عن واقعة مترو الأنفاق

فجأة، وبعد أن اعتقد المستبد أن استبداده قد ساد، ثار العباد، وهتف الأولاد أنشودة الخلود: يسقط يسقط حكم العسكر.. إحنا ف دولة مش معسكر.

يراهن المستبدون على ذاكرة البعض المخرومة، ونراهن على ذاكرة الجموع المتينة..

يراهن الجنرالات على قوة السلاح وتراهن الشعوب على قوة الإرادة..

يراهن الأباطرة على الأكاذيب والباطل، وتراهن الشعوب على الحقيقة الباقية..

يراهن السيسي على دعم الإمارات والصهاينة، وتراهن الشعوب على عدالة السماء..

يراهن العملاء على إعلامهم الذي يزين الباطل، وتراهن الشعوب على سحق الباطل ودحضه..

بعد خمس سنوات من الانقلاب، خرج الناس وإن كان خروجهم محدودا، ليعلنوا أنهم لم يبلعوا قصة 30 حزيران/ يونيو ولا انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، وأنهم لا يزالون يحتفظون بذاكرة قوية حديدية جبارة. ليس هذا فحسب، بل إن الشعب قد أثبت في واقعة المترو أن القضية ليست أسعارا ترفع أو دعما يخفض، بل عسكرا وجنرالات يجب أن يحاكموا قبل أن يرحلوا غير مأسوف عليهم.

في واقعة المترو مشاهد عديدة ودروس مستفادة، ألخص هنا بعضها، ولعل القارئ الكريم لديه ما يضيفه:

1- وقعت واقعة المترو بينما يزين الشيطان للسيسي أنه انتصر على الشعب، أو بكلمة أخرى نجح في استغفاله واستغبائه، فرد عليه الشعب وبقوة لم يتوقعها.

2- من الواضح أن معلومات مخابراتية قد رصدت غضب الشعب قبل هذا القرار برفع أسعار تذاكر المترو، لذا كان الاستعداد والتدخل الأمني واضحا، وبطريقة مستفزة جعلت الجميع يتأكد من أن النظام لا ينام، وأنه يدرك أن الشارع سيتحرك في لحظة ما.

3- يخشى النظام من الفضيحة، ويدرك أن حملة مقاطعة حقيقية وبوادر عصيان مدني قد بدأت، لذا لم يتم تصوير أي مشاهد من داخل خطوط المترو حتى لا تنتشر روح المقاطعة، والتي أعتقد أنها بداية عودة الروح للشارع المصري.

4- كالعادة، تم استحضار عفريت الإخوان الذي ادعى القوم أنهم نجحوا في صرفه من الواقع المصري، فإذا بهم يعيدون الكرة في كل مرة، حتى في واقعة المترو، وهذا يعني، وللمرة الألف أقولها، أن تيار الإسلام السياسي بتفريعاته وفصائله المختلفة، وعلى رأسه الإخوان، لا يزال حاضرا بقوة تفوق خيال حتى أشد مؤيديهم.

5- وقع إعلام النظام في حيرة من أمره، إذ حاولوا جميعا تبرئة الجنرال وإلصاق التهمة بالوزير الذي لم يمهد جيدا للقرارات، وكأنه مهد لما قبلها، فارتبك إعلام النظام: هل يدين الوزير أم يدين الشعب؟ فاختار الأسهل، وهو إدانة الشعب، وطالبه بأن تكون مشاكله مع النظام داخل البيت وليست خارجه، حتى لا يعطي للمعارضة الفرصة للشماتة أو للعودة.

6- كالعادة كان إعلام الثورة والمعارضة حاضرا من منفاه. والحقيقة أن هذا الإعلام لم يعد الإعلام البديل، كما كان يطلق عليه، بل هو الآن "الإعلام الأصيل"، بعد أن ثبت فشل إعلام النظام وتضليله للرأي العام.

7- لأول مرة تقريبا يخرج بعض إعلاميي النظام ونواب برلمانه مطالبين بوقف القرارات، ويناشدون الجنرال بإعادة النظر فيها وأعتقد - ولو بنسبة ضئيلة - أن هذا الأمر ممكن حدوثه ولو على سبيل التأجيل؛ نظرا لحلول شهر رمضان، ويتم تسجيل نقطة لصالح الجنرال كتلك التي سجلت في موضوع اللاعب محمد صلاح.

8- للأسف الذين صدعوا الرؤوس مطالبين بأن يتأخر الإخوان عن المشهد، وأن يكفوا عن المطالبة بعودة الرئيس مرسي، غابوا هم عن موقعة المترو، ولم نسمع لهم صوتا – ولعل المانع خيرا - وكان الصوت للمواطن العادي الذي يجب أن نرفع له القبعة تقديرا واحتراما.

9- إسقاط الانقلاب وإعادة الحكم المدني ليس مهمة الإسلام السياسي، وفي القلب منه الإخوان، بل مهمة الجميع، ومن لم يدرك ذلك الآن فلن يدركه أبدا، وعلى الجميع فهم طبيعة المرحلة وتحديد نقاط قوة وضعف كل فريق، والباقي سيكون سهلا؛ لأن الشعب أثبت حضوره، بينما كثيرون سجلوا في خانة الغياب، وهذا عيب وقبح وسوء تقدير.

10- هذه الواقعة من المتوقع أن تردع السيسي، أو على الأقل تجعل أجهزة استخباراته تدرك أن الأمر جد لا هزل فيه، قريب وليس بالبعيد، وعليهم أن يدركوا أن مركب السيسي لن تغرق وحدها، وبالتالي فالبقاء للشعب ولن يكون لهم إن استمروا في دعم السيسي.

11- تؤسس هذه الواقعة لمرحلة جديدة، وعلى الساسة والثوار إدراك رسالة الشعب الغاضب، وهي أنه مستعد للخروج ولكن بشروطه وعلى طريقته؛ لأن طريقتكم قد فشلت أو لم يحالفها الحظ، فاصطفوا واستووا وقفوا خلف هذا الشعب ولا تسبقوه قيد أنملة ولا تردوا عليه القول حين يتكلم.

12- التباطؤ غير المبرر في موضوع إعداد استراتيجية لمرحلة ما بعد العسكر، وبلادة حس البعض تجاه تشكيل حكومة منفى أو حكومة ظل، أو الإعلان عن ملامح الوفاق/ الإنقاذ الوطني ومراحله هو خيانة للشعب وللثورة.

13- "القضية المصرية" هو شعار المرحلة، والواجب التحرك وتعريف العالم بما تحويه سياسات السيسي والعسكر من مخاطر على الأمن والسلم الدوليين. فلست أعتقد أن السيسي أقل خطورة من بشار الأسد الذي جعل من بلاده ساحة لمعارك القوى الدولية والإقليمية، ومزق وطنه وشتت شعبه وبقي وحده حيا وسط ما تبقى من ركام الوطن.

14- واقعة المترو ليست خارجة عن سياق مستمر للغضب والثورة..