ليس هناك جديد في ما يفعله "باسم يوسف" بهجومه على الرئيس محمد مرسي لكي يمرر شطر كلمة ضد عبد الفتاح السيسي، فقد خبرنا ظاهرة المثقفين الذين يهاجمون "مرسي" قبل الأكل وبعده، لينتقدوا قائد الانقلاب العسكري في سطر أو سطرين!
فلكي يتم التلميح لديكتاتورية السيسي، لابد من أن يقوم هذا الفريق بعزف "الاسطوانة المشروخة" ضد الطاغية والمستبد "محمد مرسي"، حتى تظن من هذا الإلحاح كما لو كان الرجل هو "المادة الخام" للاستبداد، وبذرة الطغيان الأولى في العالم، مع أنه لم يسجن من تطاولوا عليه، ولم ينتقم ممن أساؤوا له، ولم يدفعهم بطغيانه للفرار بجلودهم للخارج، فيفرض عليهم "الغربة القسرية"، ليموت والد "باسم يوسف"، فيعجز عن المشاركة في تشييع جنازته، وهو أمر حدث له في عهد السيسي وليس في عهد مرسي، لكن لا مانع من أن يتحول الرئيس المنتخب إلى "علكة" في فم "باسم"، لدرجة أن المرء، وبسبب هذا الافتعال، صار يعتقد بأن من لم يهاجم مرسي، مات ميتة الجاهلية.
فلكي يتم التلميح لديكتاتورية السيسي، لابد من أن يقوم هذا الفريق بعزف "الاسطوانة المشروخة" ضد الطاغية والمستبد "محمد مرسي"، حتى تظن من هذا الإلحاح كما لو كان الرجل هو "المادة الخام" للاستبداد، وبذرة الطغيان الأولى في العالم، مع أنه لم يسجن من تطاولوا عليه، ولم ينتقم ممن أساؤوا له، ولم يدفعهم بطغيانه للفرار بجلودهم للخارج، فيفرض عليهم "الغربة القسرية"، ليموت والد "باسم يوسف"، فيعجز عن المشاركة في تشييع جنازته، وهو أمر حدث له في عهد السيسي وليس في عهد مرسي، لكن لا مانع من أن يتحول الرئيس المنتخب إلى "علكة" في فم "باسم"، لدرجة أن المرء، بسبب هذا الافتعال، صار يعتقد بأن من لم يهاجم مرسي، مات ميتة الجاهلية.
هذا الهجوم ليس جديدا، فالجديد هو التبرير لتقرب "عبد الفتاح السيسي" لإسرائيل بالنوافل، فعندما ذهب إلى أسيوط، لم يتحدث عن مشكلات الصعيد وبرنامجه في مواجهتها، وإنما وجه من هناك خطابه الذي طالب قادة إسرائيل بإذاعته عبر التلفزيون الإسرائيلي، فاستجيب له، وفيه طالب بتحقيق "الأمان" لإسرائيل، وأراد أن يصبح "أنور السادات" الجديد، عندما ألقى خطابه في الكنيست، فلم تمكنه قدراته المتواضعة من أن يجذب الانتباه كما فعل الرئيس الراحل، لدرجة أن المظاهرات خرجت في تل أبيب ترحب به بعد خطابه، هل كان السيسي يسعى لهذا؟!
وقد مثل خطاب السيسي مفاجأة لمن تبقى من مؤيديه، وكانوا قد رفعوه إلى مرتبة "عبد الناصر"، فإذا بهم يكتشفون أنه انحدر ليكون صورة "باهتة" من السادات، وكانوا قد قفزوا على كلام كثير عن علاقته بإسرائيل، التي أعلن مسؤولون فيها أن "السيسي" أفضل لهم من مبارك كنزهم الاستراتيجي، حيث قالوا إن التنسيق الأمني مع مصر في عهده غير مسبوق، وتجاوز ما كان حاصلا في عهد مبارك بمراحل!
لأن الحب مرآته عمياء، كما قال قدامى العشاق، فقد كان أنصار السيسي لديهم الاستعداد دائما، لتجاهل الحقائق المستقرة من أن السيسي يجد دعما إسرائيليا هو الذي يبقي على حكمه، حتى إذا جاء خطاب أسيوط مثل صدمة لهم، فأعاد الكثير منهم إلى صفوف الجماهير، ولم يكن مفاجأة أن كثيرا من هؤلاء انتقلوا من خانة المحبين إلى المعارضين، وبعضهم صار يتهم السيسي باتهامات في ساحة الوطنية، تتجاوز مواقف من رفضوا انقلابه من أول يوم!
