كتاب عربي 21

تصريحاته!

شريف أيمن
1300x600
1300x600
بداية لابد أن أقر أنني ظننت الإعداد للمقال سيحتاج لشهر على الأقل، لكن سيادته فاجأني بسيل تصريحات -سقط مني بعضها لكثرتها- فلم يستغرق الجمع أكثر من عشرة أيام وثلاثة لقاءات، ليتبدّى جانب آخر من جوانب إبداعات سيادته وإلهاماته الفياضة المتدفقة التي عجزت حتى الأقلام عن متابعتها وملاحقتها.

(1)

البدء كان مع اجتماع سيادته بما يسمى بـ "القوى السياسية" فخرجت مجموعة تصريحات في ذلك اليوم الخميس 28 مايو.

• هالة شكر الله "رئيسة حزب الدستور": سألتُه عن موقف حكومته من مواجهة الفساد وإصلاح الجهاز الحكومي فاكتفى بالتعليق قائلا: "مواجهة الفساد تحتاج لوقت أطول".

الغريب أن الدعاية التي قام بها سيادته أثناء الترويج له كمنقذ للبلاد والعباد من شر الفاشية الدينية والاستبداد اللذيْن أزاحهما، أنه سينهي الأزمات ليجد الشعب "من يحنو عليه" بعد سنوات من الانقسام والعبث بمقدرات الأمة، فهل إخلافه للوعد يقدح في شرعيته بعدما بانت عدم قدرته على إيجاد الحل، وحتى عند الحديث عن الإصلاح لم يضع أجلًا له ليتم تقييم وجود نجاح فضلا عن قياس مداه، بل اكتفى سيادته كالعادة بالمراوغة وعدم إعطاء كلمة تمْكن محاسبته بها.

• وقالت شكر الله عن سؤالها له المتعلق بممارسات الشرطة، هز رأسه قائلا: "لا يصلح الشرطة إلا الشرطة نفسها".

والحق أن الإجابة كانت مبهرة باعتبارها صادرة عن أكبر رأس فيما يقال عنها دولة، فبخلاف اعترافه بأن بها فسادا؛ لأن الإصلاح لا يكون لمن استقام حاله، ويبدو أن سيادته يراها معوجة فاسدة تحتاج لتقويم، وكذلك أن أعلى الهرم التنفيذي لا يقدر على إصلاح أحد أهم الأجهزة على الإطلاق؛ إذ به عماد الأمن بما يستصحبه من اقتصاد واجتماع وبقاء البنيان بأي وطن، وإذا كان فاشلا يهز رأسه عجزا ولا يقدر على السيطرة على إحدى المؤسسات فضلا عن أهمها فليرْحل.

• في نفس اللقاء نقل عنه الفضالي -الذي كان متهما بموقعة الجمل- قوله: "أنا مش رئيس جمهورية، أنا مواطن مصري استدعيت لمهمة إنقاذ هذا البلد".

لا أعلم إلى متى سيتم التنصل من المسؤولية بذلك التبرير الذي لا يحتاج لتعليق أكثر من ذلك.

(2)

في افتتاح الترسانة البحرية عقد سيادته لقاء وذلك يوم الأحد 31 مايو.

• "كل مواطن لازم (يهابر) وينحت في الصخر علشان تقوم البلد".

الجدير بالذكر أن جريدة الوطن لم تترك المعنى ملْغزا، بل قامت بالاتصال بأحد اللغويين ليشرح مفردات سيادته العميقة.

• "غير مقبول أن يكون هناك مسؤول خائف.. لو الموضوع وصل إلى درجة السجن، مش ممكن كلنا هندخل السجن".

سيادته ههنا لا يتحدث عن حماية المسؤولين الذين يقومون بواجبهم، بل يبشرهم بأن بعضهم سيدخل السجن، ويستلزم كلامه أن هناك سقفا لمواجهة الفساد، وسيتم التعامل مع بعض القضايا المحدودة، لذرّ الرماد في العيون، لكن من تسوّل له نفسه تجاوز الحدود سيُلقى في السجن.

(3)

أما الإبداع الأكبر فكان في رحلة ألمانيا الخميس 4 يونيو.

• مصر لن تتقدم إلا بالتخلص من هيكل الدعم المشوّه الحالي وإعادة هيكلته، حتى لا يتضرر محدود الدخل، وفي الوقت ذاته لا يستفيد الأغنياء فقط "عشان كده منبقاش ناس كويسين". (لا تعليق)

• مصر حلّت مشكلة الغاز المسال بنسبة 60% بإنشاء محطة محمولة على سفينة "في مكان ما".
هل سبب عدم الإعلان عن المكان لأجل "الأشرار" الذين يتربصون بنا، أم لعدم المساءلة المالية؟

• "البنت الي أهلها بيجيبولها واحد يوروهاله عشان يخطبها بتكون متضايقة".

أحيانا تكون التعبيرات العامية أنسب من الفصحى في مثل تلك المواقف.

• "الاحتياطي النقدي في ألمانيا 3 تريليون يورو، أنا قلت لهم هاتولنا 1% بس طيب".

لا يزال سيادته يتحدث بلغة الشحاتة "المُنْكرة على سلفه"، ويبدو أن الأموال التي مثل "الرز" لا تحفظ للمنصب ولا الوطن كرامة أمام عديمي الثبات والانضباط الانفعالي.

• "أي حد تاني متشيلوش همه.. سيبولي أنا الهم ده".

هذا التصريح أحد مسببات البكاء تأثرا بتلك العواطف والفداء، اللذان يزعمهما لنا رجل رفع أجور المؤسسات الأمنية، وحصّن القضائية، ليريح باله من همّ المقهورين أمنيا واقتصاديا، في الحقيقة نحن نحمل همّ بقائك أنت.

• "البلد دي كانت خلاص في قمة التردي بتاعها، كانت هي على الحرف، وحد راح زاققها وهي نازلة تقع حد راح ماسكها قالها استني" أجابت إحدى الحاضرات: "أنت" أجاب: "لأ.. ربنا الي عايز كده، الكلام دا مش هيسعدني".

في الوقت الذي رفض الثناء منها سيقول الجملة التالية، لكن قبلها تجدر الإشارة إلى أن الزعم بأن وجوده من عند الله سيكون أحد أسباب الإلحاد.

• بعدما رفض المدح السابق قال: "ربنا لم يرد لمصر أن تسقط، وفضلت بفضل الله ماسكة نفسها، مصر لسه في الأرض، وربنا خلقني طبيب أوصف الحالة، هو خلقني كده أعرف الحقيقة وأشوفها، اسمعوها مني لإن هم حتى دلوقتي.. كل الدنيا بيقولك إيه.. لأ اسمعوه. مين الدنيا؟ خبراء المخابرات والسياسيين والإعلاميين وكبار الفلاسفة لو حبيتوا، بقوا ابتدوا يفهموا إن الكلام الي إحنا بنقوله إنه كلام نقي وشريف وأمين ومخلص، مفيش منه هدف غير المصلحة حتى ولو كانت مصلحة إنسانية مش وطنية فقط".

تلك "الأنا" وانعدام الترابط في التركيب، يجعلان كذلك التعبيرات العامية أوفى بالإجابة من غيرها.
التعليقات (0)