أدعو قوى المعارضة للاستعداد من الآن لانتخابات الرئاسة المقبلة بكل الوسائل السلمية المتاحة
التوسع في وصم الكيانات والأشخاص بالإرهاب توجه خطير وأسلوب فاشل في إدارة الحياة السياسية
نتائج الانفجارات المتوقعة ستكون وبالا على الجميع وأدعو لصيغة تضمن تحقيق السلام الاجتماعي
اعتقال واستدعاء المعارضين داخل مصر دليل على ضعف وعجز وإفلاس النظام
السيسي هو صانع ومؤسس النظام القائم حاليا وشديد الحرص على ألا يشاركه أحد في سلطته
أنور السادات هو المسؤول الأول عن تفشي الفكر الديني المتطرف والحض على كراهية الآخر المختلف دينيا أو سياسيا
دعا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، قوى المعارضة المصرية إلى الاستعداد من الآن فصاعدا لانتخابات الرئاسة المقبلة، وتركيز جهدها على العمل بكل الوسائل السلمية المتاحة لتوفير الشروط التي تسمح بإجراء انتخابات رئاسية حقيقية، وأن تتوافر لهذه الانتخابات ضمانات التعددية والنزاهة والشفافية.
وأضاف نافعة، في الحلقة الثالثة والأخيرة من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، أن رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي لن يستطيع طرح نفسه كمرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلا إذا قام بتعديل الدستور الحالي، ونجاحه في هذا المسعى سيمثل انتهاكا صريحا ومؤكدا للدستور".
وشدّد نافعة على أن انتخاب السيسي مرة أخرى - حال تعديل الدستور- سيكون "انتخابا باطلا بطلانا مطلقا، الأمر الذي سيدخل نظامه برمته في مأزق لا فكاك منه، وسيصبح سقوطه حتميا ومسألة وقت فقط".
وفيما يلي نص الحلقة الثالثة والأخيرة من المقابلة:
كيف ترى اعتقال واستدعاء بعض معارضي الداخل للتحقيق معهم من وقت لآخر وكان آخرهم المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية؟
أرى فيه دليلا جديدا على ضعف النظام الحاكم وإفلاسه وعجزه عن الدخول في حوار مع المختلفين معه سياسيا، وهو أمر بات ضروريا للتوصل إلى صيغة تضمن تحقيق السلام الاجتماعي.
قد يكون لدى البعض تحفظات معينة على "الحركة المدنية المصرية" سواء من حيث التشكيل أو القدرة على التأثير، لكن المتحدث الرسمي باسمها، وهو المهندس يحيى حسين، شخصية وطنية محترمة لا يجوز التعامل معها بهذا الاستخفاف. وأعتقد أن استدعاءه للتحقيق ثم الإفراج عنه بكفالة عشرة آلاف جنيه يدين النظام ويضع على صدر المستدعى وساما جديدا.
وبنفس المنطق يمكن القول إن استدعاء الباحث الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق واحتجازه لأيام في قبو مظلم بتهمة تأليف كتاب يرد فيه على مقولة خاطئة للسيسي يؤكد فيها أن مصر بلد فقير (احنا فقرا قوي.. قوي.. قوي) يُعد في حد ذاته فضيحة سياسية وقانونية وأخلاقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وماذا عن التوسع في وصم الكيانات والشخصيات المعارضة بالإرهاب والتي كان آخرها وضع الجماعة الإسلامية، ورئيس حزب مصر القوية، عبدالمنعم أبو الفتوح، وآخرين على قوائم الإرهاب؟
أرى فيه توجها خطيرا وأسلوبا فاشلا في إدارة الحياة السياسية المصرية. والربط بين الإرهاب والمعارضة السياسية هو بالمناسبة أسلوب مستعار من الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ من "الحرب الكونية على الإرهاب" أداة لتكريس هيمنتها على النظام الدولي أو بالأحرى لاستعادة مكانتها المفقودة.
غير أن ما قد يكون مقبولا أو قابلا للتبرير من منظور أمريكي قد لا يكون كذلك من منظور المصلحة الوطنية لمصر. فمصر ليست الولايات المتحدة وليس لديها استراتيجية كونية تستدعي وضع "قوائم" بمنظمات إرهابية تمهيدا لتبرير إعلان الحرب عليها.
