في الوقت الذي اقترب فيه رئيس وزراء ماليزيا، مهاتير محمد، من استعادة مليارات الدولارات من المسؤولين الفاسدين لخزينة بلاده بعد أيام من إعادة انتخابه، ما زال ملف فساد بعض رجال أعمال وقيادات نظام المخلوع حسني مبارك بمصر لم يغلق بعد، رغم مرور 7 سنوات من الإطاحة بهم.
وفتح مهاتير محمد التحقيقات بفساد بمليارات الدولارات وسرقة نحو 700 مليون دولار من صندوق حكومي سري، فيما ضبطت الشرطة الماليزية 284 صندوقا في 72 حقيبة يد فاخرة محشوة بالأموال والمجوهرات بمنزل رئيس الوزراء السابق، نجيب عبد الرزاق، المتهم بالفساد، وتم توقيف عدد من الوزراء.
رفض الشريف
وفي مصر، وأمام محكمة جنايات القاهرة، رفض رئيس مجلس الشعب الأسبق المحامي فتحي سرور، عضو الدفاع عن رئيس مجلس الشورى الأسبق صفوت الشريف، قبل أيام، استكمال عرض التصالح بين الدولة وموكله، وقال: "جئنا للدفاع وليس للتصالح".
وكان جهاز الكسب غير المشروع طالب الشريف رجل إعلام مبارك لعقود بدفع 600 مليون جنيه، للموافقة على طلب التصالح، لكنه لم يسدد سوى 44 مليون جنيه، قيمة 4 قطع أراض بمنطقة البحيرات المرة بالإسماعيلية.
ويحاكم الشريف على مدار 7 سنوات؛ إثر ثورة يناير 2011، بوقائع استغلال النفوذ، وتضخم الثروة، والحصول على كسب غير مشروع، فيما تم نقض حكم سابق بحقه بالحبس 5 سنوات وغرامة 209 ملايين و700 ألف جنيه.
رفض صفوت الشريف التصالح مع الدولة ليس المفارقة الوحيدة بملف رجال مبارك، ولكن هناك وزراء ما زالوا هاربين بمليارات الشعب، وسط تجاهل من سلطات الحكم العسكري لملاحقتهم، في الوقت الذي يقوم فيه النظام بنزع أملاك جميع المعارضين لحكمه، خاصة المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين.
حجم ما خسرته مصر
وما زال وزير مالية مبارك، يوسف غالي، هارب في لندن، رغم اتهام جهاز الكسب غير المشروع له بسرقة نصف مليار جنيه، كما هرب سابقا للإمارات وزير الصناعة رشيد محمد رشيد، الذي طالب التصالح مع الدولة بأربع قضايا فساد مقابل 3 مليار جنيه، إلى جانب رئيس نادي القضاة السابق ووزير العدل أحمد الزند، ومن قبله الفريق أحمد شفيق، قبل أن يعود لمصر نهاية 2017، وجميعهم تطالهم اتهامات مالية بالفساد وسرقة أموال وأراضي الدولة.
وبعد أن كان المصريون يحتسبون نصيب كل فرد من أموال مبارك المهربة لسويسرا التي جمدت إبان ثورية يناير 2011، نحو 700 مليون فرنك فرنسي، بينها 300 مليون فرنك لعلاء وجمال مبارك، إلا أنه في آب/ أغسطس 2017، ألغت سويسرا قرارات التجميد للأصول والأموال المصرية المهربة.
وحسب موقع "سويس إنفو" الإخباري، فإن تلك الأموال كانت تخص 19 شخصية من رموز نظام مبارك، هم: مبارك وزوجته وابناه وزوجتاهما وصديقه حسين سالم، إلى جانب جمع من الوزراء السابقين.
وكانت تسريبات "سويس ليكس"، كشفت في شباط/ فبراير 2015، حسابات سرية لـ700 عميل سري مصري، بينهم وزراء سابقون، ورجال أعمال ببنوك سويسرا، بينها 31 مليار دولار للوزير السابق رشيد محمد رشيد، و7 ملايين دولار لوزير النقل محمد منصور، و416 ألف دولار لرجل الأعمال ياسين منصور، 478 ألف دولار لوالد زوجة جمال مبارك محمود الجمال، إلى جانب رجل الأعمال حسين سالم، الذي تصالح مع نظام السيسي بدفع 5.7 مليار جنيه، فيما كشفت وثائق مسربة عرفت بوثائق بنما، في نيسان/ أبريل 2016، أن ثروة مبارك تقدر بـ70 مليار دولار.
