بعد
ثورة يناير كانت هناك اجتماعات مع المجلس
العسكري الفائت، كان أحدها الذي كان يلتقي فيه بصفة دورية معهم بحكم منصبه الاستشاري المدني الذي كان يقوم به، وحينما وصلت لمكان عمله أبلغت باجتماعه مع بعض أعضاء المجلس العسكري، فانتظرته حتى أتى، بادرته بالسؤال عن أخبار اجتماعه، فاجأني بالإجابة وكأنه كان معدا لها إعدادا مسبقا، قال: "ثلاثة غين".
استفسرت منه عن "الغينات الثلاث"، قال: "غباء وغشم وغطرسة"، كلمات وأوصاف في حينها لجنرالات العسكر كيف يفكرون؟ وبماذا يتصفون؟ الأمر مع فائض الغطرسة، ازداد الجنرالات غشما وغباء، وأنتج ذلك مع تراكم الأيام بعد الانقلاب حالة أكثر غشما وغباء، وأكثر فاشية وفشلا.
جاء الانقلاب الذي تحول إلى نظام بوليسي فاشي مع انقلاب الثالث من يوليو، ليمارس سياسات فاشلة ويتخذ مواقف غبية، وينتج حالة فاشية عاتية، تعدت أنظمة سابقة في الفساد والاستبداد.
واستحضرت "الغينات الثلاث"؛ "غباء وغشم وغطرسة"، وأتى السيسي المنقلب بخطابه المتهافت وأفعاله الغادرة الزائفة ليمثل تتويجا لحالة فاجرة وفاضحة، بينة واضحة، لحالة مركبة من الفاشية والفشل، ليشكل نظاما فاجرا فاشيا فاسدا فاشلا يتحرك كل يوم في هذه المساحات التي تشكل فاشية فاجرة، وفشل متراكم بانت مؤشراته ومظاهره، ضمن خطاب يتسم بالغباء، وأفعال وسياسات تتسم بالغشم، وحالة من الاستعلاء رغم الغباء والفشل موسومة بغطرسة بائسة.
التصور عن مفهومهم للدولة ليس بعيدا عن تصورهم للشعب، الشعب المراد في هذا المقام هو الشعب المغتصب إرادته دائما الذي يتحدث القائمون عليه بالنيابة عنه فيتحدثون عن إرادته وهم ينقضونها ويتحدثون عن روح الشعب وهم يزهقونها.
وغاية الأمر في هذا المقام، أن يكون الشعب في عرفهم هو موضع مسرحية كبيرة مسرحية تسمى لعبة الشعب، وهنا يتراوح الخطاب وتتراوح المقولات بين وصف هذا الشعب والدور الذي يجب أن يقوم به، وتبكيت هذا الشعب إن لزم الأمر ومدحه مدحا فائقا في محاولة الاستيلاء على مساحات تمثيله واحتكار الحديث باسمه من مثل مقولات متوارثة منذ عهد الانقلاب في تموز/ يوليو في عام 1952، تتعلق بأن الشعب هو المعلم والسيد والقائد. هذه الكلمات سنراها تتكرر ببعض مفرداتها مجتمعة أو متفرقة، مزيدة ومنقحة حسب الطلب وحسب الاحتياج لهذا الشعب بإضفاء شرعية على أعمال خطيرة وكبيرة.
قام نظام الثالث من يوليو يحاول حماية نفسه بأفعال ترويع وسياسات تفزيع في محاولة منه ليثبت سياسة قطيع، ترضى بالحال مهما ساء، وأعقب ذلك سياسات إفقار وتجويع في إطار تدبيج سياسات "جوع شعبك يتبعك"، إنها مقولة "عباس كامل" في التسريبات يخاطب سيده، لمفهوم يتعلق بتصور هذا الشعب.
ومن هنا، سنجد اللجوء لمقولة الشعب أكثر من مرة وبأكثر من لغة وبأكثر من شكل، كل يلتقي في منظومة واحدة يتدثر فيها العسكر بهذا الشعب، وتلخصها مقولات مهمة جمعت في خطاب التسريبات حينما تحدث عن وصف هذا الشعب بنظرة دونية من أنه "شعب جعان، متنيل بنيلة، إحنا بنقوموه ونقعدوه، ثم نأخذ اللقطة، ونلبسه العمة".
وفي خطاب زائف كاذب، على الرغم من تواتره من جنرالات العسكر ومن منقلبهم "السيسي"، يحاول أن يبرئ ساحتهم من كل خطأ، ويحيل الأخطاء تارة على الزمن والتاريخ والتراكم، وتارة على الشعب الذى لا يتحمل وعليه أن يحتمل باسم وطنية كاذبة يلجأ إليها وقت اللزوم وحسب الطلب، وتارة تلصق الأفعال بالأشرار وتنظيمات لخلق الأزمات وإشاعة الإحباط والتحريض على اليأس.
