حذر وزير مصري سابق من تجاهل القوى والدول الغربية لتفاقم ظاهرة الاستبداد وتنامي عنف الدولة في الشرق الأوسط.
وقال عمرو دراج وزير التخطيط والتعاون الدولي في عهد الرئيس محمد مرسي، في مقال له بصحيفة الغارديان البريطانية، ترجمته "عربي21"، إن القوى الغربية سوف تقرع قريباً ناقوس موت نظامها الليبرالي إذا ما أخفقت في دعم الديمقراطية وإدانة الطغيان، وإذا ما استمرت في غض البصر عن البلدان التي تقتل مواطنيها أو ناقديها.
وفيما يلي نص المقال:
في الأسبوع الماضي، كتب والدا جوليو ريجيني، طالب الدكتوراه الإيطالي الذي قتل في القاهرة قبل ثلاثة أعوام، خطاباً مشحوناً بالعاطفة إلى عبد الفتاح السيسي قالا فيه للرئيس المصري: "طالما بقي هذا التوحش بلا عقاب، وإلى أن تقام محاكمات عادلة في إيطاليا لجميع المذنبين بغض النظر عن مواقعهم ورتبهم، فإن أحداً في هذا العالم لا يمكنه أن يقيم في بلادكم ويشعر بالأمن."
وكانت جثة ريجيني قد عثر عليها في أخدود في فبراير / شباط من عام 2016، على مسافة لا تزيد عن 2 كيلومتراً من المقر الرئيسي لجهاز الأمن الوطني. وكان جسده، العاري من الخصر إلى أسفل، يحمل علامات تعذيب وحشي. يقول والدا ريجيني إن جريمة قتل ولدهما لم تزل تنتظر أن يحقق فيها، وأنهما لم يتعرفا على ولدهما إلا من طرف أنفه. يؤكد الوالدان أنهما يريدان رؤية المسؤولين عن الجريمة يسلمون إلى إيطاليا ليحاكموا أمام قضائها.
بعد عامين من تلك الجريمة، احتجز جمال خاشقجي داخل مكتب في القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث تعرض لتعذيب وحشي، كما ثبت من التسجيلات الصوتية، وبترت أصابعه قبل أن يقطع رأسه ويمزق جسده إلى أشلاء.
لم يكن من المصادفة ذلك التشابه الكبير بين جريمة قتل ريجيني وجريمة قتل خاشقجي، فكلاهما قتلا بسبب تأديتهما لعملهما. أما التوحش والسادية في الحالتين فلا يشيران فقط إلى السخط الجنوني وانعدام أدنى درجات التسامح مع المخالفين، بل وكذلك إلى اقتناع القتلة بأن أحداً لن يسائلهم أو يحاسبهم على ما اقترفته أياديهم.
منذ الانقلاب العسكري في عام 2013، اختفى قسرياً مئات الأشخاص بينما تعرض مئات آخرون للتعذيب أو وجدوا موتى. وبحسب مشروع الإنذار المبكر، فإن بلدين فقط بالإضافة إلى مصر يحتمل أن يشهدا مذابح جماعية في عام 2019.
حتى الآن، رفضت مصر مرتين مطالب تقدم بها المدعي العام الإيطالي بتسمية الأشخاص المشتبه بضلوعهم في جريمة قتل ريجيني، رغم أن محامي العائلة كشف عن بيانات عشرين ضابطاً إضافياً يزعم أنهم ضالعون في عملية القتل. أخفقت الحكومة الإيطالية في المضي قدماً بنفس الحماسة التي بدأت بها ردها الأول على الجريمة، وذلك على الرغم من إصرار باولو جينتيلوني، وزير الخارجية الإيطالي آنذاك، على أنه لا يمكن القبول بشيء أقل من الحقيقة الكاملة.
ولذلك، لا السيسي ولا ولي العهد محمد بن سلمان يشعران بوجوب تحمل المسؤولية عما وقع. ما بدر من دونالد ترامب من تهديد "بعقوبات مشددة" بعد جريمة قتل خاشقجي ما لبث أن تحول إلى رفض غاضب لما خلصت إليه وكالة المخابرات الأمريكية من استنتاجات ثم الدفاع عن "الحليف الكبير" للولايات المتحدة، وأخيراً التعبير المقزز عن الامتنان لذلك الحليف بسبب مساهمته في تخفيض أسعار النفط.
