"الغارديان" تلاحق قوارب الموت من الصحراء إلى عرض البحر

يقول أحد المهربين الليبيين إنه يقوم بتسيير قوارب الموت نحو الشواطئ الأوروبية، من أجل الحصول على حقوق الأمازيغ في ليبيا.  

جاء ذلك في تقرير أعده مراسل صحيفة "الغارديان" باتريك كينغزلي، الذي سافر إلى مدينة زوارة الليبية، حيث التقى فيها بمن يعتقد أنه واحد من كبار مهربي البشر عبر البحر الأبيض المتوسط في ليبيا.

ويقول الكاتب إن المهرب، ويدعى "الحاج"، سخر من خطط الاتحاد الأوروبي لإطلاق حملة عسكرية ضد المهربين، ودعا الاتحاد بدلا من ذلك إلى تقديم المزيد من الدعم للأقليات المهمَشة في ليبيا.

ويضيف كينغزلي أن "الحاج" ينظم نصف الرحلات للمهاجرين من زوارة، وفقا لمزاعم رفاقه، وتساءل كيف ستتمكَن القوات البحرية الأوروبية من قطع الطريق أمام شبكات التهريب المترامية الأطراف، والممتدَة في عدة بلدان في شمال إفريقيا. وقال: "لا أشعر بالخوف، إن هذا يحدث منذ سنوات، التهديد والوعيد، ماذا سيفعلون، يضعون مدمرتين هناك أو بوارج حربية، وهذا يعني الغزو".

ويشير التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، إلى أن الحاج ورفاقه يشعرون بالفرحة بدلا من الخوف، كما يقول، ويتخيلون صورة عمل عسكري ضد عملية تهريب البشر، وهي التجارة التي ترتبط بأكثر من محطة في معظم شمال إفريقيا، وهي تجارة لم تعد تعتمد فقط على مجموعة من الأفراد غير المجربين، ولكنها بفضل الثورة الليبية عام 2011 تطورت إلى شبكة متداخلة. 

وتنقل الصحيفة عن رفيق للحاج تساؤله: "من وأين سيكون الهدف؟، فلا يوجد هناك شخص مكتوب على صدره اسم مهرب، وأي شخض لا يملك المال يمكنه بيع شقته وشراء قارب وتنظيم حملة تهريب، وبحلول موعد الرحلة الثانية تكون قد استرجعت ثمن شقتك، إنها عملية سهلة".

طرق متعددة

ويقول كينغزلي إن الحاج ظل ولعقود زعيم التهريب؛ نظرا لمخاطر العملية، لكن القادمين الجدد بدأوا ينافسونه في الأسعار وبالقوارب ذاتها. ويقول: "قبل كان كل شيء يعد مخاطرة، ولكن الآن أصبح التهريب سوقا مفتوحة، وهناك الكثير من الأشخاص يقدمون الخدمة ذاتها". وحتى يحصل المهاجرون على الخدمة عليهم الوصول إلى ليبيا.

ويستدرك التقرير بأنه ليس هناك طريق واحد للوصول إلى ليبيا، وفي الحقيقة هناك عدد لا نهائي من الطرق، وكل رحلة يقطع فيها المهاجر آلاف الأميال ويمر عبر عدة دول. 

وتنقل الصحيفة عن مسؤول وكالة اللاجئين في ليبيا سامر حدادين، قوله: "تأمل في ليبيا، إنها بلد له بحران، فهناك البحر المتوسط، ولكن في الجنوب الليبي هناك بحر الصحراء، وهناك أشخاص يأتون من الجنوب من النيجر أو السودان وهذه الرحلة محفوفة بالمخاطر". 

ويلفت التقرير إلى أنه بالنسبة للسوريين، الذين يشكلون الجزء الأكبر من الذين يحاولون عبور المتوسط العام الماضي، فإنهم ربما هربوا عبر الأردن إلى مصر، ومن ثم جنوبا إلى السودان، قبل الرحلة مرة أخرى شمالا. أما الأريتريون، الذين يمثلون ثاني أكبر مجموعة مهاجرة، فيقطعون الرحلة عبر السودان، حيث يكونون عرضة للاختطاف. وبالنسبة للقادمين من غرب إفريقيا، وبينهم النيجريون والغانيون والسنغاليون والماليون، فإنهم يتنقلون أحيانا بين أكثر من مهرب.