وهذه شماعة الإخوان الجاهزة يلصق بها كل خطيئة وكل كارثة ومصيبة، يرد كل ذلك من إعلام إفك لا يقل فسادا أو غباء من سيده الذي يمليه، "اكتب وروج ما يملى عليك".
القتل بالفاشية صار استراتيجية معتمدة، تجارة الموت صارت أيسر تجارة يقوم بها نظام الثالث من يوليو، القتل بدم بارد، ومن غير وازع أو رادع، ودون حساب أو عقاب.
وتبدو أشكال الإعدام التي يمارسها هذا النظام الفاشي الانقلابي تتخذ أشكالا كثيرة كما أشرنا أكثر من مرة في مقالاتنا خاصة تلك الأخيرة حول إعدام وطن، أشكال إعدام كلها تدور حول استهداف الإنسان والاستخفاف بالأرواح.
فهؤلاء يموتون في قارب الموت حينما يلقون بأنفسهم في عرض البحر فلا يتحمل قاربهم الأمواج ويغرق هؤلاء وهم يطاردونهم، ويكون قاع البحر قبرا كبيرا لهم، وهؤلاء يعدمون من خلال تحويلهم إلى معدمين في إطار عملية إفقار ممنهجة تهدف إلى تجويع شعب
مصر وتركه فريسة للغلاء فيصير الفقراء كالأموات سواء بسواء.
وهذه الحوادث تتواتر في كل مكان ويقتل العشرات من جراء إهمال الخدمات وإهمال الطرق حتى يموت سنويا ما يعدون بالآلاف.
وقبل هذا وذاك، تأتي مجموعة المجازر التي يمارسها هذا النظام العسكري الفاشي مجازر عدة تمتد من مجزرة ماسبيرو ومجازر محمد محمود ومجلس الوزراء، وها هي مجزرتهم الكبرى في رابعة والنهضة، وهذه مجازر أعقبت رابعة والنهضة لتشكل حلقة في فاشية هذا النظام العسكري، وهذه حادثة عربة الترحيلات حينما قتلوا هؤلاء بالخنق واستخفافا بالنفوس.
إنهم يمارسون كل ذلك خارج إطار القانون بكل استخفاف، وممارسة عملية تفزيع كبرى حتى أطلق البعض على هذا إعدام وطن، نعم إنهم يعدمون الوطن يستخفون بالنفوس ويقتلونها من كل طريق، ومن أقرب طريق، يفعلون كل ذلك من غير حساب أو عقاب.
هذا قتل بالفاشية وغشم وطغيان الأجهزة الأمنية التي اختطت مسارا أمنيا يستخف بالشعب وأرواح مواطنيه، فماذا عن القتل بالفشل؟! قتل يطول مجندينا في الجيش وهم يقعون في دائرة المسؤولية للقوات المسلحة وجنرالاتها الذين يقودون هذا الجهاز.
ومع انشغالهم بأمور أخرى تتعلق بأعمالهم والبيزنس المتعلق بهم وأذرعتهم الإعلامية والثقافية والفنية والرياضية التي تروج لإفكهم، فإنهم يتركون أبنائنا في العراء بلا تسليح أو إعداد كاف بينما يجعلون مجموعات مكافحة الإرهاب بأجسامهم الضخمة، وأقنعتهم المخيفة وسط المدنيين يعتقلون ويطوقون الجامعات، في كل مرة يقتل أبناؤنا من الجنود ثم يعلن الحداد، ويخرج خطاب فائض الكلام ينعى الشهداء، ثم يجيرون خطاب التضحية لهم.
في خطاب فاجر يخلط الأمور ببعضها البعض، ويدخل تبريرات الفاشية بخطاب التضحية، ويطالب الجميع أن يغلقوا أفواههم ويكتموا أصوات شكواهم واحتجاجهم، فالجنود يموتون، نقول لهم: تقتلون المدنيين من خلال أجهزتكم البوليسية والفاشية العاتية والباطشة، وتقتلون الجنود بإهمالكم وفشلكم، وأنتم تنعمون بحراستكم وتجميع أموال نتاج ما أسميتموه "عرقكم".
تبا لكم ولسياساتكم، تحمون أنفسكم وتضيعون شعوبكم، تقتلون الناس والجنود وتكتمون أصواتهم، مقتولون نحن تارة بالفشل وتارة أخرى بفاشيتكم، سحقا لكم ولسدنتكم من إعلام إفككم، فما حميتم حدودا أو وجودا أو جنودا، وقتلتم الشباب بدم بارد عددا عديدا، لحماية كراسيكم وعرقكم، "لن نتركها"..
هذا قولكم، وإن تركناها فلن تصلح لنا أو لغيرنا.. خربتموها، تبا لكم، نحن مقتولون مرة بفاشيتكم ومرة بفشلكم، ثم تقولون لنحكمكم لنقتلكم، اذهبوا وارحلوا. كفاكم.. عودوا إلى ثكناتكم.