يعلم السيسي وابن سلمان بالضبط ما الذي يمثلانه، اقتصادياً وسياسياً، بالنسبة للحكومات الغربية التي تستمر في مساندتهما.
يعلم السيسي أن مصر بالنسبة للحكومة الإيطالية تمثل قوة تساهم في استتباب الأمن ومحاربة الإرهاب في المنطقة، وكذلك حاجزاً في مواجهة المهاجرين غير المرغوب فيهم ممن يتوجهون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط انطلاقاً من ليبيا. وبالفعل، كانت مصر قد هددت بإغراق إيطاليا بالمهاجرين – وهو المآل الذي لا تجرؤ حكومة إيطالية على المجازفة به. ولذلك ما فتئت صرخات والدي ريجيني تقعان على آذان صماء.
بنفس الشكل، يعي محمد بن سلمان قيمة المملكة العربية السعودية بالنسبة للولايات المتحدة كشريك تجاري، ولذلك فهو يتحين الفرص لاستغلال جهل وسذاجة ترامب المخيفتين. ولا أدل على ذلك من أن ترامب حينما سئل عما إذا كان سيحظر بيع الأسلحة للرياض، قال: "لا أريد أن أضر بالوظائف. أفضل الإبقاء على المليون وظيفة، وسوف أبحث عن حل آخر."
كما تمكن السيسي وابن سلمان من إقناع ترامب بأن يتراجع عن مواقف الولايات المتحدة تجاه ليبيا والمبادرة بدعم حفتر، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي كبير جداً على استقرار البلاد.
لقد أثبتت مصر والمملكة العربية السعودية مراراً وتكراراً أنهما لا يعيران الديمقراطية أدنى اهتمام، بل وينتهكان بشكل سافر حرية الكلام والتعبير. ما كانت جريمتا قتل ريجيني وخاشقجي لتحظيا بتغطية إعلامية كبيرة لولا ارتباط الرجلين بالغرب، وإن كانت مثل هذه الجرائم شائعة جداً في البلدين. تعتقد القوى الغربية التي تتسامح مع مثل هذا السلوك، أو تتجاهله، أن هؤلاء الحكام يلعبون دوراً في تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، وبذلك تمر جرائمهم التي تكاد تكون يومية دون أن يتصدى لها أحد، بينما تتردى المنطقة نحو مزيد من الفوضى.
يبدو الآن أن العالم عاد مجدداً ليركز اهتمامه على الشرق الأوسط. ويبدو أن من لم يكونوا يعون أهمية المنطقة بدأوا يفهمونها الآن، وأن من كانوا يوماً يعتقدون بأن النظام العالمي الليبرالي سيبقى متماسكاً وقادراً على الحفاظ على سلطته المعنوية بينما يمضي في ممالأة أو دعم الطغاة، قد افتضح أمرهم وانكشف نفاقهم.
إذا لم يتم التصدي لعنف الدولة الذي يمارس في الشرق الأوسط ضد أولئك الذين يؤدون وظائفهم كصحفيين وباحثين، فإنه سيستمر ويتفاقم وستزداد وتيرته. وستستمر السلطوية التي تكتسح العالم العربي في الانتشار. وأما القوى الغربية التي لديها إمكانيات توفير الحل، فسوف تقرع قريباً ناقوس موت نظامها الليبرالي إذا ما أخفقت في دعم الديمقراطية وإدانة الطغيان، وإذا ما استمرت في غض البصر عن البلدان التي تقتل مواطنيها أو ناقديها.
نقلا عن صحيفة الغارديان البريطانية
ديفيد هيرست: وحده ترامب بإمكانه وقف إعدامات ابن سلمان
المجلس الثوري المصري يلتقي برلمانيين إيطاليين في روما
ولي عهد أبوظبي يجري مباحثات مع الرئيس المصري بالقاهرة