صحيح أن الإرهاب يشكل تهديدا حقيقيا سواء لمصر أو لدول أخرى كثيرة في المنطقة، لكن مواجهة هذا النوع من التهديدات لا يمكن ان يكون ناجحا إلا باستخدام كل الوسائل المتاحة وليس الوسائل الأمنية وحدها، ولا يجوز في جميع الأحوال استخدامه كذريعة لتصفية الخصوم السياسيين أو لتقليص أظافرهم كما يفعل النظام الحاكم في مصر.
وللتدليل على لجوء النظام الحاكم إلى الجماعات المتطرفة لتصفية الخصوم السياسيين ربما يكون من المفيد هنا أن نشير إلى الدور الذي قام به أنور السادات في سبعينات القرن الماضي، فهو الذي مكّن للجماعات الإسلامية في مصر وسلّح أفرادها بالمطاوي (أسلحة بيضاء) والجنازير لمقاومة المد الناصري واليساري، خاصة في الجامعات المصرية التي تحولت في زمن السادات إلى منابر تروج للتطرف الفكري بدلا من إعداد الطلاب وتدريبهم على التفكير العلمي السليم، وإذا كان هناك من مسؤول يتعين محاكمته حول ما قام به من دور في نشر الفكر الديني المتطرف والحض على الكراهية والفتنة الطائفية فربما يكون الرئيس السادات نفسه.
السيسي قال إنه لن يكون هناك أي دور لجماعة الإخوان المسلمين ما دام موجودا على رأس السلطة، والشعب المصري لن يقبل بعودة الإخوان للسلطة.. ما تعقيبكم؟ وكيف تقرأ مستقبل العلاقة بين النظام والإخوان؟
إذا كان السيسي يرى في جماعة الإخوان مصدر التهديد الرئيسي أو الوحيد لسلطته فلماذا يطارد كل القوى الأخرى ويسعى لتحجيمها؟ الأرجح أن السيسي يدرك جيدا أن مصدر الخطر الحقيقي على سلطته يأتي من القوى المدنية المطالبة بترسيخ القيم الديمقراطية، لكنه يحاول استخدام الإخوان كفزاعة لتخويف الجميع ودفعهم للابتعاد عن العمل السياسي. غير أن ذلك لا يعني أن خطر الجماعات الدينية، وعلى راسها "جماعة الإخوان" على كل من الدولة والمجتمع قد انتهى أو زال.
ولفهم طبيعة هذا الخطر علينا أن نميز بين التنظيم والفكرة التي يقوم عليها؛ فتنظيم الإخوان، بالمعنى الذي قصده مؤسسه حسن البنا، يتناقض مع قواعد الإدارة السلمية للعملية السياسية ويفسدها ويشكل من ثم خطرا حقيقيا على المجتمع والدولة ككل وليس على النظام الحاكم فقط. يقول حسن البنا في تعريفه للتنظيم الذي أسسه بأنه: "دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية"، وهو بهذا المعنى مجتمع بديل يمثل "الإسلام الصحيح"، من وجهة نظره، في مواجهة مجتمع الأمر الواقع الذي يسهل حينئذ وصفه بالمجتمع "الجاهلي".
ولا شك أن هذه الفكرة التأسيسية كانت بمثابة اللبنة التي قام على "تكفير الآخر" المختلف، وهي فكرة ربما كان لها ما يبررها في مرحلة شاعت فيها حالة خوف حقيقي على مستقبل الإسلام في أعقاب سقوط الخلافة العثمانية، غير أن هذه الحالة انتهت بالفعل. فقد ثبت تاريخيا، من وجهة نظري على الأقل، أن قوة الإسلام كدين ليست مرتبطة بالضروة بدولة "الخلافة" وجودا أو عدما، خاصة وأن الاحتلال الغربي لمعظم الدول العربية والإسلامية حدث خلال فترة الخلافة العثمانية، وبسبب ضعفها وليس العكس، وهو ما يعني أن النهوض بالمجتمعات الإسلامية واستعادة ما كان لها من دور حضاري رائد لا يكون بالعمل على إنشاء تنظيمات على شاكلة "الإخوان المسلمين"، وإنما ببناء دول مدنية حديثة قوامها المواطنة والتعددية واحترام حقوق الانسان.
