسكرية لن تسمح
بالاعتداء على جنودها مرة أخرى، لأن هذا الاعتداء أساء للقوات المسلحة".
ولطالما روّج العصار كثيرا – مع أقرانه
العسكريين- أن الجيش المصري ليس راغبا في حكم مصر على الإطلاق، وأن الانقلابات العسكرية
ليست في عقيدته، لأنها تحترم الشرعية.
وقال العصار نصا، في أحد لقاءاته الإعلامية،:
"لو كنّا طلاب سلطة أو راغبين في سلطة من 28 كانون الثاني/ يناير وحتى 11 شباط/
فبراير (2011) كان يُسعد الشعب المصري كله أننا نطلع ونخلص بأسلوب عسكري، وكانت
الأمور ستختلف، وكنّا سنحكم وندير البلاد بالأسلوب العسكري، لكن من ثوابتنا التي
كررناها كثيرا أننا لا ننقلب على السلطة حتى لو فقدت هذه السلطة شرعيتها".
"شباب الثورة والأحزاب والإعلاميين"
وذكر عضو المكتب السياسي لحركة شباب 6
أبريل، خالد إسماعيل، أن "العصار لعب دورا جوهريا في التواصل والاجتماع مع الإعلاميين
والأحزاب والقوى السياسية والثورية عقب قيام ثورة يناير، وكان حلقة الوصل بين
هؤلاء والجيش، وكان يكتب بنفسه محاضر تلك الاجتماع، وساهم في تنفيذ المخطط العسكري
الذي بات معروفا للجميع في إحداث الوقيعة بين جميع الأطراف، وتأليب كل طرف ضد الآخر.
ويمكن القول إنه كان مهندس الاتصال والتواصل بين الجيش والقوى السياسية ووسائل
الإعلام المختلفة، والتي أصبحت لاحقا أذرعا سياسية وإعلامية لهم".
واستشهد إسماعيل بالتصريحات التي قالها
البرلماني مصطفى بكري، ومدير مركز الجمهورية للدراسات السياسية والأمنية اللواء الراحل
سامح سيف اليزل، بأن العصار استطاع أن ينشئ بعض الأحزاب السياسية الخاصة بالثوار، وأن
الجيش موّل أحزاب وائتلافات شبابية كثيرة موالية له.
ولفت عضو المكتب السياسي لحركة شباب 6
أبريل، في تصريحات لـ"عربي21"، إلى أن "المجلس العسكري كان عادة ما
يصدّر العصار للحديث في وسائل الإعلام عند حدوث أزمات أو مجازر ارتكبتها القوات
العسكرية والأمنية في أعقاب الثورة، باعتبار أنه كان يقدّم خطابا يبدو سياسيا
وذكيا، بل ومخادعا للكثيرين".
ووصف العصار بـ "الجنرال الداهية الصامت"
و"المراوغ ذو الألف وجه"، والذي قال إنه "تلاعب بالجميع، وخدعهم بسياسته
التي انطلت على الكثيرين"، مضيفا: "في الوقت الذي كان فيه جسرا للتواصل
مع شباب الثورة، وراهن الإخوان عليه، كان فاعلا أساسيا في قتل المتظاهرين في مختلف
الأحداث التي أعقب ثورة يناير وفيما جرى بعد 3 تموز/ يوليو 2013".
وفي هذا السياق، كشف الكاتب الصحفي
المُقرب من المؤسسة العسكرية، ياسر رزق، أن العصار قام بهندسة وترتيب أكثر من 20
لقاء واجتماع بين النخبة السياسية والفكرية وبين المجلس العسكري، منوها إلى أنه
"خلال فترة حكم مرسي كان العصار قناة الاتصال بين رئاسة الجمهورية والجيش
بتكليف من وزير الدفاع حينها السيسي، وقام بنقل 4 تقديرات استراتيجية خاصة بالجيش
قدّمها السيسي من خلاله تحذر من سياسات مرسي التي ستؤدي لاندلاع حرب أهلية"،
بحسب زعمه.
وقال رزق إن "العصار كان مسؤولا عن
ملف التعاون العسكري مع أمريكا، فضلا عن مسؤوليته عن أكبر ملف حساس بالجيش، وهو التسليح"،
مؤكدا أن "أدوار العصار الخفية فاقت ما قد يبدو من أدوراه المعلنة".
