لم أر في الأمر ما يستحق الشماتة، فقد وجدت فيه ما يستدعي الشفقة، على المنحدر الذي أوصلنا إليه من تحركوا وفق قواعد "كيد الضرائر"، للانتقام من الحكم المنتخب، فأوصلوا أنفسهم إلى حد أنهم لا يستطيعون الجهر بنقد الأوضاع القائمة، فيعتصمون بالرموز؛ لتصبح ثورة يناير "شقة مفروشة"، والإخوان مستأجر مزق عقد الإيجار، وقائد الانقلاب العسكري هو الشرطي الذي تم استدعاؤه للتدخل، فطرد المغتصب، واغتصب هو "العين"، محل النزاع!
إنه الأديب "
علاء الأسواني" صاحب رواية "عمارة يعقوبيان" ذائعة الصيت، الذي انحاز لمعسكر 30 يونيو، ودعا لإسقاط الرئيس المنتخب في أول انتخابات نزيهة عرفتها
مصر، وتحالف مع العسكر، واحتشد ليقدم قائدهم الذي لم يخض حربا، ولم يشارك في قتال، وأحد اختيارات المخلوع مبارك، بأنه أعظم قائد عسكري بعد آيزنهاور. ولم يقل هذا عبر الإعلام المصري لمخاطبة البسطاء، فمن الواضح أنه كان في "سكر بين"، دفعه لأن يقول هذا لصحفي غربي مخضرم هو "روبرت فيسك"، الذي لا يمكن إدخال الغش والتدليس عليه لأنه يعرف أين يخبئ القرد في الشرق الأوسط ابنه!.
لقد ذهبت السكرة وحلت الفكرة؛ لكن عندما حدث هذا وجد "علاء الأسواني" نفسه في مواجهة سلطة قمعية، تفوقت على نظام مبارك في استبدادها، وفي ظل نظام المخلوع كان "الأسواني" يعارضه، لكن "عبد الفتاح
السيسي" ليس مبارك، فاعتصم صاحبنا بالرموز، وكتب على "تويتر" التشبيهات السابقة، فهو قد أجر "شقته"، لمستأجر، لكن من الواضح أنه طمع فيها فمزق العقد وادعى ملكيته لها، فلم يكن من "الأسواني" صاحب الشقة، إلا أن يلجأ للشرطة، وجاء الشرطي فطرد المغتصب ليغتصبها هو. ويؤكد "الأسواني" أنه متمسك بشقته!.
بين العمارة والشقة
هكذا انتقلنا، من "عمارة يعقوبيان"، إلى "شقة علاء"، على نحو يوحي لمن يعرف عمل الرجل، أنه "مهندس معماري"، وربما "مقاول هدد". وفي "العمارة" و"الشقة" يمارس "الأسواني" الإسقاط السياسي، لكنه كان في الرواية أكثر وضوحا، فلم يكن القارئ بحاجة لبذل مزيد من الجهد، ليعرف أن شخصية "كمال الفولي" في "عمارة يعقوبيان" ترمز إلى الرجل القوي في حزب مبارك الحاكم، وأحد مراكز القوى حينئذ الراحل "كمال الشاذلي"، لكن الأمر اختلف في رمزية قصة "العين المؤجرة"، التي انتقلت من مغتصب لمغتصب، فقد كان "الأسواني" غامضا بحيث كان ما كتبه لا يفهمه إلا من لهم سابقة أعمال في "فك الشيفرة"!.
في الأولى، لم تكن مرجعية الرمزية هي الخوف من بطش السلطة، ولكن طبيعة العمل الروائي، إذ كان "الأسواني" من معارضي نظام مبارك، وكان يوجه له عبر مقالاته النقد الشديد، ولم يكن أبدا من النخبة التي قال الوزير "فاروق حسني" إنه أدخلها "حظيرة وزارة الثقافة". لكن في الثانية، كان الاعتصام بالرمزية خوفا لأنه لا يستطيع أن يوجه النقد الصريح لعبد الفتاح السيسي، وهو الديكتاتور الذي لا يوجد عنده خطوط حمر في تعامله مع معارضيه، وإن كانوا ذائعي الصيت دوليا، مثل "الأسواني"، لأن الدوائر الغربية التي تحتفي بـ"الأديب العالمي"، هي من "تحمي ظهر السيسي"، باعتباره يقوم بالتمكين للمشروع الاستعماري، في المستعمرات القديمة، باستمرار التخلف ومواصلة التبعية، وهو ما كاد الربيع العربي أن يعصف به.