فلا شك عندي أن الإسلام الصحيح قابل للترعرع والازدهار بصورة أفضل داخل الدول الديمقراطية وليس الاستبدادية. لذا أعتقد أن العقبة الأكبر في طريق الجماعة لم تعد تدور حول علاقتها بالنظام الحاكم وإنما حول علاقتها بالمجتمع. بعبار أخرى يمكن القول إن تصحيح علاقة جماعة الإخوان بالمجتمع ينبغي أن يكون هو المدخل الرئيسي لتصحيح علاقتها بالنظام الحاكم وليس العكس.
هل الأوضاع الراهنة تقول إن السيسي سيكمل فترته الثانية بكل أريحية دون أي قلاقل تُذكر؟
لا استبعد حدوث ذلك نظرا لتمكن الأجهزة الأمنية من إحكام قبضتها على كل مفاصل السلطة في البلاد، لكني أشك كثيرا في أن يتمكن النظام الحالي، رغم سطوته وجبروته، من حل المشكلات المستعصية التي يواجهها المجتمع المصري في المرحلة الراهنة، خاصة إذا استمرت سياساته الاقتصادية والاجتماعية كما هي دون تغيير.
غير أن قدرة السيسي على استكمال فترة ولايته الثانية بسهولة لا تعني استبعاد حدوث قلاقل وتوترات قد تفضي إلى انفجارات اجتماعية ستأخذ، إن حدثت، شكل انتفاضات "جوع" أو "غضب"، لكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ بتوقيت معين لتلك الانفجارات المتوقعة أو بما قد تؤدي إليه من نتائج، والأرجح أن تكون نتائجها وبالا على الجميع.
تقارير صحفية تحدثت سابقا عن وجود امتعاض أو تململ داخل مؤسسات الدولة من سياسات وممارسات السيسي.. هل هذا صحيح من وجهة نظرك؟
ربما يكون الأمر كذلك، وهو ما يمكن لكل إنسان أن يلمسه بنفسه في كل مكان. فما إن يدلف المرء إلى أي مؤسسة، تعليمية كانت أم ثقافية أم فنية أم اقتصادية أم رياضة، ويتعرف فيها على أشخاص يأنسون له ويشعرون أن بوسعهم البوح "والفضفضة" في حضرته، حتى تنهال الانتقادات المريرة على سياسات النظام.
لذا، أعتقد أن الشعور بالغضب من سياسات النظام يعتمل في صدور الأغلبية الساحقة من المواطنين وذلك لأسباب كثيرة ومتنوعة، أهمها القيود الصارمة على ممارسة الحريات والتدهور الحاد في مستويات المعيشة. لكن ليس معنى ذلك أن المؤسسات الرسمية للدولة ستثور على النظام الحاكم لأن هذه المؤسسات تُدار من خلال كوادر تدين بالولاء التام للقيادة ويتم إغداق العطاء عليها بصورة تجعلها شبه منفصلة كليا عن الواقع لكن لديها مصلحة تامة في بقاء الأوضاع على ما هي عليه.
ومن الطبيعي. في سياق كهذا، أن يتساءل الجميع عن وجهة الأحداث المتوقعة في المستقبل. لذلك أظن أن التغييرات المتوقعة في البيئة الإقليمية المحيطة ستمارس التأثير الأكبر على تحولات الداخل المصري وليس العكس.
قلت سابقا إن رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق الفريق سامي عنان والمُعتقل حاليا يصارع الموت في أحد المستشفيات، والبعض قال إن هناك تسوية ما يجري الإعداد لها بين عنان والسيسي.. فكيف ترى تعامل النظام مع عنان؟ وهل تتوقع نجاح التسوية معه حال وجودها؟
من المؤكد أن الفريق سامي عنان مر بأزمة صحية حادة عرضت حياته، في حدود علمي، لخطر حقيقي، لكني أعرف أيضا أنه خضع مؤخرا لعملية جراحية كبيرة ودقيقة ويتماثل الآن للشفاء ببطء.
ولأنه سبق لي أن التقيت به وتعرفت عليه شخصيا حين كنت أقوم بإلقاء محاضرات في أكاديمية ناصر العسكرية، وهو ما ذكرني به بنفسه في لقاء جمعني به مع بقية أعضاء المجلس الاستشاري قبيل الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2012، أجد من واجبي ضرورة الاطمئنان على صحته، من خلال أشخاص قريبين منه ولهم الحق في زيارته في المستشفى أو في المعتقل، وهو ما أقوم به فعلا من وقت لآخر.