ويجد الكاتب أن على الجميع عبور الصحراء، مع أن الكثيرين يموتون في الطريق. وفي كل مرحلة من مراحل الطريق يعيش المهاجرون تحت رحمة المهربين، فالاختطاف للحصول على فدية أو من أجل العمل بالسخرة أمر عادي. وهناك قصص كثيرة عن تخلي المهربين عن زبائنهم، وتركهم يموتون في كثبان الرمال، أو عن مهاجرين ماتوا من العطش. 

وتنقل "الغارديان" عن محمد عبدالله (21 عاما) من دارفور، قوله: "لقد عانينا الكثير في الصحراء". وعندما وصل عبدالله إلى ليبيا اعتقل باعتباره مهاجرا غير شرعي، ويضيف: "مات الكثيرون في الصحراء، شقيقي وابن عمي وأصدقائي أيضا، فقط أنا وابن أخي نجونا".

كلفة الرحلة

وعن كلفة الرحلة، يقول كينغزلي إن البعض يدفع للوصول إلى شاطئ ليبيا المبلغ كاملا، فباين كيفليمكال، وهي ممرضة عمرها 30 عاما من أريتريا، دفعت سبعة آلاف دولار، حيث سافرت عبر السودان على متن شاحنات. وهناك من يدفع عن كل مرحلة، مثل فاطمة باغار من مالي، التي أنقذها خفر السواحل الليبيون الشهر الماضي، وقالت إنها قضت عاما في الجزائر قبل السفر إلى ليبيا.

ويبين التقرير أن من يحمل معه مالا يمكنه ترك الشواطئ الليبية في أقرب وقت، وهناك الكثيرون يضطرون للبقاء من أجل دفع ديونهم للمهربين، أو للعمل من أجل توفير كلفة الرحلة البحرية. وفي المدن الليبية الساحلية يتجمع المهاجرون في زوايا الشوارع، ينتظرون من يستأجرهم لعمل يومي.

وتذكر الصحيفة أن سيئي الحظ من المهاجرين  هم الذين يتعرضون للاختطاف من المهربين، أو حتى رجال الأعمال المحليين. ويزعم الحاج أنه لا يقوم بأعمال كهذه، ولكن من يقوم بها يحتفظ بالمهاجرين في مخازن، أو يعاملونهم على أنهم عمال سخرة حتى يدفعوا الديون المستحقة عليهم. وقد تم اختطاف مصممة نيجيرية اسمها جينفر كولينز في الوقت الذي كان يعمل فيه زوجها في محل غسيل السيارات حتى يدفع للمهربين المال. وتقول: "لم أترك البيت لمدة ستة أشهر".

ماذا يحدث للمهاجر عندما يدفع المبالغ المطلوبة منه كلها؟

يجيب الكاتب أنه من الصعب تحديد ما يحدث، فكل مهرب يرغب بتقديم نفسه بأنه رحيم وأساليبه إنسانية. وفي الوقت نفسه فإنه يعرف أصول مهنته، ويختلف المهربون حول الأساليب وكلفتها. وفي لقاءات متفرقة مع الحاج وأحمد، وهو الرجل الثاني في عملية تهريب أخرى، قدم كل منهما روايات متناقضة حول نقل المهاجرين إلى البحر، فالحاج يستخدم في نقل ركابه سفن صيد خشبية وقوارب مطاطية من نوع زودياك التي يمكن نفخها بالهواء. ويقول إن قوارب زودياك هي الوسيلة الأكثر أمنا للنقل. ويقول إن عائلة سورية دفعت مئة ألف دولار للوصول إلى إيطاليا، وأعطاها قارب زودياك خاصا لها.

وفي المقابل يقول أحمد، وهو اسم مستعار، إنه لا يستخدم في العادة القوارب المطاطية، إلا في حالة نقل المهاجرين من الشاطئ إلى السفن، ويضيف أنه "من الصعب الوصول إلى الجهة المقصودة باستخدام زودياك".

