قضايا وآراء

تفاهم حماس - مصر – دحلان… عوائد تكتيكية... كوارث استراتيجية

1300x600
يمكن بل يجب النظر إلى التفاهم الثلاثي بين حماس مصر ودحلان في سياقاته التاريخية. كما في حيثياته عوائده التكتيكية أو الآنية والمرحلية وتداعياته الاستراتيجية على المشهد الغزاوي، القضية الفلسطينية والمشهد الإقليمي بشكل عام. 

يتضمن التفاهم بين حماس - مصر - دحلان بعدين أساسيين، بعد أمني مع مصر ذا جوانب اقتصادية اجتماعية، وبعد سياسي مع دحلان، وأيضاً ذا جوانب اقتصادية واجتماعية. 

التفاهم مع مصر يشمل قيام حماس بمزيد من الإجراءات الأمنية على الحدود مع مصر إلى حد إقامة منطقة عازلة بعمق 100 متر داخل القطاع، وطول 12 كم تكون شبيهة بالتي فرضتها إسرائيل بالقوة على الحدود بين غزة والأراضي المحتلة عام 48. المنطقة العازلة ستمنع أي تنقّل بين غزة وسيناء، وحسب ما تسرب فإن حماس تعهدت بمنع وصول أي من مقاتلي جماعة بيت القدس للعلاج أو للاختباء، وستمنع كذلك أي مشاركة من قبل سلفيي غزة في القتال الدائر بسيناء، وثمة نقاش أيضاً عن تسليم مطلوبين للسلطات المصرية، خاصة من الجماعات السلفية مع وعد بحل قضية المختطفين الأربعة من كتائب القسام المتحجزين قسرياً لدى الأجهزة الأمنية المصرية. 

مقابل هذه الخطوات تزود القاهرة غزة بما تحتاجه من وقود لتشغيل محطة توليد الكهرباء لاحتياجات الناس العادية، وهي بصدد توسيع وتأهيل معبر رفح - بكلفة ملايين الدولارات - من أجل إعادة افتتاحه نهاية شهر آب/أغسطس، وقبل عيد الأضحى، والعمل طوال الأسبوع و12 ساعة يومياً لتخفيف الحصار وإعادة فتح سجن غزة الكبير على العالم من البوابة المصرية، في ظل إحكام إغلاق البوابة الإسرائيلية، وحتى البوابة السياسية والمعنوية تجاه الضفة الغربية. 

لا بد من الانتباه وتذكر حقيقة وجوهر المقاربة المصرية الأمنية تجاه غزة، فلولا الفشل الأمني والعجز عن كسر شوكة داعش في سيناء - وأخيراً في عمق الأراضي المصرية - لما فكرت السلطات المصرية في الانفتاح أو تخفيف الحصار تجاه غزة، وأمنياً، أيضاً ثمة تنسيق مع إسرائيل لتخفيف الاحتقان ومنع أو تأجيل انفجار غزة في وجه الاحتلال، إلى أبعد مدى زمني ممكن، خاصة مع الخطوات العقابية الخانقة التي قام بها الرئيس عباس تجاه حماس والقطاع بشكل عام. 

بموازاة البعد الأمني تجاه حماس وإسرائيل، أرادت السلطات المصرية تحقيق مكاسب وعوائد سياسية تتمثل بتعويم رمز الفلول الجدد محمد دحلان، الذي يمثل النسخة المحلية من حفتر، وربما حتى من صديقه وحليفه الجديد القديم سيف الإسلام القذافي، وإعادته إلى المشهد الفلسطيني من البوابة الغزاوية ولو بتحالف أو تفاهم مؤقت ومرحلي مع حماس، كون ذلك لا مفر منه على أن يتم التفكير فيما بعد في كيفية إعادته للمشهد السياسي الفلسطيني العام، بما في ذلك تولي القيادة مباشرة ورسمياً أو بشكل غير رسمي عبر اختيار سياسي ما لخلافة الرئيس عباس، وإبقاء القرار الفعلي في يد الأجهزة الأمنية ودحلان بشكل خاص. 

هذا ينقلنا مباشرة لتفاهم حماس مع دحلان الذي هو سياسي أساساً، يتضمن أبعادا اقتصادية واجتماعية، وكما كشف الثلاثاء القيادي في الحركة أحمد يوسف لصحيفة الغد الأردنية - كان الأمر أصلاً بمثابة سر معلن - فسيتم تشكيل لجنة إدارية جديدة لقيادة وتسيير شؤون قطاع غزة تضم حماس وتيار دحلان وحركات وشخصيات وطنية أخرى، وهي ستتكفل بالإشراف على كافة مناحي الحياة في غزة، بينما سيظل الأمن بيد حماس وسيتولى دحلان الشق السياسي أو العلاقات الخارجية، وتحديداً فيما يتعلق بجلب الدعم المالي والاقتصادي لعملية إعادة إعمار غزة المدمرة تقريباً، وهي العملية التي ستسغرق ست سنوات. 