"أخطر الأدوار.. خداع
استراتيجي"
بدوره، أكد الباحث بالشأن العسكري في
المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمود جمال، أن "العصار لعب
أخطر الأدوار داخل المؤسسة العسكرية في التعاطي مع ثورة يناير والانقلاب على
التجربة الديمقراطية، حيث أنه كان مسؤولا لسنوات طويلة عن أهم ملفات الجيش، وعلى
رأسها التسليح، والتواصل مع الغرب، والملف السياسي والإعلامي".
وأشار جمال، في تصريح
لـ"عربي21"، إلى أن "العصار ارتبط بعلاقات قوية مع العديد من
الشخصيات والجهات المختلفة، ومنها شخصيات أمريكية وغربية، وشخصيات حزبية وسياسية
ليبرالية، وإعلاميين ونشطاء، وكذلك مع قيادات من جماعة الإخوان بحكم قرابته من أحد
أعضاء مجلس شورى الإخوان الراحلين، وكان يدير تلك العلاقات بدهاء ومُكر بالغين".
وأضاف: "بعد ثورة يناير، تصدر العصار
الملف السياسي للجيش، وكان الواجهة العسكرية السياسية التي تدير الأحداث وتظهر في
الإعلام لتدافع عن وجهة نظرها. وبعد وصول الرئيس مرسي لسدة الحكم كان هو همزة
الوصل مع الرئاسة، ويمكن القول إنه كان ترمومتر العلاقة بين الجيش وقيادات الإخوان،
وكان مسؤولا عن خطة الخداع الاستراتيجي التي مهدت للانقلاب على مرسي بعدما نجح بجدارة
في خداع المعارضة والإسلاميين؛ فحتى آخر لحظة لم يكن هناك أي شك في إخلاص وولاء
ووطنية العصار الذي أوهمهم بالسيطرة على الجيش".
واستطرد قائلا: "بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو
واصل العصار خطة الخداع الاستراتيجي، حتى أن المرشد العام للإخوان، محمد بديع،
خلال التحقيق معه داخل محبسه نهاية عام 2013، وبعد مجزرة رابعة، طلب سماع شهادة اللواء
العصار باعتباره أنه قال له سابقا (اعملوا معروف يا كل السياسيين احملوا هم بلدكم
في الداخل أنا لي 182 ألف ضابط وجندي من الجيش موجودين في الشوارع بعد الثورة لا
استطيع أن أقوم بمهمتي الأساسية في حماية الحدود)، ولأنه تحدث معه سابقا عن
محاولات النظام الجديد للوقيعة بين الجيش والإخوان".
ولفت بديع إلى أنه قال للعصار أيضا
"إننا نتحمل كل هذه الآلام والسجون ظلما وعدوانا، وخرجنا نحب جيشنا. وقلت له
أيضا: هل غيرنا كلمة واحدة مما قلته لكم بعد الثورة؟، قال: لا.."، مشدّدا على
أنه متمسك بسماع شهادة العصار.
وأشار الباحث العسكري إلى أن الرئيس مرسي
أصدر قرارا رئاسيا بالتمديد للعصار للعمل كمساعد لوزير الدفاع الجديد آنذاك، وهو السيسي،
مضيفا: "الرجل كان محل ثقة كبيرة لدى أشخاص كثيرين، ويمكننا وصفه بالثعلب
الماكر".
وأوضح أن "العصار لعب دورا مع اللواء
ممدوح شاهين الذي كان عضو بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور عام 2012، والذي منح
الجيش امتيازات بعينها منها حق العسكريين في محاكمة المدنيين، فضلا عن دوره في
إقرار التعديلات الدستورية التي جرت عام 2011، والتي أثارت جدلا كبيرا حينها".
"مشهد الانقلاب وما بعده"
في حزيران/ يونيو 2012، صرّح العصار بأن المجلس
العسكري سيقوم تسليم السلطة التنفيذية كاملة للرئيس مرسي.
وعقب قيام "مرسي" بالإطاحة
بالمشير طنطاوي والفريق عنان، أكد العصار في آب/ أغسطس 2012 أن هذا القرار اُتخذ بالتشاور
مع طنطاوي والمجلس العسكري.