السوريون يدفعون أكثر ويشترطون

ويستدرك التقرير بأن الوسائل المستخدمة للوصول إلى وسط البحر هي ذاتها. فالمسافرون الراغبون بالسفر يتصلون بالحاج أو أحمد، أو واحد من مساعديهما. ويقومون بالاتصال المباشر بأنفسهم، وفي بعض الأحيان عبر وسطاء من بلدانهم الأصلية. ويستوفي أحمد من الوسطاء مبلغا معينا حوالي 250 دولارا للرحلة. ولكن الاتفاق دائما واحد، حيث يتم الاتفاق على تكلفة الرحلة، ويدفع نصف الأجر قبل بداية الرحلة. ويقول الحاج إن المبلغ الذي تدفعه يعتمد على من تكون، فالمهاجرون من دول الساحل الإفريقي لا يتوقع منهم دفع أكثر من 800  إلى ألف دولار أمريكي. أما المهاجر السوري فيدفع 2500 دولار، أما المغربي فليس أكثر من 1500 يورو. 

ويذكر كينغزلي أنه لأن السوق مكتف، فإن الأسعار تظل قليلة، ولهذا يحاول المهربون حشد أكبر عدد ممكن من المهاجرين في القارب، حتى يعوضوا انخفاض أسعار الرحلة. ولهذا فكثرة الكوارث التي حصلت هذا العام في البحر جاءت بسبب انخفاض سعر الكرسي على القارب. ويقول الحاج "هذا أمر سخيف، فقارب سعته 17 مترا يتسع لثلاثمئة مسافر على الأكثر، لكن المهربين يرسلون قوارب محملة بـ 350، 700 أو 800 راكب. ويتم تحميلها فوق سعتها بسبب انخفاض سعر الراكب".

وينقل الكاتب عن الحاج قوله إن السوريين عادة ما يكون معهم مبالغ من المال أكثر من غيرهم، ويدفعون مبالغ كبيرة للسفر في قوارب عليها عدد معقول من المسافرين، ويضيف: "يسأل السوريون كم عدد الركاب وأخبرهم، وعندها يقولون ندفع لك هذا المبلغ بشرط ألا تزيد عددا جديدا من الركاب، ولهذا يدفعون نسبة 20% مبلغا إضافيا، أما الأفارقة فلا يطلبون ضمانات؛ بسبب عدم وجود مال معهم". 

وينوه التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الحاج وأحمد لم يقدما معلومات معقولة حول أرباحهما. ويقولان إن هذا يعتمد على عدد من العوامل ومنها حجم القوارب التي يستخدمانها، وعدد من يحشدان عليها وجنسياتهم. ورغم كل هذا فإن المبالغ التي يحصلان عليها ليست كبيرة. 

وتشير الصحيفة إلى أن أحمد يقدر أرباح مجموعته بحوالي 50 ألف دينار ليبي "24.300 جنيه استرليني" للرحلة. وفي الأسبوع الذي يسيرون فيه 20 رحلة يحصلون على 500 ألف جنيه استرليني. 

ويجد الكاتب أنه نظريا يجب أن تكون الأرباح أعلى؛ لأن ما يحصلون عليه في الرحلة هو 600 ألف دينار ليبي "292 ألف جنيه استرليني"، خاصة أن ثمن السفينة لا يتعدى 150 ألف دينار ليبي. 

ويزعم الحاج أنه يحصل على أرباح تقدر بـ 22 ألف دينار ليبي "10700 جنيه استرليني" للرحلة، وكل ما يجمعه في العام لا يتجاوز 66 ألف جنيه استرليني. وهو مبلغ مثير للسخرية إن أخذنا بعين الاعتبار الرحلات التي تنظم في الفترة ذاتها، وفق التقرير.

