حذر نشطاء وحقوقيون من أن قانون
الجمعيات الأهلية الذي أقره البرلمان
المصري، مؤخرا، سيؤثر تأثيرا بالغا على
منظمات العمل الخيري في مصر التي تساعد ملايين الفقراء، وتملأ فراغا كبيرا لا يمكن للدولة أن تسده، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي في البلاد.
وكان مجلس النواب المصري قد وافق الثلاثاء الماضي على قانون الجمعيات الأهلية، وسط اعتراضات محلية ودولية واسعة، حيث يقول حقوقيون ونشطاء المجتمع المدني إنه يقضي فعليا على نشاط المنظمات الحقوقية والمنظمات غير الحكومية في البلاد.
الإغلاق أو الحبس
وقالت نهاد أبو القمصان، رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، إنه بعد إقرار القانون الجديد، بات الكثير من الجمعيات الأهلية مهددا بالإغلاق، بما فيها تلك التي تقدم معونات للأيتام والمرأة المعيلة الذين لا توفر لهم الدولة أي مساعدة.
وتوقعت أبو القمصان، في تصريحات صحفية، أن يدفع القانون الكثير من العاملين في مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية إلى تصفية نشاطها؛ خوفا من الوقوع تحت طائلة القانون، مشيرة إلى أن جمعيات خيرية تترأسها شخصيات من داخل النظام، مثل جمعية مصر الخير والأورمان، أبدت استياءها الشديد من المشروع الذي يهدد نشاطها.
من جانبها، قالت انتصار سعيد، الحقوقية بمركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، إن القانون الجديد تضمن عقوبات قاسية تصل إلى الحبس خمس سنوات لمن يرتكب مخالفات إدارية.
وأكدت سعيد لـ"عربي21"؛ أن هذه الإجراءات تقتل
العمل الأهلي في مصر، وتعرض جميع الحقوقيين لملاحقات أمنية بشكل مباشر، إذا تجاوزوا هذه الشروط التي لا مثيل لها في أي دولة ديمقراطية، وفق قولها.
مناشدة للسيسي
ويرى بعض الحقوقيون بصيصا من الأمل في تدخل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بعدم التصديق على القانون؛ لأن الدولة لن تتمكن من سد الفجوة الهائلة التي ستخلفها الجمعيات الأهلية المتوقفة، التي يبلغ عددها 43 ألف جمعية".
وأصدرت مؤسسة ماعت للسلام والتنمية، الخميس، بيانا دعت فيه منظمات المجتمع المدني للتوقيع عليه لمناشدة السيسي بعدم التصديق على القانون.
وقالت المؤسسة في بيانها، الذي حصلت "عربي21" على نسخة منه، إن القانون يتعارض مع نصوص الدستور المصري، ويُخل بحرية المواطنين في تأسيس وإدارة المنظمات الأهلية، كما يتعارض مع التزامات مصر الدولية وتعهداتها أمام الأمم المتحدة، وفق البيان.
وأرسلت منظمات حقوقية أخرى مذكرة للسيسي، تطالبه بعدم التصديق على القانون الذي يضعها أمام خيارين إما الإغلاق أو السجن.
غير دستوري
وقالت دعاء مصطفى، المحامية الحقوقية بمركز نضال لحقوق الإنسان، لـ"عربي21"، إن عددا كبيرا من المحامين والحقوقيين يستعدون للطعن على القانون بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، بسبب احتوائه على العديد من المواد غير الدستورية، في حال ما إذا أصر السيسي على التصديق على القانون.
وتوقع محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن تحدث "مذبحة" للجمعيات الأهلية في مصر، وتحديدا التي تعمل بشكل خدمي واجتماعي، مشيرا، في حديث لـ"عربي21"، إلى أن القانون ينص على ضرورة توفيق الجمعيات القائمة لأوضاعها طبقا لشروط فضفاضة، مثل أن يكون نشاط الجمعية غير مخالف للأمن القومي والنظام العام.
وتابع: "من الممكن، إذا لم تعجب أنشطة أي جمعية أحد الضباط أو أي فرد من الأمن، أن يقوم بالادعاء أنها مخالفة للأمن القومي ويقوم بإغلاقها، كما أن من يريد إنشاء جمعية أو منظمة مجتمع مدني يجب أن ينتظر حتى تقرر الجهات المختصة ما إذا كانت أنشطة هذه الجمعية تتوافق مع خطط الدولة في التنمية أم لا، وهو ما يعني تأميم العمل الأهلي، وفق تقديره.
وأضاف زارع أن "أجهزة الأمن ونواب البرلمان يتعاملون مع منظمات المجتمع المدني بشكل عدائي؛ لأنها تقاوم السياسيات القمعية التي يتبعها النظام الحالي، وترفض انتهاك حقوق الإنسان واعتقال الشباب وتعذيب المواطنين، خاصة أن عددا كبيرا من نواب البرلمان الذي أقر هذا القانون، يعملون لصالح جهات أمنية وهذا معروف للجميع"، كما قال.
خطوة إلى الوراء
ورأى ماينا كياي، المقرر الخاص للأمم المتحدة، أن القانون "ربما يكون أسوأ القيود التي فرضت على الحريات الأساسية في مصر منذ ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 ، ويهدف إلى اقتلاع المؤسسات المدنية من جذورها".
ويحظر القانون الجديد على الجمعيات الأهلية تلقي تبرعات أو إجراء أبحاث أو التعاون مع جهات دولية دون موافقة الحكومة، ويعاقب المخالفين له بالسجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات. كما يفرض القانون رقابة مسبقة على البحوث الميدانية، حيث يفرض مراجعتها من قبل لجنة حكومية قبل نشرها.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان؛ إن القانون الجديد سيمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة من العمل؛ "لأنه سيجعل عملها وتمويلها خاضعين لمراقبة السلطات الحكومية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية".
من جانبه، قال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، توبياس إلوود، إن قانون الجمعيات الأهلية الذي أقره البرلمان المصري يعد خطوة إلى الوراء، مشيرا إلى قلق بريطانيا العميق إزاء استخدام هذا القانون لمنع المصريين من المساهمة في مستقبل بلادهم وعرقلة الدعم الدولي لمصر".