نشرت صحيفة "كوريري ديلا سيرا" الإيطالية تقريرا حول الطالب الإيطالي جوليو
ريجيني، الذي تعرض للاختطاف والتعذيب قبل تصفيته ورمي جثته في
مصر، رجحت فيه أن تكون الأجهزة الأمنية المصرية هي التي قامت بتعذيبه حتى الموت، على خلفية الأبحاث التي كان يقوم بها حول التحركات العمالية تحت حكم الدكتاتورية العسكرية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الأشخاص الذين اختطفوا جوليو ريجيني، أرادوا أن يعرفوا المصادر التي يحصل منها على معلوماته، وخاصة منها تلك التي وردت في المقالات التي كان ينشرها تحت إسم مستعار في موقع "نينا نيوز"، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وصحيفة المانيفستو الإيطالية.
وقد تعرض ريجيني للتعذيب القاسي حتى يكشف عن شبكة أصدقائه ومعارفه الذين ساعدوه في القيام بأبحاثه حول الأوضاع السياسية في مصر، وأمام رفضه الإفصاح عن هذه المصادر، يبدو أنه لم يصمد أمام وحشية
التعذيب الذي مارسته الأجهزة الأمنية المصرية، ولفظ أنفاسه الأخيرة، كما تقول الصحيفة.
وأكدت الصحيفة أن المحققين المصريين يبحثون الآن في الظروف التي أدت لمقتل الطالب الإيطالي البالغ من العمر 28 سنة، الذي عثر عليه يوم الأربعاء الماضي في حفرة على الطريق المؤدية من القاهرة إلى الإسكندرية. وتشير كل الدلائل التي حصل عليها المحققون إلى حد الآن، إلى تورط الأجهزة الأمنية المصرية التي سارعت منذ البداية من أجل التشويش على التحقيق وتغيير وجهة القضية.
وأضافت الصحيفة أن رسالة رسمية وردت على العاصمة الإيطالية عبر القنوات الديبلوماسية، تؤكد أن فحص الجثة أكد تعرضه إلى "التعذيب المطول"، وهو ما يطرح عدة تساؤلات حول إمكانية كشف ملابسات هذه القضية، خاصة وأنه تم الإعلان في مصر يوم السبت عن اعتقال شخصين مرتبطين بهذه الجريمة ثم تم نفي ذلك، في مساع واضحة لخلط أوراق هذه القضية والتغطية على الجريمة.
وعادت الصحيفة إلى ظروف اختفاء ريجيني، حيث ذكرت أنه اختفى منذ مساء يوم 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، وقد حاولت السلطات الإيطالية العمل في صمت للعثور عليه، ولكن أمام تقاعس الجانب المصري وعدم إظهاره أي جدية ومصداقية في البحث، قررت وزارة الخارجية الإيطالية الخروج بالقضية إلى العلن.
وأضافت الصحيفة أن الشرطة المصرية وجهاز المخابرات أصرا على عدم وجود أية معلومات حول الطالب الإيطالي المخطوف، ولكن في الثالث من شباط/ فبراير الجاري، وأمام إلحاح الجانب الإيطالي وتهديده بقطع العلاقات الديبلوماسية مع مصر، تم إعلام السفير ماوريسيو ماساري بالعثور على الجثة.
وقد بين الفحص الأولي للجثة أنها تعرضت لعدة جروح وحروق وكدمات، تبين كلها أنه تعرض للتعذيب لوقت طويل، ولكن الجانب الإيطالي سيقوم بعرضها مجددا على الطبيب الشرعي في العاصمة روما، من أجل البحث عن مزيد المعلومات بعيدا على الضغوط والعراقيل الموجودة في مصر.
وقالت الصحيفة إن البحث الذي كان يقوم به ريجيني للحصول على شهادة الدكتوراة، حول الحراك العمالي والنقابات العمالية، قاده للتعرف على أشخاص عديدين في النقابات المصرية، كما أنه حضر بعض الاجتماعات النقابية والتحركات، ولذلك يعكف المحققون الإيطاليون في مصر الآن على كشف شبكة علاقاته والأشخاص الذين قابلهم في ساعاته الأخيرة؛ لأنهم يعتقدون أن الأجهزة الأمنية المصرية قامت بنفس هذا الأمر في إطار مساعيها للإيقاع به.
وقد بدأ يتوضح لهؤلاء المحققين أن عملية اعتقال ريجيني في وسط المدينة لم تكن في إطار الاعتقالات العشوائية، التي شهدتها ذكرى 25 يناير، بل كان مستهدفا من قبل أشخاص يريدون منعه من مواصلة بحوثه وكتابة المقالات حول الأوضاع السياسية في مصر؛ لأنهم يعتبرون أن ذلك لا يصب في مصلحة نظام عبد الفتاح السيسي، خاصة وأن الخط التحريري لموقع "نينا نيوز"، الذي ينشر فيه جوليو ريجيني مقالاته، مساند لثورات الربيع العربي ومساند للقضية الفلسطينية، وهو ما يزيد من احتمالات أن يكون ريجيني قد استهدف من قبل الأجهزة الأمنية المصرية.
كما أشارت الصحيفة إلى حادثة
اختطاف وتعذيب أخرى، تعرض لها ناشط سياسي مصري بالأسلوب ذاته على يد الأجهزة الأمنية، وهو ما يزيد من احتمالات أن يكون ريجيني قد قتل على يد الأجهزة الأمنية المصرية. فقد كان الشاب محمد الجندي قد اختفى قبل ثلاث سنوات، في ذكرى 25 يناير، ثم عثر عليه في مستشفى في القاهرة في الثالث من شباط/ فبراير، ومات بعد يوم واحد بسبب تردي حالته الصحية، وقد قيل في ذلك الوقت أيضا لعائلته وزملائه أنه تعرض لحادث سير، وأصرت الأجهزة الأمنية على طمس معالم جريمتها، ولكن في النهاية تبين أنه اعتقل وعذب من قبل هذه الأجهزة.
وأضافت الصحيفة أن كل هذه الممارسات السابقة التي أقدمت عليها الأجهزة الأمنية المصرية، جعلت المحققين الإيطاليين يتعاملون بكل حذر مع الرواية الرسمية المصرية، ومع الأجهزة الأمنية في القاهرة، كما أنهم لا يريدون القيام بتحقيق مشترك بين الجانبين حتى لا يتعرض عملهم للمغالطة والتشويش، خاصة بعد أن اصطدموا منذ البداية "بحائط من الأكاذيب" خلال العشرة أيام الماضية.