وفي 12 آب/ أغسطس 2012، قام مرسي بتعيين
العصار مساعدا لوزير الدفاع الجديد. وفي 17 كانون الأول/ ديسمبر، التقي الرئيس
مرسي بالعصار لبحث تأمين استفتاء الدستور، وصفقات الأسلحة.
وفي إطار التمهيد للانقلاب، لفت ياسر رزق،
في تصريحات إعلامية، إلى أن "اللقاءات والاتصالات توالت قبل 30 حزيران/ يونيو،
وأن العصار كان يتولى التواصل مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا".
وبعد اختفاء "إعلامي" دام نحو 6
أشهر، ظهر العصار برفقة السيسي في إعلان بيان الانقلاب في 3 تموز/ يوليو 2013، حيث
كان أحد الحاضرين في
مؤتمر الانقلاب، وذلك بعدما كان قد تحدث صباح هذا اليوم مع رئيس حزب الحرية
والعدالة، محمد سعد الكتاتني، داعيا إياه لحضوره هذا الاجتماع، إلا أن الأخير رفض.
وبحسب رواية رئيس حزب النور السلفي، يونس
مخيون، اتصل العصار بحزب النور، وأقنعهم بالمشاركة في ترتيبات 3 تموز/ يوليو.
عقب الانقلاب، قالت وسائل إعلام مؤيدة
للنظام إن العصار قام بجولات مكوكية إلى واشنطن للتأكيد على أن ما جرى ثورة وليس
انقلابا، وساهم في حل الأزمة بين البلدين بعد وقف المساعدات والصفقات العسكرية
الأمريكية لمصر، إثر مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة.
وقالت مصدر بالتحالف الوطني لدعم الشرعية
ورفض الانقلاب لـ"عربي21"، إن "العصار واصل لعب دوره في الخداع الاستراتيجي بعد الانقلاب، وأدعى أن يدعم
الحل سياسي للأزمة، ولعب دورا في المفاوضات التي سبقت فض اعتصام رابعة، وتواصل
مع شخصيات سعت لطرح حلول أو تصورات لإنهاء الأزمة مثل الأكاديمي حسن نافعة،
والداعية محمد حسان، وغيرهما".
وفي تصريحات سابقة لمراسل
"عربي21"، أكد نافعة أن المبادرة التي طرحها في أعقاب بيان 3 تموز/
يوليو جاءت بطلب من العصار، وذلك خلال اتصال هاتفي بينهما، حيث طلب منه الأخير أن يقوم
بكتابة أفكاره ورؤاه لفكرة المصالحة.
وفي 15 تموز/ يوليو 2013، أكد نائب رئيس
حزب الحرية والعدالة، عصام العريان، أن القيادي الإخواني محمد علي بشر لم يلتق بعد
الانقلاب بأي من الجنراﻻت أو قيادة الجيش، رغم "إلحاح اللواء العصار عليه؛ لأن
الجماعة طالبت بإطلاق سراح مرسي كشرط مسبق لإجراء أي حوار، وهو ما يمثل خطا أحمر
بالنسبة للجيش".
وردا على ما تردد حينها بشأن رفض العصار
للانقلاب، نفى المتحدث العسكري في 18 آب/ أغسطس 2013، وضع العصار تحت الإقامة
الجبرية، مؤكدا أن "مزاعم الانشقاق المتكررة التي لا يكل المغرضون والمضللون
عن ترويجها، لا توجد إلا فى خيالاتهم المريضة، وعلى فضائهم الإلكتروني الافتراضي
فقط".
وفي المقابل، نقلت صحيفة "فيتو"
عن العصار قوله عام 2014، خلال لقاء غير معلن مع قيادات أزهرية ودعوية،:
"مفيش حاجة اسمها إخوان تانى"، مؤكدا أن "الجيش لن يقف مكتوف
الأيدي أمام محاولات جماعة الإخوان استخدام الدين لتحقيق مصالح سياسية". وهو
ما يظهر أحد الوجوه الحقيقية للعصار في تلك اللقاءات غير المعلنة، بحسب الباحث
محمود جمال.