أما عن التسوية التي تقول إنه يجري الإعداد لها من جانب النظام فلا علم لي بها على الإطلاق، وأظن أن الطريقة التي تعامل بها نظام السيسي مع الرئيس السابق لأركان الجيش المصري لا تساعد على تصديق ما يشاع حول استعداد هذا النظام لعرض صفقة يمكن للفريق سامي عنان أن يقبلها بعد كل ما تعرض له من إهانة.
السيسي قال في عام 2014 إنه لن يسمح بخلق قوى موازية تنازع الدولة هيبتها وتحدث البعض أكثر من مرة عن وجود مراكز قوى داخل النظام قد تكون أشبه بالوضع الذي واجهه سابقا الرئيس الراحل أنور السادات.. فما حقيقة فكرة وجود "مراكز قوى" داخل النظام؟ وما هو حجم التباين أو الخلاف بينهم في الرؤى؟
وجود مراكز قوى هو أمر طبيعي ومتوقع، بل حتمي، داخل كل نظام فردي مستبد. فلا يستطيع رجل واحد، مهما بلغت قدراته، متابعة كل صغيرة وكبيرة داخل الدولة والمجتمع، وبالتالي يحتاج كل حاكم مستبد إلى معاونين يتم تزويدهم بصلاحيات وسلطات واسعة لتصريف الأمور.
وفيما يتعلق بالوضع الراهن في مصر توحي تصرفات السيسي أنه ليس من النوع الذي يمكنه الوثوق بأحد ثقة عمياء، وأظن أنه لا يرتبط بعلاقة خاصة بأحد، خاصة إذا كانت من النوع الذي ربط ذات يوم بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، على سبيل المثال.
أما مقارنة الوضع الحالي بالأشهر الأولى من حكم السادات فتبدو لي غير دقيقة وتنطوي على تقديرات خاطئة. فالصدفة وحدها هي التي مكنت السادات من تولى السلطة عام 1970 بسبب الوفاة المفاجأة للرئيس عبد الناصر في وقت كان السادات يشغل فيه، "بالصدفة أيضا"، منصب رئيس الجمهورية.
أما السيسي فلم يأت إلى السلطة عن طريق الصدفة؛ فقد لعب بنفسه دورا أساسيا في تغذية أحداث 30 يونيو وفي إزاحة جماعة الإخوان وهو يعتقد، ومعه قطاعات شعبية كانت واسعة يوما ما، أنه يستمد شرعيته من هذا "الانجاز التاريخي" الذي يراه البعض "جريمة سياسية" وانقلابا على سلطة شرعية.
لذا، يمكن القول إن السيسي، بعكس السادات، هو صانع ومؤسس النظام القائم حاليا، وهو شديد الحرص على ألا يشاركه أحد في سلطته، ولا يريد أن يصنع "عامرا" آخر.
في الوقت الذي تحدث فيه بعض المسؤولين عن اقتراب اقتلاع الإرهاب من جذوره بمصر وعن نجاح العملية الشاملة بسيناء فوجئ الجميع بحادث المنيا الذي أوقع 9 قتلى وعشرات المصابين من المسيحيين المصريين.. فكيف تقيم طريقة تعاطي النظام مع "محاربة الإرهاب"؟ ولماذا لم ينجح في اقتلاع جذوره حتى الآن؟
الإرهاب أصبح ظاهرة كونية وليس بمقدور أي دولة مهما كانت قوتها أن تدعي أنها قادرة على منع حدوث عمليات إرهابية فيها بنسبة 100%. غير أن للإرهاب في مصر خصوصية مرتبطة بطبيعة الأزمة السياسية الراهنة، والتي ما لم تحل فسوف تظل قدرة الدولة والمجتمع على محاربة الظاهرة الإرهابية ضعيفة جدا.
بل يمكنني أن أذهب إلى ما هو أبعد وأخطر لأقول إن إصرار النظام الحاكم في مصر على قتل السياسة وخنق مؤسسات المجتمع المدني يساعد على إحداث فراغ هائل يسمح للإرهاب أن يلعب ويرتع فيه.