وحسب السيد أحمد يوسف فإن دحلان مهموم بذلك ويضعه على رأس أولوياته، وتتضمن الأجندة التي يعمل عليها القيادي المفصول، ومسؤول ما يعرف بتيار الإصلاح الفتحاوي، إقامة محطة لتوليد الكهرباء – لم يقل يوسف عمداً أنها ستقام في رفح المصرية وليس غزة - إضافة إلى محطة تكرير أو تحلية للمياه في سيناء أيضاً مع حل مشكلة الدواء والملف الصحي بشكل عام، وإقامة مستشفى كبير- في غزة طبعاً - وتمويل مشاريع صغيرة للشباب، وهي الخطط التي تكلف مئات ملايين الدولارات، كما قال القيادي الحمساوي حسن، بما في ذلك المصالحة المجتمعية بين حماس وتيار دحلان، والتي تم رصد ميزانية ضخمة لها تترواح بين 50 إلى 100 مليون دولار. 

تفاهم حماس دحلان يكاد يختصر القصة كلها من الجانب الفلسطيني، فالقيادي الفتحاوي المفصول يريد العودة للمشهد الفلسطيني بأي طريقة، وبعدما عجز عن تحقيق ذلك عبر رام الله إثر رفض الرئيس عباس وساطة الرباعية العربية، يسعى لفعل ذلك عن طريق غزة، وبعدما عجز عن العودة من خلال فتح ومصالحة مع الرئيس عباس يسعى لتحقيق ذلك من خلال حماس والمصالحة معها، وهو استفاد طبعاً من صعود تيار الثورة المضادة في العالم العربي من أجل فرض نفسه كلاعب لا غنى عنه في المشهد الفلسطيني العام، أو على الأقل في المشهد الغزاوي. 

أما من جهة حماس أو قيادتها العسكرية السياسية الجديدة القديمة التي سعت دائماً لتحقيق المصالحة مع حلّ شامل لأزمات ومشاكل القطاع دون تقديم تنازلات جدية لا في الملف الأمني، ولا في ملف الموظفين - مع مراعاة جوانبها الإنسانية طبعاً – فقد كانت قيادة الخارج أو القيادة السابقة ميالة لتحقيق المصالحة مع الرئيس عباس لضمان الوحدة السياسية والجغرافية، وبدت منفتحة على تحديث فلسطيني ما لمعادلة الخروج من الحكومة والبقاء في الحكم، أو شراكة وطنية سياسية، إلا أن قيادة الداخل العسكرية التي باتت الآن متحكمة بالقرار التنظيمي الكامل لم تفكر بهذه الطريقة، حتى أنها فكرت ذات مرة بذهنية نهاية التاريخ ولم تكن مستعدة لتقديم تنازلات جدية أو حتى لتحديث اتفاق المصالحة الأساس - القاهرة أيار 2011 - الذي يبدو أن الأحداث الأخيرة تجاوزته وقفزت عنه. 

لا يمكن تبرئة ساحة الرئيس عباس الذي يتحمل مسؤولية أساسية عن وصول المشهد الفلسطيني إلى واقعه المتردي الحالي، فهو لم يتعاط بنزاهة وشفافية مع نتائج انتخابات 2006، وأطلق يد دحلان وشبيحته لتجاوز النتائج وإفراغها من محتواها المؤسساتي، مع أن هذا لا ولن يبرر بأثر رجعي الاقتتال أو اللجوء إلى القوة العسكرية لحسم الخلافات السياسية، ومع أول وساطة جدية للمصالحة أي وثيقة القاهرة 2009 التي تم تحديثها بعد ثورة يناير/كانون الثاني التي خلفت أجواء مناسبة جداً للمصالحة عبرت عن نفسها باتفاق الدوحة التكميلي شباط فبراير 2012 الذي رفضته قيادة الداخل في حماس - مع أن نوايا عباس لم تكن خالصة - وهو الاتفاق الذي مثل عملياً آخر فرصة جدية وواقعية للمصالحة قبل تعثر مسيرة الثورات وهيمنة وتسلط الفلول والثورة المضادة التي يعتبر دحلان أحد رموزها في فلسطين والمنطقة. 

مع تمكن الثورة المضادة عمد أبو مازن لركوب موجتها، وبات يتحدث عن تسليم غزة، وبعد انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب وشيوع موجة الجنون الإقليمية رفع أبو مازن سقف شروطه وخطواته العقابية القاسية والموتورة تجاه غزة، وبات يطالب حماس بالاستسلام والخروج من الحكومة، وحتى المشهد برمته هو ما لا يمكن حتى تخيل قبوله من القيادة العسكرية السياسية الحالية الرافضة أصلاً لمعادلة الخروج من الحكم والبقاء في الحكم، التي تجاوزها الزمن هي الأخرى لصالح الخروج من الحكم والحكومة والبقاء ضمن المشهد السياسي الوطني على قاعدة تفاهمات وطنية جديدة توافقية وراسخة. 

يبدو التفاهم الثلاثي الجديد نظرياً وكأنه يحل مشاكل أطرافه الرئيسية حماس ومصر ودحلان، ويقدم لكل طرف ما يحتاجه، ولو تكتيكياً ومرحلياً لتجاوز أزماته الحادة، ولكن مع تداعيات استراتيجية خطرة جداً على القضية الفلسطينية، وحتى على المشهد الإقليمي في المنطقة. 