ويصف المهربان للصحيفة كيف يجمعان المسافرين ويتصلان أولا بهم. ويقول أحمد، الذي كان يعمل تقنيا في صناعة النفط: "يطلب منهم التجمع في نقطة معينة، ومن ثم تنقلهم حافلة إلى بيت آمن، ويتم جمع الهواتف النقالة كلها منهم، ولا يحضرون معهم حقائب، ويقدم لهم الطعام والماء، ويسمح لهم باستخدام الحمامات حتى تحين ساعة بداية الرحلة". 

ويكشف التقرير عن أن قصصا مروعة رواها المهاجرون حول معاملة المهربين لهم في هذه النقاط، حيث كانوا يتعرضون للضرب مقابل الحصول على مبالغ إضافية.

قصة شادي

يروي الكاتب قصة شادي (34 عاما)، وهو تاجر ملابس، وقد وصل من سوريا إلى ليبيا عبر الجزائر، وبقي في بيت آمن لمدة أربعة أشهر. ومع أنه لم يتعرض للتعذيب، إلا أنه حشر مع آخرين في مكان قريب من زوارة. وقال: "أربعة أشهر قضيناها هناك، هل تعرف طعم الموت؟. فقد قالوا لنا أكثر من مرة إننا سنغادر ولم نفعل، وفي مرة وصلنا إلى القارب ثم قيل لنا لم يتبق مكان". ولم يخرج شادي من المكان إلا قبل أسبوع، حيث وصل إيطاليا بعد أيام.

ويذهب التقرير إلى أن الحاج اعترف أن امرأة سورية اغتصبت في واحد من مخازنه على يد المشرف عليه، وبعيدا عن تلك الجريمة، فإنه يؤكد أن زبائنه تتم معاملتهم بطريقة حسنة. وأكد أن التعذيب لم يحدث في أماكن تجميع المهاجرين، ويقول: "القواعد الأخلاقية تقول إن هؤلاء يجلبون لك المال الكثير، ولهذا يجب ألا تعاملهم بهذه الطريقة"، ويشير الكاتب إلى أنه بسبب عدم السماح لأحد بزيارة مواقع تجميع المهاجرين فمن الصعب التأكد من كلامه.

القوارب

توضح الصحيفة أن معظم القوارب المطاطية تم نهبها من مخازن النظام السابق، أما القوارب الخشبية فيتم الحصول عليها من الصيادين المحليين. ويبلغ سعر القارب المطاطي "زودياك" حوالي 11 ألف دينار ليبي، وهو أقل من سعر القوارب الخشبية، التي تعد أغلى، وكان النظام في السابق يعطي الصيادين قروضا لشراء قوارب صيد، أما الآن فلا توجد قروض، وهو ما أدى إلى ندرة القوارب وزيادة الأسعار. 

وينقل التقرير عن الحاج قوله إن القوارب متوفرة، لكن على المهرب شراؤها من الصيادين الذين يرفضون التورط مع المهربين، ولكن عندما يتم عرض أسعار مغرية، مثلا 160 ألف دينار، وليس 80 ألف دينار عندها يوافق الصياد.

الوصول إلى البحر

ويقول الحاج وأحمد إن نقل القوارب من الميناء إلى البحر يعد عملية حساسة. ويطلب أحمد من صاحب القارب الإبلاغ عن فقدان قاربه مع أنه لا يزال راسيا على الميناء. وبعدها يقوم بمحو اسمه حتى لا يتم تتبع مصدره، ويقوم برشوة خفر السواحل بمبلغ ألفي دينار عندما يقوم رجاله بنقل القارب إلى البحر، بحسب الصحيفة. 

ويقول أحمد للصحيفة: "في هذا الوقت خفر السواحل ضعفاء، ولا يحصلون على ما يكفي من المال، ولهذا لا يرفضون أي شيء". ويزعم الحاج أنه يدفع 25 ألف دينار لنفقات كهذه، ربما لأنه يعمل في موانئ متعددة، أو لأن طريقته أكثر جرأة، فهو لا يهتم بالإعلان عن فقدان القارب، ويحصل رجاله على إذن رحلة صيد مدتها ثلاثة أيام ولا يعودون، وبدلا من ذلك يرمون مرساة القارب في مكان آمن من البحر.