ومواجهة الإرهاب بالوسائل الأمنية لا يكفي، بل إن الاعتماد عليها وحدها، خصوصا في مجتمع يعيش حالة خواء وعقم في مختلف مناخي الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية وتتدهور فيه أحوال الناس المعيشية والخدمات التعليمية والصحية التي تقدم له، وهو حال المجتمع المصري الآن، يمنح العناصر الإرهابية زخما لا يحلمون به ويساعد على تشغيل معامل صناعة وتفريخ الإرهاب بأقصى طاقتها. فإذا قتلت أجهزة الأمن من الإرهابيين عشرة تتكفل هذه المعامل التي تعمل بكامل طاقتها بإعادة إنتاج مائة بدلا منهم.
فهل يتذكر أحد مشهد الرئيس السيسي وهو يكلف رئيس أركان الجيش المصري علنا وأمام كل وسائل الإعلام باستئصال جذور الإرهاب وتقديم "التمام" له خلال شهرين. لقد مضى الآن أكثر من عام على هذا المشهد الإعلامي لكن الإرهاب ما يزال قادرا على الكر والفر والحركة والضرب. ولأن ذلك يحدث في وقت تبدو فيها الجماهير المصرية منسحقة تماما تحت وطأة الغلاء والفساد والاستبداد، وكأن البلاد لم تقم بثورة كبرى، فقد أصبح هذا الوضع يشكل خطورة كبرى على المستقبل.
مؤخرا، مر عامان على "تعويم الجنيه".. فكيف ترى هذا القرار الآن وكيف تقيم برنامج الإصلاح الاقتصادي عموما؟
لست خبيرا اقتصاديا كي أسمح لنفسي بالتعليق على هذا الجانب من الصورة، ولكن إن جاز لي أن أسهم بتعليق على هذا الموضوع، من منظور سياسي، فيمكنني القول بأن معظم من قرأت لهم من الاقتصاديين المحترمين يجمعون على أن تعويم الجنية كان من الناحية الفنية البحتة إجراء ضروريا تأخر اتخاذه كثيرا، غير أن هذا الأجراء كان يتطلب قبل اتخاذه دراسة تأثيراته المتوقعة على الطبقات الفقيرة التي كانت في أمس الحاجة إلى شبكة أمان تحميها من تأثيراته السلبية، وهو ما لم يحدث.
لذا، يبدو لي أن قرار التعويم كان استجابة ميكانيكية لسياسات صندوق النقد الدولي وأن الحكومة لم تقم بما كان ينبغي عليها القيام به لحماية الطبقات الكادحة من تأثيراته السلبية.
واليوم، وبعد حوالي عامين من تطبيق قرار التعويم، ربما تكون المؤشرات الكلية المالية والمحاسبية للاقتصاد المصري قد تحسنت أو في طريقها للتحسن، لكن هذا التحسن في المؤشرات الكيلية لم ينعكس بطريقة إيجابية وملموسة على كفاءة الأنشطة الإنتاجية والخدمية التي هي المقياس الحقيقي للأداء الاقتصادي الناجح. فلا قيمة لأي تحسن في الأرقام الكلية إذا لم يقترن بتحسن ملموس في مستويات معيشة المواطنين، بل وقد يعكس هذا التحسن الرقمي في بعض الأحيان مزيدا من الخلل في الأداء الاقتصادي العام، خصوصا ما يتعلق منه بالجانب التوزيعي، وليس العكس.
السيسي قال إن المصريين لم يتحركوا رغم وجود أقسى إجراءات للإصلاح الاقتصادي في تاريخ مصر.. فهل عدم تحرك المصريين يعني رضاهم عن أداء النظام؟
أظن أن هذا الرأي يعكس خللا منهجيا واضحا في طريقة الفهم والتحليل؛ فعدم تحرك الناس ناجم عن الخوف وليس عن الرضا. وأظن أن النظام يبني سياساته الحالية على أساس أن هامش الحريات الذي سمح به نظام مبارك، خاصة خلال سنواته الأخيرة، أنتج حراكا سياسيا أطاح به في النهاية، ومن ثم فإن تضييق نطاق هذا الهامش أو حتى إزالته كليا وإغلاق مجال الحريات والمجال العام إغلاقا تاما سيحمي النظام وسيجنبه مصير مبارك. وفي تقديري أن مثل هذا التصور خاطئ من الأساس؛ فالخوف قد يؤجل المشكلة لكنه لن يؤدي إلى حلها والأرجح أنه قد يزيدها تعقيدا.
