نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها بن هبارد، حول دعوى قضائية رفعت على كوميدي لبناني؛ بسبب تعليقه على توقع منجم ليلة رأس السنة بأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سينصح بالتقليل من تناول الأطعمة السريعة.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن مقدم البرنامج الكوميدي هشام حداد، الذي يحظى بشعبية كبيرة في لبنان، قوله خلال برنامجه: "مع كل ما يحصل في المنطقة، أنت تنصحه بالتقليل من أكل الهامبرغر؟.. أنا أنصحه بالتوقف عن السياسات السريعة والحملات السريعة والضربات العسكرية السريعة، لكن الوجبات السريعة؟ فلماذا أهتم؟".
ويستدرك هبارد بأن القوى المسيطرة لم تعجب بهذه الـ"نكتة"، فقدمت النيابة العامة دعوى ضده بتهم التشهير وتشويه السمعة لزعيم أجنبي، مشيرا إلى أن حداد عاد في برنامج لاحق، وظهر في ملابس السجن، وهو يغني أغنية ساخرة "قاضي يا حمودة"، مخاطبا المدعي العام اللبناني، ما أثار حفيظة مجلس القضاء الأعلى، فأضاف تهمة شتم القضاء إلى ملف القضية.
وتبين الصحيفة أن هذه القضايا هي من بين سلسلة من التحركات القانونية ضد فنانين وصحافيين وناشطين في لبنان، ما أثار قلق منظمات حقوق الإنسان من أن حرية التعبير مهددة في أكثر البلدان العربية حرية، مستدركة بأنه مع أن أسباب زيادة عدد القضايا الشبيهة ليست واضحة، فإن الكثير يشكون بأن هناك أطرافا قوية تستخدم المحاكم لمنع انتقاد السلطات قبل الانتخابات البرلمانية هذا العام.
ويورد التقرير عن مديرة "هيومان رايتس ووتش" في بيروت، لمى فقيه، قولها: "المهم أن هناك تجريما لكلام غير عنيف في لبنان، وهو كلام ينتقد السياسيين والرموز الوطنية".
ويقول الكاتب: "لطالما كانت حرية التعبير محاربة في العالم العربي، حيث تملك الحكومات الاستبدادية العديد من القوانين التي تستخدمها لسجن من ينتقد القيادة والمؤسسات الحكومية أو الدين، حتى لو كان ذلك على صفحة (فيسبوك)، ففي 2012 قامت قطر بالحكم على شاعر بالسجن المؤبد؛ لانتقاده العائلة المالكة، (وقام أمير قطر عام 2016 بإصدار العفو عنه)، وقامت السعودية هذا الشهر بالحكم على صحافي بالسجن لمدة خمس سنوات؛ بسبب (انتقاده للديوان الملكي)، وفي صراعها مع قطر فإن الإمارات حذرت العام الماضي من إصدار احكام بالسجن وغرامات ضخمة على من يظهر تعاطفا مع قطر، أو يعارض موقف الحكومة منها، فيما سجنت كل من مصر وسوريا أعدادا غير معروفة من المعارضين على مدى السنوات الماضية".
وتقارن الصحيفة ذلك الوضع بالحالة في لبنان، مشيرة إلى أنه "أفضل بكثير في موضع حرية التعبير، وكونه ديمقراطية هشة تتم فيه مشاركة السلطة بين أحزاب سياسية ودينية، فإنه ليس هناك ديكتاتور يملي إرادته، وعلى خلاف ذلك فإنه يوجد في لبنان عدد من الصحف وقنوات التلفاز التي تملكها أحزاب سياسية أو أشخاص متنفذون، كما يضمن الدستور حرية التعبير".
ويستدرك التقرير بأنه مع ذلك، فإن بعض قوانين البلد تضع خطوطا حمراء، فالتشهير وتشويه صورة الزعماء الأجانب أو المسؤولين العامين جريمة، بالإضافة إلى أنه لا يجوز شتم الرئيس أو العلم أو الجيش أو غيرها من الرموز الوطنية، مشيرا إلى أن هناك قوانين أخرى تحرم التجذيف أو أي كلام فيه إهانة للدين.