ولهذا، لم يجد الحاكم بأمره عبد الفتاح السيسي ما يمنعه، من أن يصل باستبداده لشباب مثّل غطاء ثوريا لثورته المضادة، ولطالما احتفت به الدوائر الغربية، وسهلت لهم السفارة الأمريكية بالقاهرة مهمة أن يمثلوا النخبة الجديدة، وجرى تقديمهم في الإعلام الغربي على أنهم قادة ثورة يناير، ليجد البيت الأبيض من خلالهم موضع قدم في هذه الثورة، تمكنه من السيطرة عليها، بدلا من أن تقود مصر في سياق بعيد، نحو تحقيق الاستقلال الوطني الكامل!.
لم يكن الشباب الذي اعتقله عبد الفتاح السيسي ينكر عليه شرعيته، بل كان إلى وقت قريب يتبارى حد التنافس، في مهمة السفر للدول الأوربية لإقناعها بأن ما جرى في مصر ليس انقلابا عسكريا ولكنه ثورة، أو استكمال لثورة يناير، وقد احتفى هذا الشباب بالمجازر التي قام بها قائد الجيش ضد المتظاهرين العزل.. غاية ما في الأمر أنهم تظاهروا ضد قانون التظاهر، لأن لهم ملاحظات عليه، فتحرك "السيسي" ليقمعهم كما لو كانوا قد طالبوا بعودة الشرعية، وليؤكد للجميع ما قاله.. إنه ليس مدينا بفواتير لأحد.
وعلى من شاركوا في المؤامرة على ثورة يناير ألا يتصوروا أنهم شركاء في الحكم!.
ولم يدافع الغرب عن هؤلاء الشباب، ولو ضغط لخرجوا من السجون، لأن البيت الأبيض، ليس بحاجة إلى نخبة يصنعها، فقد عثر أخيرا على ضالته الذي انقلب على الثورة، وأعاد نظام مبارك، لتنفيذ المشروع الغربي بشكل تفوق فيه التلميذ على أستاذه، والسيسي على مبارك!
ولأنه لم تعد كرامة لأحد، فقد لجأ أحدهم لحيلة لم تتقبل منه، مما دفعه لمغادرة البلاده، وهو أن يفتح نار الهجوم على الدكتور محمد مرسي، ليمرر عبر مقاله شطر كلمة ضد السيسي، كما لجأ علاء الأسواني إلى الكتابة بالرموز، فتصبح الثورة شقة، ويصبح السيسي شرطيا تم اللجوء إليه ليعيد "العين المؤجرة" إلى المالك الأصلي، لكنه طرد المغتصب واستولى هو على "العين" محل النزاع!.
الخروج من مصر
لست ميالا لاتهام الأسواني بامتهان ثورة يناير عندما يرمز لها بالشقة، فمن قبل صور مصر على أنها عمارة، فالكتابة الأدبية تسمح بهذه التشبيهات، وللضرورة الأدبية أحكام. ولست مشغولا بأن الشقة ليست ملكه وحده، وأن الإخوان ليسوا مؤجرا مغتصبا، فهم من الملاك الأصليين لهذه الشقة، ولهم فيها ما لعلاء الأسواني، ولكل من شارك فيها، ويحدد أسهم كل مالك بما قدمه لها!.
