نشر موقع موندافريك الفرنسي تقريرا حول آخر حلقات مسلسل الصراع في أعلى هرم السلطة في
الجزائر، أي مسؤولي الجيش والمخابرات الذين استنجد بعضهم بملفات "
العشرية السوداء" للرد على خصومهم، وهو ما كشف أدلة جديدة على مؤامرة دموية استهدفت الإسلاميين والمسار الديمقراطي في الجزائر.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن
الجنرال توفيق الذي كان يعد الرجل الأقوى في جهاز المخابرات، والذي اضطلع بمهمة إدارة هذا الجهاز الحساس منذ سنة 1990، أجبره الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة في 13 أيلول/ سبتمبر 2015 على تقديم استقالته. ومع تسارع وتيرة عملية تفكيك جهاز المخابرات التي يقوم بها بوتفليقة منذ سنوات، وإقصاء عدد من رفاق الجنرال توفيق، قرر بعض قادة الأجهزة الأمنية إخراج ملفات قديمة، لعكس الهجوم على خصومهم.
وحذر التقرير من أن الجزائر قد تكون مقبلة على عاصفة سياسية، بعد أن وجد عدة مسؤولين في "دولة المخابرات" أنفسهم في وضع محرج، حيث بدأت أسرار العشرية السوداء تتكشف، بعد أن قام العقيد السابق محمد طاهر عبد السلام، الذي كان مكلفا بملفات الشرق الأوسط و"التعامل" مع المعارضين في الخارج، بالإدلاء بشهادته حول العشرية السوداء، التي تمثل السنوات العشر الدامية ابتداء من العام 1992، بعد إلغاء الانتخابات التي فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات عام 1991.
واعتبر التقرير أن أحدث مظاهر تغير الأوضاع في الجزائر، فقدان الجنرال توفيق السيطرة على الصحف والقنوات التلفزيونية، حيث بدأت وسائل الإعلام المحلية بكشف معلومات جديدة ونشر اعترافات أدلى بها شهود عيان حول مأساة إجهاض المسار الديمقراطي في سنوات التسعينيات، بعد أن أيقن رجال دولة المخابرات أن الإسلاميين سيكونون رقما صعبا في هذا المسار.
وذكر التقرير في هذا السياق أن قناة "خبر" المحلية، عرضت حوارا دام ساعتين مع العقيد محمد طاهر عبد السلام، الذي تحدث عن تصفية الجنرال فضيل سعيدي، المسؤول عن العلميات الخارجية في جهاز المخابرات، عام 1996، في حادث سيارة مدبر وقع على الطريق السريع قرب ورغلة، حيث إن الناجي الوحيد من الحادثة، الذي تلقى العلاج في مستشفى تونون في باريس في ذلك الوقت، أكد أن الحادث في الحقيقة عملية مدبرة مدبرة، لأن السيارة انفجرت ولم تتعرض لحادث سير عادي.
وبحسب عبد السلام، فإن سبب هذه التصفية هو أن الرئيس السابق، الجنرال لمين زروال، كان ينوي فرض فضيل على رأس جهاز المخابرات، وهو أمر رفضه الجنرال توفيق وبقية مساعديه وعملوا على تلافيه بأية طريقة.
وبعد الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي أظهرت تقدما واضحا لإسلاميي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، تم إقصاء الرئيس شاذلي بن جديد، وتسلم العسكر الاستئصاليون مقاليد الدولة، وشرعوا في تنفيذ مخططهم لإفشال المسار الديمقراطي واجتثاث الإسلاميين عبر إغراق البلاد في العنف والإرهاب، وفق ما يرويه العقيد عبد السلام.
وقد أكد العقيد عبد السلام أن ذلك الانقلاب لم يكن وليد تقدم الإسلاميين في الانتخابات، بل كان جاهزا منذ سنة 1990، حين تم تعيين الجنرال نزار وزيرا للدفاع، والجنرال توفيق على رأس جهاز المخابرات.
وأكد أنه سمع بنفسه قادة المخابرات يقولون إنهم "قد يسمحون بوصول أحمد بن بلة للحكم، إذا اختاره الجزائريون، ولكنهم لن يقبلوا أبدا وصول إسلاميي جبهة الإنقاذ الوطني، حتى وإن فازوا في الانتخابات".
وأشار التقرير إلى أن الجنرال توفيق وبقية قيادات الجيش والمخابرات المتورطين في هذه المؤامرة، يوصفون في الأوساط الشعبية في الجزائر بأنهم "جنرالات فرنسا"، باعتبارهم حاربوا معها ضد الثوار الجزائريين في حرب الاستقلال، وقتلوا أبناء وطنهم، ثم انضموا لصف الثورة في اللحظات الأخيرة قبل خروج فرنسا من الجزائر، وظلوا منذ تلك الحقبة يسيطرون على مقاليد السلطة ويخدمون مصالح المحتل بطريقة غير مباشرة.
كما ذكر التقرير، أن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية، التي كانت هي أيضا مضطهدة وملاحقة من النظام الحاكم في تونس هرب من تونس وتوجه إلى الجزائر، ولكن الجنرال زين العابدين بن علي توجه إلى لوزان السويسرية ليطلب من بن بلة العمل على ترحيل الغنوشي من بلاده، لكن بن بلة اتصل برئيس الوزراء الجزائري آنذاك، أحمد الغزالي (بين عامي 1991 و1992)، وقال له: "لقد أوصلتم الجزائر للحضيض حتى صار شخص تافه مثل بن علي يصدر لنا الأوامر، إذا سلمتم له راشد الغنوشي سأفضحكم في سويسرا والدول الأوروبية كافة".