في 11 من نيسان (أبريل) الماضي، أعلن قادة عسكريون الإطاحة بحكم عمر البشير، وشكلوا مجلسا قالوا إنه سيتولى إدارة البلاد، بالتوافق مع التنظيم الذي قاد ثورة شعبية دامت أربعة أشهر، ولأن عساكر جميع بلدان العالم الثالث قبيلة واحدة، فقد بدأ عسكر السودان في التنصل من ذلك التعهد، والسير على نفس طريق عسكر مصر الذين ركبوا موجة الثورة الشعبية التي أطاحت بحسني مبارك، ثم انقلبوا على الثورة والثوار.
بين السيسي والبرهان
كان المشير بأمرِهِ عبد الفتاح السيسي قد أعلن فور بلوغه أعلى مراقي السلطة في مصر، زهده في الحكم، وبذل الكثير من حلو الكلام عن تعزيز الممارسة الديمقراطية ودرء الفتن ومهددات السلم الأهلي، وشيئا فشيئا تحول حكمه إلى دكتاتورية عضوض.
وكان من عجيب المصادفات أن رأس المجلس العسكري في السودان أيضا يحمل اسم عبد الفتاح (البرهان)، ثم اتضح أنه يتخذ من عبد الفتاح (السيسي) المصري معلِّما وشيخا، فكان ما كان من أمر مذبحة 29 رمضان التي بلغ عدد ضحاياها 118 حتى فجر الخميس 6 حزيران/ يونيو الجاري.
لا أحد في السودان يشك في أن العصيان المدني سيؤدي إلى سقوط حكم العسكر،
ساحة للقتال غير المتكافئ
في فجر 29 من رمضان فوجئ المعتصمون النيام بمئات الجنود يطلقون عليهم النيران بكثافة قتالية، ويشعلون النيران في الخيام التي كانوا قد نصبوها لتقيهم حر الشمس وهم صيام، وخلال سويعات كان المكان قد غص بالجثث والحرائق، واختلط حابل المعتصمين بنابل الجنود، ثم تحولت عاصمة السودان المثلثة (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) إلى ساحة قتال غير متكافئ بين عسكر مسلحين بمختلف وسائل القتل، ومدنيين لم يكن أمامهم من سلاح سوى الأقدام هربا من موت زؤام.
كان قوام القوة التي اكتسحت مقر الاعتصام ما يعرف بقوات الدعم السريع، وهي مليشيا شكلها نظام عمر البشير لإخماد التمرد في إقليم دارفور الملتهب، وكانت أصلا عصابات تحمل اسم الجنجويد، وأبلت في تلك المهمة بلاء غاية في السوء، ومارست أبشع أنواع الإبادة والتنكيل بأهل دارفور، وأحرقت قرى وبلدات كاملة مما اضطر ملايين الدارفوريين إلى النزوح إلى مخيمات ترعاها الأمم المتحدة أو إلى تشاد المجاورة.
الجنجويد تحتل الخرطوم
حتى يوم الناس هذا فإن الخرطوم محتلة ومستباحة من قبل الجنجويد، الذين يمارسون وحشية مفرطة في التعامل مع عابري الطريق، ويطلقون النيران على الناس متى وكيفما أرادوا، وما من جهة تردعهم، لأنهم مسنودون بقائدهم محمد حمدان حميدتي، الذي صار نائب رئيس المجلس العسكري، الذي انقلب على الثوار سعيا للانفراد بالسلطة.
واعتماد المجلس العسكري على مليشيا لا تلتزم بأي ضوابط مهنية أو أخلاقية لترويع الناس، مؤشر إلى أن جنرالات المجلس لا يثقون بجنود وصف ضباط وصغار ضباط القوات المسلحة كسند لهم ولمسعاهم للانفراد بحكم البلاد، ولعلهم اليوم يعيشون في خوف من تلك المليشيا التي صارت ترابط في جميع أحياء العاصمة السودانية، وتبدي عداء فاضحا لجماهير المدن عامة وهو أمر يتجلى في العنف اللفظي تجاه كل من يمر بهم.
حتى يوم الأربعاء الخامس من حزيران (يونيو) الجاري تم انتشال 40 جثة من نهر النيل، جميعهم من الشبان الذين كانوا في موقع الاعتصام لحظة اجتياحه، وكان شهود عيان في موقع الحدث قد شاهدوا شاحنات وسيارات إسعاف تحمل جثثا وتغادر مكان الاعتصام إلى جهات غير معلومة، مما يرجح الروايات بأن عدد ضحايا مذبحة رابعة السودانية يفوق المائتين.
الخرطوم محتلة ومستباحة من قبل الجنجويد، الذين يمارسون وحشية مفرطة في التعامل مع عابري الطريق
خطورة ربط غسان سلامة بين تقسيم الثروة والحل السياسي
السودان + البرهان = فوهة بركان
عسكر الخرطوم والطبع الذي يغلب التطبُّع