فما يشغلني حقيقة، هو هذا المنحدر الذي أوصلنا إليه الأسواني ومن معه، على نحو جعل واحدا مثل الدكتور عمرو حمزاوي، يكتب عن عدم قدرته في أن يقول ما يريد، وفي الدفاع عن من يستدعي الضمير الوطني الدفاع عنهم، خوفا على أسرته، وهو الخوف الذي دفعه لأن يعلن أنه يبحث عن طريقة للخروج من مصر، ويبدو أن قرار منعه من السفر لا يزال ساريا رغم مشاركته في الانقلاب العسكري، وربما يستهدف أن يطلع "أهل الحكم الجدد" على مطلبه، فيقولون له إن "الباب يفوت جمل"، بعد أن ضاقت مصر بأهلها، وضاق السيسي بكل كائن حي على أرضها وإن كان من الذين يتنافسون على حبه، ويتبارون لإثبات الولاء له، ممن لا يزالون يؤمنون بما قاله صاحبنا سابقا، أنه أعظم قائد عسكري بعد آيزنهاور.. ربما لدوره التاريخي في حرب الناموس!.
هذا المنحدر، هو ذاته الذي دفع "علاء الأسواني" إلى الكتابة بالرموز، وإلى امتناعه عن الكتابة بعد أن ضاقت الصحيفة التي يكتب فيها بمقالاته، وهو من لم يجرب عليه نقد للسلطة الجديدة، وكان لحظة التوقف عن الكتابة لا يرى في السيسي أنه شرطي اغتصب "العين" محل النزاع!.
الذي يشغلني بالإضافة إلى ذلك أن من هم في وزن "علاء الأسواني" يتعاملون على أنهم كانوا مغررا بهم، وها هم الآن يقفون على أنهم في مواجهة مغتصب للثورة. وإذا كنت قد خاطبت الشباب الصغار، عندما بدأت الدعوة لإسقاط الرئيس المنتخب بما كان يخاطب به السادات أبناء الجماعة الإسلامية: "أولادي المغرر بيهم"، فقد كنت أنزه الكبار ومن هم في حجم الأسواني من فكرة التغرير بالمشاركة في الانقلاب على ثورة يناير.
صنيعة الأجهزة
"أولادي المغرر بيهم"، تبين أنهم لم يكونوا مغررا بهم، فقد أثبتت التسريبات، أن "تمرد" فعل مخابراتي جرى تمويله من الإمارات، فقد باعوا الثورة بعد أن تم دفع ثمنهم على "داير مليم"، هذا ناهيك عن أن من كان يظنهم العوام ثوارا لمعارضتهم لنظام مبارك، كانوا صنيعة الأجهزة الأمنية، وكانوا يلعبون على صراع الأجنحة في نظام مبارك، فمن يهاجم جناحا يحتمي في الجناح الآخر، وربما يكون هجومه مدفوعا من هذا الجناح المنافس، فقد كانوا خدما لم تجد الأجهزة صعوبة في دعوتهم للتآمر على الثورة وتمهيد الأجواء للثورة المضادة!.
لقد طالعنا حملات صحفية ضد الرجل القوى في إعلام مبارك "سمير رجب"، كان يمولها ويحمي من يقوم بها إبراهيم نافع وكانت لصالحه ولم تكن لمواجهة الفساد.
ونشرت بعض الصحف مخالفات مالية لإبراهيم نافع في مؤسسة الأهرام كان النشر بتحريض من صفوت الشريف!
وقرأنا من يهاجمون التوريث وجمال مبارك وأحمد عز والحرس الجديد، فظن القارئ أن هذا الكاتب أو ذاك من المعارضين الأشداء، وكان الهجوم يتم لمصلحة الحرس القديم، الذي كان يرى في مبارك الابن ومن معه خطرا على المستقبل السياسي لعناصر هذا الجناح!.
لقد كانت جريدة "الدستور" برئاسة إبراهيم عيسى تنتقد التوريث، وعندما قررت وهي على هذا الحال أن تصدر يوميا بدلا من صدورها أسبوعيا لم يكلف الأمر عيسى إلا "مشوارا " لمكتب صفوت الشريف فيحصل على الترخيص القانوني بذلك في المساحة الزمنية التي قضاها في احتساء فنجان القهوة!.
وذلك في بلد أغلقت فيه جريدة "الشعب"، وطورد صحفيوها، وأدخل خمسة منهم السجون ليقضوا مدة العقوبة كاملة. وأيضا في ظل سلطة طاردت الكتاب الجادين في معارضتهم "بيتا بيتا، صحيفة صحيفة"!.
