نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتب روجر كوهين، يقول فيه إن "العلاقة الإسرائيلية الأمريكية تمر بمرحلة مثيرة، إن شئت سمها فترة هدوء سامة، لقد خف النقد اللاذع المتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، ولكن لا يزال هناك خلل في العلاقة الخاصة".
ويشير التقرير إلى أن أحد مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي قام قريبا بوصف السفير الأمريكي لإسرائيل دانيال شابيرو بأنه "صبي يهودي صغير"؛ لأنه قال إنه يتم الكيل "بمكيالين" عند تطبيق القانون على الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية، وإن كثيرا من الإسرائيليين يأخذون القانون بأيديهم في الضفة الغربية، دون أن تضع الحكومة حدا لذلك.
ويعلق كوهين قائلا: "ما كان يقوله شابيرو واضح للجميع، فالمستوطنون الإسرائيليون مواطنون تحق لهم الحماية الكاملة تحت القانون المدني، أما 2.8 مليون
فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية فليسوا كذلك. فعقود النسيان التي مروا بها تجعلهم يعيشون في حالة دائمة من أن يكونوا عرضة للقوانين العسكرية الإسرائيلية، وإسرائيل بدورها تمارس سياسة تآكل في الضفة مشجعة بذلك المستوطنين لأخذ القانون بأيديهم".
ويضيف الكاتب: "المثير هو أن شابيرو اختار أن يتحدث علنيا، وهو ما يعكس الإحباط الحاد الذي وصلت إليه إدارة أوباما بسبب السياسات الإسرائيلية، التي تكرس ما وصفه وزير الخارجية جون كيري بـ(حقيقة الدولة الواحدة). وهذه الحقيقة تعني أنه لا يمكن لإسرائيل أن تبقى دولة ديمقراطية ويهودية في الوقت ذاته".
وتذكر الصحيفة أن تقريرا لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" صدر هذا الشهر، وصف هذه الحالة بالقول: "تقوم إسرائيل من ناحية بتوفير الأرض والماء والبنية التحتية والمصادر والحوافز المالية للمستوطنين، وأحيانا للأعمال التجارية لتشجيع تمدد
المستوطنات. وتقوم من ناحية أخرى بمصادرة الأراضي الفلسطينية، وتقتلع الفلسطينيين، وتحد من حرية حركتهم، وتمنعهم من البناء إلا في 1% من المساحة الواقعة تحت سيطرتها في الضفة الغربية، وتحد بصرامة من حصولهم على الماء والكهرباء".
وينبه كوهين قائلا: "لا تقف حالة الإحباط عند الإدارة الأمريكية فقط، بل إن المجتمع اليهودي الأمريكي أصبح منقسما، فيتزايد النأي بالنفس عن السياسات الإسرائيلية بين الشباب اليهود الذين يرونها غير عادلة وغير قانونية وغير أخلاقية ومؤدية إلى الهزيمة الذاتية. ففي حرم الجامعات هناك حركة (بلاك لايفز متر)، وتعني (حياة السود مهمة)، التي ركزت على قضايا الظلم والقمع، ومن السهل مقارنتها بالقضية الفلسطينية حتى لو افتقدت تلك المقارنة إلى الشبه التام".
ويجد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه من هنا "يصبح من الصعب بمكان الدفاع عن دعم إسرائيل، عندما تكون لديك حكومة إسرائيلية يمينية تتضمن وزراء متعصبين يحتقرون الحركة الوطنية الفلسطينية. وإن كان نتنياهو الآن يعد إسرائيليا معتدلا، فكيف يكون حال الإسرائيلي التوراتي المتعصب؟".
وفي هذا السياق يقول الكاتب: "أرسل لي رئيس تحرير (ذي جويش ويك) غاري روزنبلات، وهو مؤيد قوي لإسرائيل، مقالا نشره، بدأه بالفقرة الآتية:
"حتى في الوقت الذي تعاني فيه إسرائيل يوميا من هجمات (الذئب المتوحد) من شباب فلسطينيين مستعدين للموت لأجل سفك الدم اليهودي، تكشف قيادات اليهود الأمريكيين عن أن توليد دعم لإسرائيل يزداد صعوبة هذه الأيام، حتى في المجتمع اليهودي، وخاصة بين الشباب".
وتنقل الصحيفة عن آمنة فاروقي، رئيسة اتحاد "جي ستريت" في جامعة ميريلاند، وهو عبارة عن مجموعة ضغط ليبرالية تؤيد إسرائيل وتؤيد السلام، قولها: "أصبح ينظر لمؤيدي إسرائيل بشكل متزايد على أنهم يمينيون، وهذا غير صحيح، فيمكنك أن تكون مؤيدا لإسرائيل وتقدميا، ولكن على قيادات المجتمع اليهودي في أمريكا أن يكونوا شفافين بخصوص المستوطنات، فلا يمكنك دعم حل الدولتين، إن لم تتخذ موقفا واضحا، على سبيل المثال، ضد دعم الأنشطة خارج الخط الأخضر".
ويلفت التقرير إلى أن فاروقي طالبة في السنة الرابعة من دراستها في جامعة ميريلاند، وهي مسلمة أمريكية من أصل باكستاني، وتم انتخابها رئيسة لاتحاد "جي ستريت" الصيف الماضي، ونشأت في أسرة مهاجرة معادية لإسرائيل ولكن في منطقة يهودية، وأصبحت بالتدريج مقتنعة بحق إسرائيل في الوجود، وعلى قناعة أيضا بأنه لا يمكنك تأييد إسرائيل دون التعامل مع موضوع
الاحتلال؛ لأن السكوت عنه لن يساعد.
ويورد كوهين أن فاروقي تبرر سبب انضمامها لـ"جي ستريت" بعد أن كانت تريد الانضمام لـ"ستيودنتس فور جستس فور باليستاين" أو "طلاب لأجل العدالة لفلسطين"، بأنها وجدت أنه لا يساعدها على مناقشة آرائها مع أناس يحملون رأيا آخر، وتقول: "التحدث مع من يؤمنون بالفكرة ذاتها التي أؤمن بها ليس مجديا، ولكن أريد أن أذهب إلى (الاتحاد العام للطلبة اليهود) وأتحدث إلى أناس لا يعتقدون بأن هناك احتلالا، فلا جدوى من الجلوس في غرفة صدى".
وتبين الصحيفة أن الرسالة، التي توجهها فاروقي من خلال شخصيتها متعددة الطبقات، في وقت يزداد فيه الاستقطاب، مهمة، فلا يمكن الاستمرار في الوضع الحالي، فكما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون هذا الشهر: "إن رد الفعل على الاحتلال طبيعة بشرية؛ لأنه (الاحتلال) في العادة يعمل حاضنة جيدة للكراهية والتطرف".
ويقول الكاتب: "على القيادات الفلسطينية أيضا مسؤولية مكافحة الكراهية، والتوقف عن التحريض، وإجراء انتخابات، وتجاوز الانقسام، والتخلي عن التصرف بعقلية الضحية. ولكن لا شيء يعفي إسرائيل من الاستمرار في احتلالها الذي لا يعمل لصالحها".
ويخلص كوهين إلى القول: "يجب إغلاق الثغرات في قوانين الضرائب الأمريكية، التي يستفيد منها المستوطنون، ويجب تمييز منتجات الضفة الغربية؛ حتى يستطيع المستهلك اتخاذ قرار مبني على علم. ويجب الضغط على الشركات كي (تلتزم بمسؤولياتها تجاه حقوق الإنسان، وتتوقف عن أنشطتها التجارية في المستوطنات)، كما قالت (هيومان رايتس ووتش)".