وفي أيلول/ سبتمبر 2017، كشفت سويسرا أن حجم الأموال المجمدة قلّت إلى 430 مليون دولار؛ بسبب المصالحات مع رجال الأعمال، منهم حسين سالم، ورشيد محمد رشيد، وغيرهما، حيث رفع الجانب السويسري الحظر عن أموالهم، حسب موقع "سويس انفو" الإخباري.
وبحسب أرقام وإحصاءات رسمية إبان ثورة يناير 2011، فإن مساحة الأراضي المنهوبة وصلت نحو 16 مليون فدان (حوالي 67 ألف كيلو متر مربع)، أي ما يقارب مساحة فلسطين التاريخية 26.6 ألف كم مربع، والكويت 17.8 ألف كم مربع، وقطر 11.4 ألف كم مربع، ولبنان 10.4 ألف كم مربع، والبحرين 5.67 ألف كم مربع، تم توزيعها على كبار المسؤولين ورجال الأعمال بجنيهات للمتر، ما تسبب في إهدار أكثر من 800 مليار جنيه، وفقا لتقديرات خبراء اقتصاد.
غياب الإحصائيات
وحول حجم أموال فساد عهد مبارك، قال الباحث والمحلل السياسي محمد حامد: "ليس هناك رقم محدد وإحصائية واضحة، ولكن كان هناك نسب فساد كبيرة وصفها رئيس ديوان مبارك، زكريا عزمي، بأنه لـ(الركب)".
وقال لـ"عربي21"، إنه كان من الواجب "قيام أجهزة محايدة غير تابعة للحكومة وأجهزة رقابية مستقلة بالتحقيق مع رجال مبارك لاستعادة الأموال"، معتبرا أن ما قام به جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل لم يكن بالتحقيق "المحايد الشفاف وغير المتأثر حكوميا"، مؤكدا أن تلك التحقيقات لم تقنع الغرب، وكانت سببا في عدم استعادة الأموال المهربة.
الواقع أشد فسادا
ولكن، على الجانب الآخر، يرى الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أن "ما خسرته مصر من واقع الفساد المر خلال العقود الماضية لا يمكن حصره"، مضيفا: "ولكن، بعد ثورة 25 يناير وانقلاب يوليو 2013، الخسائر تفوق الأرقام المعلنة، سواء الخاصة بالغرامات التي أقرتها المحاكم أو المصالحات".
الصاوي، أوضح لـ"عربي21"، "أن الرسالة التي أوصلها الانقلاب للمجتمع المصري، أن الفساد يتم تحت سمع وبصر قادة الانقلاب، وأنهم يحمون الفاسدين، وأنهم امتداد لفساد مبارك"، معتبرا أن "هذه رسالة هدامة تجعل الجميع يشعر بأنه لا أمل في الإصلاح".
وقال إن "الدليل على تجذر الفساد ورعاية الانقلاب له هو ترتيب مصر على مؤشر الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حيث تراجع ترتيب مصر من 88 عام 2015 إلى 117 عام 2017".
لهذا عجز السيسي أمامهم
وحول عجز نظام السيسي عن استعادة أموال فساد رجال مبارك، يرى السياسي المعارض، عمرو عبدالهادي، أن نظام السيسي جزء من نظام مبارك؛ لأنه نتاجه، وهو الصف الخامس منه، لكنه تقدم للصفوف الأولى بعد ثورة يناير".
المحامي الحقوقي، قال لـ"عربي21"، إنه "من غير المعقول أن ننتظر من نظام السيسي نتيجة مغايرة، وأكبر دليل على ذلك أن ما عُرض من رجال أعمال مبارك للتسوية مع الرئيس محمد مرسي عرضوا نصفه للتصالح مع السيسي، بل إن رجال الأعمال في عصر الثورة سعوا للمصالحة؛ لمعرفتهم اليقينية أنه حينما ستتمكن الثورة سيتم معاقبتهم".
وأكد أن "العكس تماما حدث بعصر السيسي، فهو من سعى إليهم؛ لأنه يحتاج أموالا يسد بها العجر الاقتصادي لديه؛ ما جعلهم يفرضون شروطهم للتفاوض، بل البعض تعامل مع نظام السيسي بفكرة أن شركاء الأمس لن يتحولوا لأعداء اليوم".
محطات فارقة في نهضة ماليزيا.. كيف نجا مهاتير من "الفخ"؟
خبراء يلمحون لصفقة مشبوهة وراء نظام التعليم الجديد بمصر
إرسال قوات مصرية لسوريا .. تحذيرات عسكرية وسياسية