ولم يكن علاء الأسواني من هؤلاء الذين يهاجمون جناحا في السلطة لصالح جناح آخر، ومع هذا فلم يكن من "أولادي" الذين ظننت أنهم مغرر بهم، أو هؤلاء الذين لم يكونوا جادين في قيامهم بدور المعارض في عهد مبارك ولم يكن لديهم ما يمنع من تأييد الانقلاب العسكري. ولو كان من يقوم به هو نظام مبارك، فقد تصدروا المشهد في عهده، وإن كانوا ينتمون للمعارضة المدجنة التي استفادت من مبارك ونظامه!
الثورة والثورة المضادة
لكن اللافت، أن الأسواني احتاج لعامين ليقف على أنه استدعى بلطجيا ليستولي على شقته، ولم يكن بشجاعة الدكتورة "عايدة سيف الدولة" التي أعلنت قبل عدة شهور أنها لم تندم على شيء في حياتها قدر ندمها على توقيعها على استمارة تمرد، ولم يكن واضحا وضوح صديقنا الصحفي اليساري محمد منير، الذي كانت له كتابات سابقة عن الشقة والبلطجي الذي اغتصبها، ويبدو أنه توارد خواطر بين اثنين من كبار الكتاب!.
"منير" كان من الذين فاقوا من السكرة مبكرا، وكان واضحا عندما سألته عن رأيه فيما وصلنا إليه وهل يعتقد فعلا أن "30 يونيو" ثورة.. فقال ما أضحكني وقتها: "نعم 30 يونيو ثورة، و3 يوليو انقلاب على ثورة 30 يونيو!". وقالها بصراحة: كنا نعتقد أن السيسي سيأخذ الحكم من الإخوان ويسلمه لنا، لكنه أخذه منهم لصالح نفسه!.
رؤية مأساوية، عندما يتم النظر إلى الحكم على أنه "شقة"، يجوز فيها التصور أن من أخذها لن يطمع فيها، في حين أن "كرسي الحكم" هو الذي قتل من أجله الابن أباه، وقامت في سبيل الفوز به معارك أريقت فيها دماء، وانتهكت فيها أعراض!.
"الأسواني" على العكس من "محمد منير"، فهو لا يزال يكابر ويعلن أنه رغم كل ما جرى فإنه ليس نادما على مشاركته في 30 يونيو. وإذا لم يكن هذا من باب المكابرة فسنكون أمام حالة مرضية متأخرة، لأن 30 يونيو هي التي قادت للأوضاع الحالية التي لم يستطع فيها صاحبنا أن يكتب نقدا مباشرا ، فكتب بالرموز، عن الشقة، والمؤجر المغتصب، والشرطي البلطجي. ولم يستطع بطبيعة الحال أن يصف سلوك هذا الشرطي بالبلطجة، مخافة أن يجد السيسي من يفك له الرموز، ويشرح له المكتوب حتى يستوعبه، لأنه إذا تم الوصف فيكون "الأسواني" قد وضع قدميه على الأسلاك الشائكة!.
كل ما مضى "كوم"، وتصور الأسواني أن ما جرى في 30 يونيو ثورة "كوم آخر"، ومن ثم لا يندم على المشاركة فيها، فهل كانت هذه المآلات فعلا مفاجأة للأسواني ومن معه، والتي انتهت بأننا صرنا نرزح تحت حكم عسكري مستبد، يتعرض له كاتب في حجم "علاء الأسواني"، وفي شهرته العالمية بالرموز والإسقاطات!
هل كان الأسواني مغشيا عليه لحظة دخوله "ميدان التحرير"، وهو يجد وزير الداخلية السابق محمد جمال الدين، محمولا على الأعناق، وهو المتهم بقتل الشاب "جيكا"، ومن حاصر الثوار في شارع "محمد محمود" وأطلق عليهم قناصه الشهير ليصفي عيون بعضهم؟.