هل تعتقد أن النظام سيقدم على تعديل الدستور برأيك؟
لا استبعد أن يتمكن السيسي، بسبب حالة التشرذم والخوف التي تمر بها قوى المعارضة، من إجراء تعديلات دستورية تتيح له مد فترة ولايته الحالية إلى ست سنوات، بدلا من أربع، أو السماح له بالترشح لفترة ولاية ثالثة أو حتى البقاء في السلطة مدى الحياة.
لكن علينا في الوقت نفسه أن نتذكر أن الدستور الحالي يحرم من حيث المبدأ، وبشكل قاطع، إجراء أي تعديلات دستورية من النوع المشار إليها آنفا، في حال الإقدام على إجرائها، باطلة بطلانا مطلقا. فالدستور يشترط على أي تعديلات تتعلق بالحريات وبالأسس الديمقراطية أن تؤدي إلى فتح المجال أمام المزيد من الحريات، وليس قطع الطريق عليها، وإلى دعم الأسس والسمات الديمقراطية للنظام وليس تقويضها.
السيسي قال في معرض رأيه عن الرؤساء الذين يريدون البقاء في الحكم إلى الأبد، ويتجاوزون مدة ولايتهم، إنه "لا يوجد أبد، فالأبد ينتهي بعمر الإنسان، ليس هناك أبد مطلق، الجميع سيموتون، ولن يبقى الحاكم حاكما 100 أو 200 سنة".. فهل إجابة السيسي تكشف حقيقة موقفه ونظرته للتداول السلمي على السلطة؟
السيسي، من وجهة نظري الشخصية على الأقل، ليس من النوع الذي يمكن أن يكتفي في حياته بلقب "رئيس جمهورية سابق".
كيف تستشرف ما سيحدث خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ وهل ينبغي على المعارضة وضع تصور لها من الآن؟
المنطق والواجب الوطني يفرضان على الرئيس السيسي أن يبدأ منذ الآن بتمهيد الطريق نحو انتقال سلس للسلطة عقب انتهاء فترة ولايته الحالية، والأخيرة بحكم الدستور الحالي، والأفضل أن يتم ذلك من خلال انتخابات حرة تتسم بالنزاهة والشفافية، الأمر الذي يتطلب تنشيط وتفعيل دور الأحزاب السياسية المصابة حاليا بشلل تام.
غير أن الواجب الوطني شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر مختلف تماما؛ فالواقع يقول بعدم وجود ما يشير من قريب أو بعيد إلى أن الرئيس الحالي يبدو منشغلا بما ستؤول إليه الأوضاع من بعده أو في غيابه.
وللأسف فلم يسبق لأي رئيس مصري منذ إعلان قيام الجمهورية وتأسيس النظام الرئاسي في بداية الخمسينات أن شغل تفكيره بهذا النوع من الهموم، لذا كان مصير كل رؤساء الجمهورية السابقين في مصر إما الموت المفاجئ، كما حدث للرئيس عبد الناصر، أو الاغتيال كما حدث للرئيس السادات، أو تنحيته قسرا بالثورة، كما حدث للرئيس مبارك، أو بالانقلاب، كما حدث لمحمد مرسي.
لذا، أظن أنه لن تجرى في مصر انتخابات رئاسية حقيقية مستقبلا إلا إذا تمكنت قوى المعارضة من تنظيم صفوفها وأعادت ترتيب أوراقها. ولو كانت هذه القوى قد استعدت للانتخابات السابقة، كما سبق وأن طالبتها قبل أكثر من عام من إجرائها، لكانت البلاد الآن في وضع أفضل كثيرا.
هل تتوقع أن يترك السيسي السلطة عبر صندوق الانتخابات لأن البعض يرى استحالة ذلك؟ وكيف تقدر حجم شعبيته الآن؟
سبق أن أشرت إلى إنني لا اتصور وجود السيسي بيننا كرئيس جمهورية "سابق". صحيح أن كل المؤشرات تشير إلى أن شعبيته تآكلت بشدة، لكن الوزن الفعلي لهذه الشعبية لا يمكن قياسه إلا من خلال انتخابات حرة ونزيهة، ولذلك يتوجب على قوى المعارضة أن تركز جهدها من الآن فصاعدا على العمل بكل الوسائل السلمية المتاحة لتوفير الشروط التي تسمح بإجراء انتخابات حقيقية، وليس تنظيم استفتاء أو شيء أشبه بالاستفتاء، كما حدث في 2014 وأيضا 2018، وأن تتوافر لهذه الانتخابات ضمانات التعددية والنزاهة والشفافية.