ويتابع التقرير بأن المهاجرين بعدها يخرجون تحت غطاء الليل من مخابئهم الآمنة، ويركبون في القوارب المطاطية. وفي زوارة معظم البيوت الآمنة هي مخازن أو أكواخ صغيرة، وبعضها بيوت غير مكتملة، ولكنها قريبة من الشاطئ. 

ويقول شادي للصحيفة إنه بقي في غرفة صغيرة مع 45 رجلا وخمس نساء و12 ولدا. ويضيف أنه عندما حان الرحيل "قالوا إننا سنخوض في المياه إلى ما فوق ركبنا، لكن عندما وصلنا إلى القارب المطاطي كان الماء قد وصل إلى أفواهنا. وكانت الساعة الواحدة صباحا وقد ابتللنا بالماء". 

ويفيد التقرير بأنه بعد رحلة قصيرة وصلوا إلى قارب خشبي، وعندها قدمت لهم هواتف نقالة بها نظام تحديد مواقع وستر نجاة. وبعدها طلب منهم الجلوس كل في مكانه. وقد يزعم الحاج إنه يحمل عددا معقولا من الركاب، إلا أنه يؤكد أن طريقة جلوسهم مهمة. 

وتورد الصحيفة قول الحاج: "نطلب عدم التحرك كثيرا، وإن أرادوا التحرك نقول لهم قفوا ومن ثم اجلسوا، فلو بدأ واحد أو اثنان بالتحرك وحاول آخرون فعل الأمر ذاته فإن القارب سيغرق". لكن شادي يقول إن هناك عوامل أخرى قد تؤدي إلى مشاكل وكوارث، وكلها من أخطاء المهربين. وعادة ما يكون طاقم القارب ليس من المهربين، لكن غرق 800 مهاجر الأسبوع الماضي كان تطورا مهما، مما يعني أنه ربما تم تشغيل بعض المهاجرين لقيادة القارب. 

ويلفت التقرير إلى أنه في القوارب المطاطية عادة ما يكون الكابتن من المهاجرين، الذي قدمت له معلومات بدائية حول كيفية قيادة وتحريك مقود القارب، وأما في القوارب الخشبية فيجب أن تكون لدى الكابتن ومساعده معلومات أولية في الملاحة البحرية. وأحيانا يكون هناك صيادون من تونس ومصر راغبين بالسفر إلى أوروبا. ولكن المهربين عادة ما يعثرون بين المهاجرين على من يعرف إدارة القارب. ولأن الكابتن يسافر مجانا فعادة ما يبالغ من خبرته، وهو ما يقود إلى كوارث. 

وتنقل "الغارديان" عن المهرب السابق أمدياز أمينوز قوله إن بعضهم لديه معرفة بالقيادة وينجح في الامتحان، إلا أن خبرته القليلة لا تجعله قادرا على مواجهة المخاطر الكبيرة. ويقول الحاج وأحمد إن الهدف هو قيام حرس السواحل الإيطاليين بإنقاذ القوارب. 

ويذكر كينغزلي أن البحارة يوجهون القارب نحو حقل نفط في جزيرة لامبوديزا، حيث يمكن للعاملين مشاهدة القارب وإخبار حرس السواحل. لكن المهربين لم يعرفا أن عملية الإنقاذ مير نوستروم قد توقفت العام الماضي. ويعرف الحاج عن العملية، لكنه لا يعرف أنها توقفت، أما أحمد فلم يتعرف على الاسم، ويقول: "لم أسمع به من قبل"، وعندما أخبر عنها، قال إن الكثير من الناس يركبون البحر حتى ولو لم يكن هناك من ينقذهم.

البحث عن خيار آمن

ويتطرق التقرير إلى قول الحاج إن القوارب التي لا تغرق تترك في البحر بعد تفريغ حمولتها، مما يعطيه وغيره من المهربين فرصة البحث عنها وجرها إلى زوارة، حيث يتم إصلاحها. ويتساءل: "لماذا يتركون القوارب سليمة؟، إنهم يقدمون لنا المساعدة؛ لأن كل ما علينا فعله هو البحث عنها في البحر ونقلها إلى البر". 