باعونا في محمد محمود
لا يمل القوم من القول بأن الإخوان باعونا في محمد محمود، واعتبروا هذا موجبا للطلاق البائن في العلاقة بهم، فهل من المنطق أن يتحالفوا مع من قتلهم في محمد محمود؟!
لا أعرف ما هو شعور "الأسواني" وهو يطالع قرار تعيين الوزير السابق المتهم بقتل الثوار مستشارا أمنيا للمؤقت عدلي منصور، في ذات اللحظة التي صدر فيها قرار تعيين "أيقونة" ثورة يناير الدكتور محمد البرادعي نائبا لذات المؤقت؟!
وما هي المشاعر التي انتابته وهو يشاهد عضو لجنة السياسات برئاسة جمال مبارك "إبراهيم محلب" رئيسا للحكومة، وأن من كان يمثل قضاة مبارك في مواجهة قضاة الاستقلال، أصبح بقرار من عبد الفتاح السيسي وزيرا للعدل، وهو أحمد الزند الذي بادر بهجومه على ثورة يناير من أول يوم وتحرش بها رغم أنها لم تقترب من رحابه؟!
في الواقع، إن علاء وجماعته لم يكونوا "مغمى عليهم"، فقد كانوا يعرفون ما يفعلون، وكانوا يؤمنون بأنهم غطاء ثوري للثورة المضادة، وغطاء مدني للانقلاب العسكري، لكنهم كانوا يتحركون بشهوة الانتقام من الإخوان، لا تعنيهم ثورة، أو ثوار، أو مطالب ثورية هتفت ضد حكم العسكر!.
أي ثورة جمعت بين الدكتور البرادعي، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد، ورفعت السعيد رئيس حزب التجمع، وسامح عاشور رئيس الحزب الناصري، فيما عرف بجبهة الإنقاذ، التي قامت بالأعمال التحضيرية للانقلاب؟!
وهؤلاء يمثلون المعارضة الرسمية لنظام مبارك التي كانت تعيش على "فضلة خيره"، وكانوا ضد ثورة يناير من أول يوم. ويحفظ للبدوي قوله لشباب الحزب الذي أراد المشاركة في يناير، إن "من يصر على ذلك فليشارك على مسؤوليته الشخصية"، وأدار محطته التلفزيونية "الحياة" في كل أيام الثورة لتكمل رسالة التلفزيون المصري الرسمي في تشويهه للثوار، والتأكيد على أن الثورة فعل خارجي.
أما رئيس الحزب الناصري، فقد كانت الثورة تحت مقر حزبه القريب من ميدان التحرير، وهو يخطب فيه معلنا أن مبارك خط أحمر، مؤكدا أن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية الداعين إليها. أما رفعت السعيد فيكفي نقل ما قاله المناضل متقاعد عبد الحليم قنديل، وصفا له، من أنه الجناح السياسي لأمن الدولة!.
من كان من هؤلاء مع البرادعي وإعلام مبارك يستبيح عرضه؟ ومن كان معه وهو يصلي في جمعة الغضب في مسجد الاستقامة؟ ومن كان بجواره والأمن يرشه بالماء عندما خرج من المسجد وأراد الانطلاق إلى ميدان التحرير؟!
هل كان البرادعي سكرانا طوال الفترة التحضيرية لـ "30 يونيو"، ولم يفق من سكره ولو في اجتماع واحد ليجد نفسه بجانب هؤلاء؟ ثم ينظر فيجد على ذات المائدة عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني جابر نصار، فيصيح فزعا في الجالسين: من أنتم؟!
الواقع أن البرادعي كان كما علاء الأسواني، كما حمدين صباحي، في كامل قواهم العقلية، وهم يشاركون في الانقلاب على ثورة يناير، ويدخلون كل زناة الليل إلى حجرتها!.