ماذا إذا استطاع السيسي تمرير نفسه –بأي صيغة- في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
لن يستطيع السيسي طرح نفسه كمرشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة إلا إذا قام بتعديل الدستور الحالي، ونجاحه في هذا المسعى سيمثل انتهاكا صريحا ومؤكدا - نصا وروحا- للدستور الذي أقسم مرتين على احترامه، وبالتالي سيكون انتخابه باطلا بطلانا مطلقا، الأمر الذي سيدخل نظامه برمته في مأزق لا فكاك منه وسيصبح سقوطه حتميا ومسألة وقت فقط، فكم من الوقت سيستغرقه هذا السقوط؟ الله أعلم. الشيء المؤكد أن سلوك هذا الطريق سيكون ممارسة عملية متعمدة لسياسة "أنا ومن بعدي الطوفان".
من وجهة نظرك: كيف يمكن الخروج الآن من الأزمة القائمة بمصر؟
الأزمة الراهنة في مصر مركبة وشديدة التعقيد؛ فهي ليست وليدة اليوم وإنما تعود جذورها إلى ثورة يناير عام 2011 وما ارتكب خلالها من أخطاء، من جانب كافة الأطراف المعنية، أدت إلى سرقة الثورة مرتين: مرة من جانب جماعة الإخوان حين اعتقدت أن الصندوق الانتخابي يكفي وحده لمنحها شرعية الانفراد بالحكم عقب ثورة قام آخرون بتفجيرها ولولاها لما وصلوا مطلقا للسلطة، ومرة ثانية من جانب السيسي حين استغل أخطاء الإخوان ومخاوف الشعب لإعادة إنتاج نظام فردي أكثر فسادا واستبدادا من النظام الذي ثار عليه الشعب في يناير وتمكن من إسقاط رأسه لكن جذوره ما تزال مغروسة في أعماق تربته.
وعلى أي حال فلن يكون بالإمكان، في سياق كهذا، إخراج مصر من أزمتها إلا بإنقاذ الثورة الأم في صورتها النقية التي هتف لها العالم كله طوال أيامها الثمانية عشر الخالدة، وهي أيام لم ترتكب خلالها جريمة إرهاب واحدة.
لكن للأسف ما تزال الهوة بين القوى التي فجرت أو التحقت بالثورة واسعة جدا، وحين تتمكن هذه القوى من لم شتات نفسها والاتفاق على أرضية مشتركة تسمح لها باستعادة ثقة الشعب فيها وفي الثورة من جديد سيظهر ضوء في نهاية النفق الذي تعيش فيه مصر الآن.
الشيء المؤكد أن ذلك لن يحدث بين يوم وليلة، خاصة وأن الشروط الموضوعية لاستعادة الثقة بين شركاء الثورة لم تتوفر أو تنضج بعد.
وفي مقدمة هذه الشروط تسلح جماعة الإخوان بما يكفي من الشجاعة للإقدام على إصلاحات داخلية واسعة النطاق تسمح لها بالانخراط في الحركة الوطنية كجزء أصيل منها.
وفي تقديري أن الحل الأمثل يكمن في الفصل بين الجانبين الدعوي والسياسي، الأمر الذي يتطلب إقدام الجماعة على حل نفسها كتنظيم وانخراط من يرغب من أعضائه في ممارسة العمل السياسي أن يباشر هذا النشاط من خلال حزب يخضع لكافة القواعد والقوانين المنظمة لعمل الأحزاب السياسية، ويمسك بدفاتر وسجلات كاملة تتعلق بأعضائه وموارده ونفقاته المالية التي ينبغي أن تخضع لإشراف الأجهزة الرقابية المختصة.
اقرأ أيضا: نافعة يتحدث لـ"عربي21"عن فشل المبادرات السياسية وثورة يناير
اقرأ أيضا: نافعة: قتل خاشقجي سيفجر "ربيعا خليجيا" أخطر من "العربي"
المناوهلي: الفن لم يرتق لعظمة الثورات.. وهذه أعمالي القادمة
نافعة يتحدث لـ"عربي21"عن فشل المبادرات السياسية وثورة يناير
الزمر يتحدث لـ"عربي21" عن التصعيد ضد الجماعة الإسلامية بمصر