والحال كذلك، فقد انبعث أشقاها، وكتب تغريدة: "من عزيزي بيريز إلى السلام الدافئ مع إسرائيل ما فيش فرق كبير"!
فحتى في هذه لم يكن "باسم يوسف" قادرا على التعرض للسيسي دون أن يبدأ بوصلة الهجاء ضد الرئيس مرسي الذي نسب إليه رسالة "عزيزي بيريز"، وهي مقارنة لا تستهدف الهجوم عليهما، كما هي العادة، وإنما هدفها التبرير لجريمة السيسي، وهذا هو "بيت القصيد"!
لست في معرض الدفاع عن الرئيس محمد مرسي، فقد علم الجميع أن "عزيزي بيريز" كانت رسالة مدسوسة على الرئيس محمد مرسي، لتستخدم في التشهير بالرجل والتعريض به، وعزوفي عن الدفاع عنه ليس هربا من تكرار ما قلت، لكني أعتقد أن عدم إعلان الرئاسة ذلك في حينه والتحقيق فيه ومحاسبة من قام بدس الخطاب، ينال من كفاءة مؤسسة الحكم في عهد الرئيس المنتخب، التي دافعت عن الخطاب ببلاهة، بالقول إنها مجرد رسالة بروتوكولية، وهو عذر أقبح من ذنب!
"الفرق" يمكن أن تلمسه بالممارسة، فالمنسوب له خطاب "عزيزي بيريز"، هو الذي وقف يعلن في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على سكان القطاع "لن نترك غزة وحدها"، في نقلة مهمة أثبتت أن مصر بعد الثورة ليست هي مصر قبلها، وأيضا في الممارسة برفضه حصار سكان غزة، وإغلاق المعبر!
أما صاحب خطاب "السلام الدافئ"، فدعوته جاءت كاشفة لانحيازاته، وليس منشئة لها، فقد دمر سيناء، وهجر أهلها، لمحاربة ما أسماه بالإرهاب الذي يهدد إسرائيل، على نحو جعله "فرخة بكشك" لدى الجانب الإسرائيلي، بل وتنازل عن حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل في اتفاقاته مع الجانب الأثيوبي، حتى يضمن وصول ماء النيل لإسرائيل، مقابل وساطتها لدى أثيوبيا، لضمان عدم تعطيش مصر، وأيضا، فقد تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فلا يستطيع حاكم في المستقبل أن يكرر تجربة عبد الناصر بإغلاق المضايق، وها هو يواصل سياسة حصار سكان غزة كما لو كانت إسرائيل بيده "عقدة النكاح" بالنسبة للمعبر!
اللافت أن المقارنة كما ظهرت في تغريدة "باسم يوسف" ليست للإدانة، ولكن للتبرير، وهذا يدفعنا -استغلالا لفتح فمه- أن نسأله عن الموقف في الصراع العربي الإسرائيلي؟ ورأيه في قضايا أخرى متعلقة بهذا الصراع؟ مثل رأيه في المقاومة؟ ورأيه كذلك في الأعمال الإجرامية التي تقوم بها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني؟!
لقد اكتشفت أنني لا أذكر موقف إدانة من "باسم يوسف" ضد إسرائيل، فصمته في هذا الملف يفسر الحفاوة التي يجدها لدى الدوائر الغربية، فالغرب يصنع نخبته في العالم العربي، ومن شروط اختيارها هو الخواء الفكري، وعدم الانشغال بالقضايا الكبرى للأمة، ومن الشروط ألا يكون للكائن المختار رأي حاد وانحياز للحقوق العربية في مواجهة دولة الاحتلال!
وقد مرت عملية صناعة النخبة الأمريكية في القاهرة بمرحلتين، الأولى بتجنيد شباب التيارات اليسارية، الأكثر راديكالية، بعيدا عن مجالهم الحيوي من خلال المنح والمعونات لما سمي بدكاكين حقوق الإنسان، لتنتقل أمريكا من عدو تقليدي لدى أهل اليسار، إلى "كفيل"!
واللافت هنا، أن عددا من المتهمين في القضية الأكثر تطرفا للتيار الناصري، وهي قضية التنظيم الناصري المسلح، انتهى بهم المطاف إلى مجرد "متمولين" أمريكيا، وغربيا بشكل عام، لينتحلوا صفة الحقوقيين، وقد عادوا لميدان السياسة بعد الثورة، وتبين بعد جرائم الانقلاب العسكري ضد حقوق الإنسان أن المجال الذي عملوا فيه لعقدين أو أكثر لم يكن دافعهم للعمل فيه إيمانا بهذه القضية، وإنما سعيا وراء التمويل الأجنبي!