الأخير، وهو صباحي كان يعتقد أنه البديل الاستراتيجي للرئيس المنتخب الدكتور مرسي، فلم يكن مهتما بالثورة، ولا بالثوار، ولم يكن مشغولا بأنه يساعد في الانقلاب عليها ما دام سيحقق حلم حياته في أن يكون الرئيس، ولهذا قال لأنصاره وهو يدعوهم للمشاركة في 30 يونيو: لا تسألوا من يقف بجواركم إن كان عضوا في الحزب الوطني، فخلافنا مع هذا الحزب هو خلاف ثانوي، لكن خلافنا مع الإخوان جذري!.
فالأمور كانت واضحة منذ البداية، فالحزب الوطني الذي أسقطته الثورة كان مشاركا في 30 يونيو، فهل كان يعتقد أن أعضاءه سيخرجون ليطالبوا بحقوق الشهداء، أو يطالبوا بإسقاط محمد مرسي لأنه خان الثوار، ولم ينتصر لأهداف يناير، ولم يقتص للشهداء، وباعهم في محمد محمود؟!
لم يكن القوم، ومعهم علاء الأسواني في غيبوبة، فقد كانوا يعرفون ما يفعلون، ويعلمون أنهم يخونون الثورة بعودة حكم العسكر، والقضاء على الفرصة التي انتظرتها مصر طويلا بأن تحكم برئيس مدني!.
لم يكن لدى كثير منهم مانع في أن يحكم العسكر، ومن كان عنده مانع تاب من قريب!.
السيسي ويناير
فما كان يظنه علاء الأسواني ومن معه، أن السيسي سيسمح لهم بالترقي الاجتماعي، وهو ما لم يتحقق لهم في عهد مرسي، فالسيسي في أسوأ الفروض هو الرئيس وهم نخبته، ورجاله، وصفوته المختارة!.
لكن السيسي ليس مخلصا ليناير، وإخلاصه لمبارك الذي أسقطته، أكثر من إخلاصه لنفسه وقد رفعته ليصبح رئيسا، وهو يضمر عداء لكل من شارك في هذه الثورة، فضلا عن أنه لن يصفو أبدا لكل من هتف بسقوط حكم العسكر. وإن طال به الزمن في السلطة، فسوف يدفع كل من هتف بذلك الثمن، وإن تقربوا له بالنوافل وهرولوا إليه محلقين ومقصرين!.
والسيسي لا يقبل من لديه أي وعي سياسي، أو وجهة نظر، ليكون من رجاله ومن فريق حكمه، الذين ربما يحتاجهم للقيام ببعض أعمال الخدم، أو عساكر المراسلة إلى حين!.
ولهذا نقرأ مقالات تبدو من مختلفين معه، لكنها في الواقع من متصارعين عليه!
يطالبونه بحسم خياراته، ويظنون أنه عندما يفعلها سيصبحون هم خياراته وينتقدون تغييبه للسياسة ظنا منهم أنها عندما تحضر فلن يجد غيرهم أحق بالتقريب، ولا يعلمون أنه حسم هذه الخيارات واختار أحمد موسى وتوفيق عكاشة وحياة الدرديري.
أما تغييبه للسياسة، فلأنه لا يفهم فيها، ولهذا فكل الذين هم حوله أقرب للموظفين، وعلى ذات القواعد التي اختار على أساسها جمال مبارك رجاله، ولا يبدو لدى السيسي أي استعداد لأن يمنح أحدا شرف أن يكون معارضا له، ومن جرب كان مصيره السجن، مثل علاء عبد الفتاح ورفاقه!.
لم يكن علاء الأسواني "مغمى عليه"، وقد فاق الآن، لكنه كان من الذين فوجئوا بخروجهم من "المولد بلا حمص"، فحتى الحضور في المشهد، في حدوده الدنيا ليس مسموحا به، ولأنه لا يستطع أن ينتقد لجأ للكتابة بالرموز، عن الشقة، والمؤجر، وعقد الإيجار، والشرطي!.
غدا يكتب على قواعد "كليلة ودمنة"؛ قال الحمار، فرد عليه الأسد، فصاح الديك وهو يسمع عواء الكلب!.
وقد لا يغني حذر من قدر، فيستدعي علاء الأسواني في كتاباته الرمزية "الشيتلاند" فيضيع في "شربة ماء"!.
يا لها من نهاية بائسة!
[email protected]