ربما تحدث تهدئة ما أو نسبية في سيناء، ولكن جذر المشكلة هناك مصرية داخلية لا علاقة مباشرة لغزة وحماس بها، والمقاربة الأمنية المتبعة تؤججها ولا تحلها، وسياسات النظام أدت وتؤدي إلى انهيار كامل للأوضاع في شبه الجزيرة والبلد بشكل عام. 

ستكون عودة النفوذ المصري إلى غزة، من البوابة الأمنية والمفارقة أنه بينما يفرض النظام شروطه على حماس وغزة بشكل عام، فإنه يلعب دائماً ضمن الشروط والمحددات الإسرائيلية، تحسين الأوضاع، منع الانفجار، ولكن مع تحمل المسؤولية الأساسية عن غزة، أحوالها مشاكلها وأزماتها، ربما نكون أمام ما يشبه الوصاية المصرية ولو في السياق الأمني فقط. 

دحلان سيعود كذلك إلى المشهد السياسي عبر البوابة الغزاوية، إلا أن هذا سيثير احتقانا واستقطابا داخل حماس، وطبعاً داخل فتح ربما يؤدي إلى توترات أمنية سلبية فيما بعد، غير أن الأكيد أن تل أبيب التي تدعم التفاهمات بشكل مباشر للحصول على عنوان سياسي غير حماس في غزة لن تسمح بإعادة الوحدة بين الضفة وغزة، بل ستعمل على تعميق الانقسام السياسي والجغرافي، وإلقاء كرة غزة الساخنة إلى الحضن المصري. 

ستتحسن الأحوال الاقتصادية الاجتماعية في غزة مع ملاحظة أنها منهارة ومدمرة بحيث تحتاج إلى ىسنوات عديدة للتعافي من جديد، وخلال هذه السنوات ستبتعد بشكل مضطرد عن الضفة وترتبط بمصر سياسياً أمنياً اقتصادياً واجتماعياً لن تنضم إلى سيناء بشكل تام، ولكن ستعتمد على مصر في جميع مناحي الحياة، وسيتم تحرير إسرائيل من كلفة مسؤولياتها كقوة احتلال، وكما قال موقع "واللا" أمس الثلاثاء إن القيادة الإسرائيلية تدعم ومنفتحة على التفاهم وستناقش مع مصر كيفية التوقف عن تزويد القطاع وتجعل معظم اعتماده ويحصل على كافة أو معظم احتياجاته من مصر، خاصة مع تحويل معبر رفح إلى معبر للأشخاص والبضائع. 

لن يكون الحديث عن المصالحة الفتحاوية الداخلية، ولا حتى الوطنية بين فتح وحماس وستتوجه غزة إلى مصر، بينما يبقى الوضع في الضفة على حاله أو ربما ستعتمد أكثر على الأردن في سيناريو مشابه للسيناريو المصري في غزة، ولا يقل عن ذلك أهمية أن عودة دحلان للمشهد ستقوّي نفوذ الفلول والثورة المضادة فيها، وفي المنطقة بشكل عام ستزيد شراسته وقسوته وغطرسته وشهيته للتمدد في ساحات أخرى وإفشال وإجهاض الأمل التونسي المتبقي، وطبعا في المقابل تكريس معادلة الاستبداد أو الإرهاب التي باتت عنوانا للمحور وسياساته، وتعويم دحلان لا يتناقض بل يعبر عن هذا المنطق، ترويض حماس بصفتها إرهاب من وجهة نظره لصالح الاستبداد إلى حين التخلص منها، أو على الأقل سحب أهم ورقة منها، وهي المقاومة، وإبقاؤها محاصرة ومحجمة داخل غزة، مع سيطرة أمنية وهمية وانشغال بحاجاتها وأزماتها، ولكن ضمن الشروط أو المحددات التي تضعها القاهرة عاصمة الثورة المضادة المتماهية تماماً مع التوجهات الإسرائيلية، خاصة في جوهرها وبعدها الأمني تجاه غزة والمنطقة بشكل عام، وسنكون حتماً أمام شكل من أشكال الغذاء -النفط- مقابل التهدئة الطويلة والمفتوحة مع كارثة تأبيد الانفصال بين الضفة وغزة. 

ببساطة واختصار تراكمت الأخطاء والخطايا التكتيكية منذ أوسلو، ومن ثم إقامة سلطة استبدادية فاسدة وبعد ذلك عسكرة الانتفاضة الثانية والمقاومة بشكل عام، وهي المعطيات التي أدت مباشرة إلى الاقتتال والانقسام والتقاعس والعجز عن إنهائه بسرعة، وتحولت مع الزمن إلى كارثة وكوارث استراتيجية وتسويغ فكرة انقاذ غزة بفصلها عن الضفة والوطن وبدء سيرورة تؤدي في النهاية إلى تصفية القضية الفلسطينية حتى لو أراد بعض أصحاب النيات الحسنة غير ذلك. 

* باحث وإعلامي فلسطيني