ويلفت الكاتب إلى أن تطبيق هذه القوانين كان في الماضي غير متسق، مشيرا إلى أن ما يقلق الصحافيين وناشطي حقوق الإنسان هو الزيادة في عدد القضايا المتعلقة بهذا الشأن.
وتذكر الصحيفة أنه تم استدعاء مارسيل غانم، وهو مقدم برنامج حواري له شعبية جيدة، للتحقيق في قضية ضد سعوديين اتهما الرئيس اللبناني ورئيس البرلمان بأن لهما علاقات مع الإرهاب لدى ظهورهما ضيفين على برنامجه، وعندما رفض الذهاب احتجاجا على الاستدعاء، صدرت بحقه تهمة جديدة، وهي إعاقة سير العدالة.
وينوه التقرير إلى أن محكمة عسكرية حكمت الشهر الماضي بالسجن ستة أشهر على حنين غدار، وهي محللة سياسية لبنانية، بتهمة إهانة الجيش اللبناني في محاضرة لها في واشنطن في 2014، كما وثقت "هيومان رايتس ووتش" في تقرير لها مؤخرا حالات أخرى، حيث استدعي ناشط للتحقيق وتم احتجازه، بعد تعليقات له على "فيسبوك"؛ واحتجز رجل بسبب شتمه لمريم العذراء، كما تم اعتقال ناشط إسلامي واتهم بالتشهير بالرئيس وشتم "بلد شقيق".
ويورد هبارد أن وزير العدالة اللبناني سليم جريساتي أنكر في مقابلة أن يكون هناك هجوم على حرية التعبير في لبنان، وقال إن من يروج لهذه الفكرة هو مثل دون كي شوت يهاجم طواحين الهواء، وأضاف: "نحن فخورون بأنه عندما يتعلق الأمر بالحريات وفي هذه المنطقة الصحرواية المعكرة التي تحيط بنا، فنحن بلد الحريات بامتياز".
ويقول جريساتي إن القوانين التي تحد من حرية الكلمة ضرورية لمنع تفجر الأوضاع في بلد متعدد المشارب، وحكومته المركزية ضعيفة، وله تاريخ من العنف الطائفي، بما في ذلك 15 عاما من الحرب الأهلية انتهت عام 1990، ويضيف: "نعاني من الهشاشة.. وجسدنا لا يزال غضا وديمقراطيتنا ضعيفة".
وتؤكد الصحيفة أنه قليلا ما تؤدي القضايا المتعلقة بالتعبير في لبنان إلى السجن لفترة مهمة، مستدركة بأن الخوف الذي تبديه المجموعات الحقوقية هو أن يؤدي تهديد المحاكمة إلى التراجع في الحوار العام، ويمنع المواطنين من التعبير عن رأيهم، أو انتقاد الشخصيات والمؤسسات المتنفذة.
وتقول فقيه من "هيومان رايتس ووتش" للصحيفة: "إن كنت تريد أن يكون لديك بلد مستقر فعليك ألا تلاحق الصحافيين ومنظمات المجتمع المدني التي تعطي الحقائق حول ما يدور".
وبحسب التقرير، فإنه بالنسبة للكوميدي حداد، فإن القضايا منحت برنامجه "لهون وبس" الذي يبث أسبوعيا، اهتماما غير مسبوق، مشيرا إلى أن برنامجه يتضمن عادة تعليقا لاذعا على أخبار الأسبوع، وما أكسبه شعبية كبيرة هو سخريته اللاذعة ومهاجمته للسياسيين.
ويذكر الكاتب أن محامي حداد، أشرف موسوي، لا يتوقع أن تؤدي القضية إلى سجن حداد، لكن يتوقع أن تدفع القناة غرامة قدرها 13 ألف دولار.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن حداد يتوقع أن يتجنب آخرون انتقاد المتنفذين؛ خوفا من مواجهة قضايا، لكنه وعد بأن يستمر على نهجه، وقال: "هذا هو ما أفعله.. أنا لا أقدم برنامج طبخ، أنا أقدم كوميديا".
إندبندنت: هل سيحقق ابن سلمان وعوده للسعوديين؟
خاشقجي: هذا ما يريده ابن سلمان من الإعلام بعد سيطرته عليه
بريطانيون يعتزمون التظاهر ضد ابن سلمان بسبب حقوق المرأة