وفي الواقع، إن هذا الانكشاف بدأ مع الاحتلال الأمريكي للعراق وعجزهم عن التنديد بالجرائم الأمريكية في سجن "أبو غريب" وغيره، التي أرقت الضمير الإنساني. فليس لهم أن يدينوا جهات التمويل وقد انتهكت القوات الأمريكية أعراض الرجال في السجون العراقية.
المرحلة الثانية، هي عندما سعت الدوائر الغربية لأن يكون لها موضع قدم في ميدان الحراك السياسي الذي بدأ في مصر في سنة 2004، وكانت دائرة الاختيار أمامها أوسع، فاختارت "على مقاسها"، وكان الاختيار لأشخاص على النحو الذي بيننا؛ بلا مرجعية سياسية، أو انتماء جاد، أو انشغال بقضايا العرب التقليدية مثل العداء مع إسرائيل، وما إلى ذلك!
وفي مجال الصحافة، فقد دخل صحفيون السجن، ولم يندد الغرب بسجنهم، لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم منددين بالحلف الأمريكي- الصهيوني، ولأنهم في إحدى القضايا دخلوا السجن بعد حملة صحفية ضد من يمارس التطبيع مع إسرائيل، وهو وزير الزراعة يوسف والي، واستيراد المبيدات المسرطنة لقتل الشعب المصري وإنهاكه!
وذلك في الوقت الذي نصب فيه غربيا زفة لعدد من رؤساء التحرير لمجرد أن تم استدعاؤهم للتحقيق، مجرد التحقيق في قضايا غير ذات أهمية، فقد صنعت الآلة الإعلامية الغربية منهم نجوما، وقادة رأي، ومنحوا الجوائز تحت عنوان حرية الصحافة، وتم اختيار محررين متواضعين من ناحية الكفاءة المهنية للدراسة في الخارج على حساب جهات أجنبية!
ووفق هذه القاعدة في الاختيار، تم اعتماد عدد من الأسماء باعتبارهم رموز الثورة المصرية، وكان لافتا هذه الحفاوة الغربية بسميرة إبراهيم بطلة قصة كشوف العذرية، وهي فتاة ليست لها اهتمامات سياسية، وقررت إثر هذا أن تتحول إلى "ناشطة سياسية"، لكن هذه الحفاوة توقفت ليلفها النسيان، عندما سافرت إلى واشنطن لتكرمها وزارة الخارجية الأمريكية باعتبارها واحدة من عشر نساء تقرر تكريمهن بنوط الشجاعة!
لقد تم سحب اسمها وإلغاء تكريمها لأنها ضبطت متلبسة بكتابة تويتات تهاجم فيها إسرائيل، ولم يشفع لها بكاؤها وإعلانها أن صفحتها سرقت، وأن من سرقها هو من كتب هذا الكلام!
لقد تساهلنا مع هذه الاختيارات، واعتبرناها تدخل في باب "الرزق"، لأن بعد الثورة كان حسن النية وسلامة الطوية هو ما يحكم أداء كثيرين.
وعندما ظهر "باسم يوسف" مناضلا، لم نتوقف لنسأل عن التاريخ النضالي للفتى، وكما قبلنا من يفرضون أنفسهم على أنهم شباب الثورة ويقومون ببيعها لدى العسكر، فقد تجاوزنا عن سؤال حول كيف يظل الإنسان عمره كله بعيدا عن النضال وفجأة يصبح زعيما، كما "باسم يوسف" الذي استغل سماحة الحكم في عهد الرئيس محمد مرسي، وإذا كان قد ذهب إلى النيابة في "زفة" ساخرا مستهينا، فقد أثبتت الأيام أنها لم تكن شجاعة منه، بقدر ما كان استغلالا لكون الحكم المنتخب ليس ميالا لفكرة الانتقام من الخصوم!
والدليل أنه بعد أن جاء حاكم مستبد، فإن "باسم" باعترافه ينتقده برفق، ثم يغادر للخارج هربا من بطشه، ولا ينسى قبل أن يقترب من رحابه أن يبدأ بوصلة هجوم وسخرية ضد مرسي، مع أنه ليس من الشجاعة أن يتعقب المرء فارّا أو أن يجهز على جريح.
وليس هذا هو الموضوع، فما يشغلنا هو المحاولة لتبرير موقف السيسي من إسرائيل بحجة أن مرسي سبقه بخطاب "عزيزي بيريز"!
لا بأس، فأود من باسم يوسف قبل أن يغلق فمه أن يعلن لنا رأيه في قضية الصراع العربي الإسرائيلي!
وبالمرة، ما هو رأيه في دهس سبع عشرة سيارة مملوكة للسفارة الأمريكية بالقاهرة للثوار خلال ثورة يناير؟!