كتاب عربي 21

حكومة الوفاق حيث لا وفاق

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
أعلن رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، الأسبوع الماضي أن الحكومة التي شكلها ستنتقل إلى العاصمة طرابلس في غضون أيام، ويبدو أن رئيس المجلس كان متفائلا في الموعد الذي قرره. حكومة الوفاق الوطني لا تلقى اتفاقا على تشكيلها ولا تحظى بدعم أطراف فاعلة في العملية السياسية لها حضورها في المشهد الليبي.

النظر إلى الساحة السياسية والعسكرية يعكس مشهدا لا يوحي بالاتفاق أو التوافق، فالخط المعارض للحكومة الجديدة يمتد من الغرب إلى الشرق حيث يحكم، ولو شكليا، المؤتمر في طرابلس والبرلمان في طبرق. إذ ما يزال كلا المعسكرين متمسكا بموقفه الرافض للحكومة، فالبرلمان أخفق في أن يلتئم للتصويت على الحكومة، وبعض الكتل الفاعلة فيه تنجح في عرقلة مساعي التصديق عليها، والمؤتمر أو الأطراف الفاعلة فيه مايزالون يتحدثون عن حكومة وصاية وعن انتهاك لسيادة الدولة.

الحراك الرافض لخطط انتقال الحكومة إلى طرابلس متعدد ومتنوع وينطبق عليه وصف الارتباك وردود الفعل غير المدروسة، كما يكتنف مواقف مكوناته درجة من الغموض واللبس يعقدان من عملية تحليل المشهد بشكل دقيق.

الأطراف الداعمة للاتفاق في العاصمة تتحدث عن دعم كبير سياسي وعسكري للمجلس الرئاسي وللحكومة، وتؤكد تأييد معظم التشيكلات المسلحة في طرابلس ومدن الغرب الليبي للسراج وحكومته، وتقلل من موقف الأطراف المعارضة لهما، وتتوقع أن تدخل الحكومة بيسر دون عراقيل وتباشر مهامها وسط قبول شعبي.

بالمقابل صرح الغويل رئيس حكومة الإنقاذ أنه لن يسمح بدخول "سلطة الوصاية" مهما كلف الأمر، كما أعلنت مجاميع عدة في العاصمة وبعض المدن القريبة عن تحفظات كبيرة، ووضعت شروطا لقبول اتفاق الصخيرات تدور حول موقف الحكومة الجديدة من خليفة حفتر والسياسة تجاه "الثوار"، وتهدد بأنها لن تسمح بدخولها، وأن إصرار الأطراف الداعمة على جلبها لطرابلس سيكون كارثيا ويدخل المدينة في مشاكل كبيرة، يتحمل مسؤوليتها الداعمون.

الجديد في التفاعلات المصاحبة لتشكيل الحكومة وإقرارها ومباشرتها عملها، هو حراك العودة للشرعية الدستورية الذي نشط بشكل فاعل مؤخرا، ليس في الشرق حيث تتردد الدعوة إليه كلما سنحت فرصة أو اقتضى الظرف، بل صدى الدعوة لعودة الملكية جلجل في طرابلس وكان مظهره الملصقات والكتابة المنمقة على الجدران في العديد من أحياء العاصمة وأيضا مرافقها العامة، وتبني بعض المجموعات المسلحة في العاصمة لهذا الخيار.

الاتجاه للملكية كحل للمأزق الراهن أخذ خطوة متقدمة في "برقة" بإعلان مجموعة من أعيانها ونشطائها السياسيين والمدنيين حتمية الاتجاه للمليكة، وطالبوا بمبايعة محمد الحسن الرضا السنوسي ملك المملكة الليبية المتحدة، وأصدر الحراك بيانا بالخصوص بمدينة البيضاء الأربعاء الماضي.

إذا المشهد مرتبك والوضع غامض جدا، ويبدو أن موعد دخول الحكومة الذي كان مقررا أمس الخميس، قد تم تأجيله دون تحديد أجل بديل، والتأجيل ربما جاء إدراكا من المجلس الرئاسي والحكومة أن الوضع ليس - كما كان متوقعا - مبشرا.

من ناحية أخرى، فإن التدافع المشاهد والحراكات الكثيرة إنما تدلل على أن مهمة الحكومة ستكون صعبة في حال دخولها، بل ربما لا تفي بالغرض لتحديد طبيعة التحديات الراهنة، وتحتاج الحكومة إلى جهود جبارة وإمكانيات هائلة ونجاحات خارقة وعاجلة حتى تطفئ نيران السخط المتقدة في كل مكان، وتدفع الأطراف المتنازعة عن العدول عن خياراتها المطروحة، وهو أمر لا يمكن الجزم بوقوعه في المدى القصير، وذلك في ظل الوضع المتردي. ففضلا عن التحديات السياسية والأمنية، فإن العوائد المالية المتوقعة التي يمكن أن تتدفق بافتراض دعم إبراهيم الجظران للحكومة، ورفع يديه عن حقول وموانئ تصدير النفط كليا، بالكاد تغطي نفقات البابين الأول والثاني من الميزانية العامة، وذلك في ظل تدني أسعار الخام الأسود في الأسواق العالمية، الأمر قد يدفع الحكومة إلى تبني إجراءات قاسية بغرض خفض الإنفاق العام، وهي إجراءات لها عواقبها التي قد تزيد من تعقيد الوضع.
التعليقات (0)