ما زال نظام التعليم
الجديد، الذي أعلنت الحكومة تطبيقه العام المقبل، يثير جدلا واسعا في مصر؛ بسبب
تضمنه إلغاء مدارس اللغات الحكومية المعروفة باسم المدارس التجريبية، بالإضافة إلى
إدخاله تغييرات جذرية في المناهج وطرق التقويم، وإلغاء تدريس التربية الدينية.
وأثار إلغاء
المدارس التجريبية، التي تدرس العلوم باللغة الإنجليزية ويستفيد منها أبناء الطبقة
المتوسطة والفقيرة، حالة من الغضب الشعبي، حيث شارك العشرات من أولياء الأمور في تظاهرة أمام مبنى وزارة التعليم، الخميس الماضي.
وكان وزير التعليم طارق شوقي أعلن تفاصيل النظام الجديد، موضحا أنه سيتم تدريس الإنجليزية
والفرنسية، بالإضافة للعربية ومواد العلوم، في المدارس الحكومية والتجريبية.
وأضاف شوقي، عبر
صفحته على "فيسبوك" السبت، أنه سيتم تعليم اللغة الإنجليزية من مرحلة
رياض الأطفال في كافة مدارس الدولة كمادة منفصلة، بينما يتم تدريس المواد الأخرى
مثل التاريخ والجغرافيا والعلوم والرياضيات باللغة العربية، ثم يتم في المرحلتين
الإعدادية والثانوية دراسة المواد العلمية والرياضيات باللغة الإنجليزية، كما سيتم
إضافة لغة أجنبية أخرى في الصف الأول الإعدادي.
"تمييز طبقي"
وقال أولياء أمور
طلاب المدارس التجريبية إنهم شعروا بالتمييز الطبقي؛ لأن قرارات التعريب لم تسر على
مدارس اللغات الخاصة، وأكدوا أن المستفيد من هذا القرار هم ملاك المدارس الخاصة.
وأكد المتحدث باسم
حركة "وعي للتثقيف السياسي" هاني القللي، في بيان له الجمعة، أن نظام
التعليم الجديد يحمل جوانب سلبية كثيرة وإخفاقات يجب تداركها، وطالب بإقالة وزير
التعليم فورا.
فيما أكدت مؤسسة
"اتحاد أمهات مصر للنهوض للتعليم"، في بيان لها الثلاثاء الماضي، أن
استبعاد المدارس الخاصة والدولية من النظام الجديد يعد نوعا من التمييز بين
المصريين وإخلالا بتكافؤ الفرص.
اعتراضات برلمانية
كما أبدى أعضاء في لجنة التعليم بمجلس النواب استياءهم الشديد من النظام الجديد، مؤكدين أنهم
سيستدعون الوزير لسؤاله عن هذا القرار الذي يعصف بتطلعات الأسرة المصرية للارتقاء
بالمستوى العلمي لأبنائها.
وأكد عضو اللجنة
التعليم بمجلس النواب، عبد الرحمن برعي، أن وزير التعليم يتخذ القرارات بشكل منفرد
دون الرجوع إلى مستشاريه، وكشف أنه سيتقدم بطلب إحاطة أمام البرلمان حول قرارات
وزير التعليم، مشيرا إلى أن أعضاء مجلس النواب لم يعرفوا عن خطة التطوير إلا بعد
نشرها في وسائل الإعلام.
"صفقة مشبوهة"
وتعليقا على هذا النظام،
قال الخبير التربوي والعميد الأسبق لكلية التربية بجامعة سوهاج، مصطفى رجب، إن نظام
التعليم الجديد أثار غضب التربويين في مصر؛ لأنه لم يستند إلى أي دراسات سليمة.
وأكد رجب، في تصريحات لـ"عربي21"، أن الخبراء فوجئوا بهذا النظام، ولم يتم استشارتهم قبل تطبيقه، على الرغم من وجود
العديد من المراكز البحثية والمؤسسات المتخصصة، التي تمتلك حلولا لجميع المشكلات
التي يعاني منها التعليم في مصر.
وشدد أن النظام الجديد
مليء بالتناقضات والأخطاء، ويتضمن ظلما بينا لأبناء الطبقة الوسطى، مشيرا إلى وجود
أكثر من 3000 قرية في مصر تفتقر إلى أي إمكانيات تعليمية.
وحذر رجب من خطورة
استخدام الأطفال لأجهزة التابلت في التعليم، مؤكدا أنه لا توجد دولة واحدة في العالم تتيح هذه الأجهزة للتلاميذ قبل المرحلة الثانوية.
وحذر من أن التدريس عبر
التابلت سيؤدي إلى تهميش دور المعلم، ويمنع التواصل الإنساني بينه وبين الطالب،
مضيفا: "أخشى أن تكون هناك صفقة مشبوهة بين الوزارة وبين شركات عالمية لتوزيع
ملايين الأجهزة على التلاميذ".
وعن إلغاء تدريس التربية
الدينية في المدارس واستبدالها مادة "الأخلاق" بها لتكون مقررة على
المسلمين والمسيحيين، قال محمد رياض إن ملايين الأطفال يتعلمون دينهم من المدرسة، وسيترتب على وقف التربية الدينية إخراج جيل لا يعرف شيئا عن دينه، موضحا أن هذه
المحاولات بدأت في عهد السادات، لكن شيخ الأزهر الأسبق، عبدالحليم محمود، تصدى لها،
ثم أعيدت المحاولة في عهد مبارك، وتم تأجيلها بسبب الرفض الشعبي لها، لكن
العلمانيين نجحوا هذه المرة في تحقيق أهدافهم.
"طريقة الصدمة"
من جانبه، قال أستاذ علم
النفس التربوي بجامعة أسيوط، محمد رياض، إن الحكومة لم تهيئ البيئة اللازمة لهذا
التغيير، وفي مقدمتها تدريب المعلمين، وتحسين البنية الأساسية للمدارس، وتطوير
المناهج، قبل تنفيذ هذا النظام الجديد.
وأوضح رياض، في تصريحات
لـ"عربي21"، أن النظام الجديد يعتمد فلسفة اللامركزية، حيث تكون المدرسة
هي المسؤولة عن العملية التعليمية بعيدا عن الوزارة، لكن في هذا ظلم هائل لطلاب
المحافظات والأقاليم الذين يعانون من ضعف شديد في الإمكانيات.
واستنكر رياض إجراء هذا
التغيير الهام في مستقبل الملايين على طريقة الصدمة وإثارة قلق الناس، موضحا أنه
كان يجب منح هذه التغييرات الوقت الكافي؛ لمناقشتها مجتمعيا، ودراسة النماذج الناجحة
حول العالم.
وشدد أن إلغاء المدارس
التجريبية فيه ظلم كبير لأبناء الطبقة الوسطى، الذين لا يمكنهم دفع المصروفات
الباهظة في المدارس الخاصة، ما يعني أن التعليم الجيد في البلاد أصبح حكرا على
الأغنياء فقط، كما أن دراسة العلوم باللغة العربية في المرحلة الابتدائية، ثم
تدريسها بالإنجليزية في المرحلة الإعدادية، سيؤدي إلى ارتباك الطلاب.
اقرأ أيضا: غضب لتطبيق نظام تعليمي جديد بمصر.. وخبراء: حقول تجارب
ماسبيرو خارج الخدمة في رمضان.. هل للإمارات علاقة؟
ماذا وراء الهجوم السلفي على الإخوان؟.. متخصصون يجيبون
وزير سابق يكشف عن كارثة جديدة تهدد مصر.. هذه تداعياتها