ويقول الكاتب إنه بعيدا عن تدمير القوارب، فإن الحديث مع المهربين وخفر السواحل واللاجئين، يقود إلى الحديث عن ضرورة بناء استراتيجيات طويلة الأمد لوقف حركة التهريب عبر المتوسط. فالرسالة من اللاجئين واضحة، ومفادها أوجدوا لنا حلا آمنا، فهؤلاء الهاربون من الديكتاتوريات والحروب يواجهون الاستغلال في ليبيا، فخوض البحر هو الخيار الأقل سوءا بالنسبة لهم. 

وتنقل الصحيفة عن كيفلميكال من أرتيريا قولها: "ليس خيارنا عبور البحر. ولو حصلنا على مساعدة من الحكومة الليبية أو مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لجربنا طرقا أخرى، ولكن إن لم تساعدنا الحكومة أو الأمم المتحدة أو أي شخص، فالخيار هو الذهاب للمهربين".

ويرى كينغزلي أن عودة الاستقرار إلى ليبيا ضرورية لمنع التهريب، فالبلاد مقسمة اليوم بين حكومتين متنافستين وعدد لا يحصى من الميليشيات. وفي منطقة زوارة يفتقد خفر السواحل للإمكانيات التي تساعدهم على منع التهريب، ولم يحصل خفر السواحل على رواتبهم منذ أشهر.

ويورد التقرير قول مصطفى وهو من خفر السواحل: "لو أراد الاتحاد الأوروبي وقف التهريب من زوارة عليه تقديم الوسائل لنا"، حيث زعم أن ملايين الدولارات، التي خصصت لتطوير الميناء، لم تصل بعدما أرسلت مباشرة إلى الحكومة المركزية في طرابلس، ويضيف: "نحن بحاجة إلى أدوات جادة من قوارب وقوة خفر سواحل جيدة وقوة لتدريبها، لا تقدموا الدعم لطرابلس بل لزوارة". 

وتبين الصحيفة أن سكان زوارة يطالبون ببدائل اقتصادية، ففرص العمل نادرة، خاصة للمدينة التي يسكن فيها الأمازيغ. ويقول الحاج إنه تحول للتهريب؛ لأنه لم يكن قادرا على العمل محاميا. وفي الوقت الذي احتج فيه السكان على تجارة التهريب، التي جلبت سمعة سيئة لمدينتهم، إلا أن الكثيرين يغضون الطرف؛ لأن المال الذي تدره هذه التجارة يصل إليهم. 

وينقل الكاتب عن أحد السكان المحليين قوله: "نحن نعلم أنها مهنة قاسية والبحر غدار، وغرق القوارب ممكن، ولكن علينا أن نغض الطرف؛ لأن الناس ينتفعون ماليا هنا، ولا توجد فرص عمل". 

ويفيد التقرير بأن هناك من يدعو إلى الاعتراف بالثقافة الأمازيغية، ما قد يوقف التهريب، فبعد سقوط نظام القذافي عام 2011، كان هناك لدى الأمازيغ أمل بدور في ليبيا الجديدة، إلا أن القليل قد تغير. وفي لقاءات متعددة يقول الكثيرون إن زيادة التهريب هو رد الأمازيغ على تجاهلهم. فيما يقول آخرون إنه يجب عدم استخدام قضية الأمازيغ لتبرير جريمة تهريب.

ويذكر كينغزلي أن الحاج يقول إن كلا القضيتين مرتبطتان "فالمهربون الذين يعملون من أجل تحقيق المال حتى في زوارة، ولكن هناك من يعمل من أجل وضع الضغوط عليكم، أي الأوروبيين". 

وتخلص "الغارديان" إلى أنه سواء كان هذا صحيحا أم خاطئا، فبالنسبة لأحمد فإن الاعتراف بالأمازيغ لن يحل مشكلة التهريب، ويقول: "إنها لن تتوقف، ببساطة لن تتوقف، فالحدود في الجنوب مفتوحة، مما يعني أن الشهية تظل موجودة للعمل".