نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا، حول
احتدام الصراع من أجل السلطة بين الأجهزة الأمنية في
الجزائر، بعد تفاقم مرض وعجز رئيس الدولة عبد العزيز
بوتفليقة.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "
عربي21"، إن الصراع حول كرسي الرئاسة في الجزائر ازداد حدة، بعد سنة ونصف من إعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة ستنتهي في سنة 2019.
وذكرت الصحيفة أن الصراعات الداخلية بين قادة النظام حول السلطة مرّت من السرية إلى العلنية، حيث شهدت الأشهر الأخيرة توترا حذرا في الساحة السياسية الجزائرية، بسبب حملة الاعتقالات والإدانات ضد بعض جنرالات الجيش الجزائري، بالإضافة إلى التعيينات الجديدة في جهاز المخابرات.
وأضافت الصحيفة أن الضعف الذي تعيشه أجهزة الدولة في الجزائر اليوم، أدى إلى انتشار الشائعات في وسائل الإعلام الجزائرية، بينما يتابع الجزائريون ما يحدث على الساحة السياسية بحذر شديد.
وقد أثار تردد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في اتخاذ إجراءات مناسبة حيال ما يحدث في الساحة السياسية، بالإضافة إلى غيابه المتكرر لتلقي العلاج في دول أوروبية، شكوكا عدة، ليس فقط حول مدى قدرته على إدارة شؤون البلاد حتى نهاية فترة ولايته، بل أيضا حول المخاطر التي يواجهها المستقبل السياسي للبلاد في الفترة المقبلة.
وأضافت الصحيفة أن التصريحات الرسمية لمسؤولين جزائريين مازالت تؤكد أن الرئيس الجزائري يمارس مهامه الرسمية بصفة طبيعية، بينما يشكك بعض المتابعين لتطورات الساحة السياسية في ذلك، حيث قال المختص في علم الاجتماع ناصر جابي إن الجزائر تشهد "مرحلة عجز رئاسي"، ما يعني وجود أياد خفية تتحكم في أجهزة الدولة.
وذكرت الصحيفة أن جهاز المخابرات الجزائري كان فاعلا رئيسيا في بلورة المعطيات السياسية في الجزائر اليوم، حيث شهد الجهاز الاستخباراتي للجزائر إقالات ومحاكمات شملت عشرات القادة والجنرالات منذ سنة 1962، وآخرها إقالة الجنرال محمد مدين، المعروف بتسمية توفيق، في أيلول/ سبتمبر الماضي.
كما أثارت إقالة محمد مدين من طرف رئاسة الجمهورية في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد 25 سنة من الإشراف على جهاز المخابرات، جدلا واسعا في الأوساط السياسية والعسكرية، ثم خرج الجنرال توفيق عن صمته ليكشف للصحف الجزائرية المعطيات حول الصراع داخل أجهزة الدولة.
وأضافت الصحيفة أن الجنرال توفيق كشف للصحافة حقائق تتعلق بمحاكمة الجنرال حسان، المسؤول السابق عن وحدة مكافحة الإرهاب في جهاز الأمن والاستعلام الجزائري، وذكر توفيق أن الجنرال حسان حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب تسريبه وثائق رسمية.
وذكرت الصحيفة أنه يمكن اعتبار ما يحدث في الجزائر تمهيدا لمرحلة سياسية جديدة، أو مؤشرات جدية على احتدام الصراع بين المقربين من بوتفليقة للسيطرة على الحكم، خاصة من طرف رئيس هيئة الأركان الجزائري، أحمد قايد الصالح، الذي يعتبر من أبرز المرشحين لتولي الرئاسة.
واعتبرت الصحيفة أن التوتر السياسي في الجزائر شهد أبعادا جديدة، عندما بادر عدد من الشخصيات السياسية المقربة من الدولة في تشرين الثاني/نوفمبر بإصدار بيان يعلنون فيه "تدهور الوضع العام" في البلاد، بسبب عجز رئيس الدولة عن مباشرة مهامه، ما أدى إلى إحراج المسؤولين في الدولة الجزائرية.
وأضافت الصحيفة أن رموزا سياسية مثل خليدة التومي وزهرة الظريف وقعت على البيان الذي أصدرته 18 من الشخصيات السياسية في الجزائر.
فعلى الرغم من أن كلا من خليدة التومي وزهرة الظريف تقلدتا مناصب سياسية في عهد عبد العزيز بوتفليقة، وناشدتاه للترشح لولاية رابعة في سنة 2014، فإنهما كانتا أيضا من أبرز الشخصيات السياسية الموقعة على هذا البيان.
وأضاف المحلل الاجتماعي، ناصر جابي، أنه على الرغم من الدعوات الصريحة من طرف السياسيين المقربين من الحكم لوقف "تدهور الوضع العام"، فإنه ليس لديهم رغبة في "القطيعة الكلية مع الرئيس الجزائري أو في الانضمام إلى المعارضة".
وأضافت الصحيفة أن التعتيم المتزايد حول إعادة تشكيل مواقف النخبة السياسية في الجزائر، يغذي الشكوك والريبة في أوساط الرأي العام الجزائري، حيث تسعى جميع الأطراف المتناحرة على السلطة لتعزيز حضورها بين الأوساط المقربة من السلطة، وكذلك الشأن داخل أوساط الرأي العام.
واعتبر سيد أحمد غزالي، الذي شغل سابقا منصب رئيس الوزراء في الحكومة الجزائرية، أن "ما يقوم به النظام هو تسليط الضوء على الأعراض ليخفي المرض الحقيقي"، حيث اعتبر غزالي أن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها البلاد هي نتيجة لضبابية الوضع السياسي.
وقالت الصحيفة في الختام إن الجزائر تواجه تحديات اقتصادية عديدة، أثّرت على الوضع السياسي العام للبلاد، بعد تراجع مداخيل النفط نتيجة لتواصل انخفاض سعر برميل النفط إلى أقل من 40 دولارا منذ أشهر.