إن أفضل ما يمكن أن يوصف فيه حال المسلمين في
فرنسا بأنهم بين مطرقة التطرف وسندان التمييز العنصري، وهما قوتان تغذيان بعضهما البعض، وترفد الواحدة الأخرى. ويمثلان قوة مضادة للملايين الذين خرجوا بعد هجمات كانون الأول/ يناير في باريس.
ويرى تقرير كتبه غريف وايت في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن معاداة المسلمين "
الإسلاموفوبيا" تصاعدت في معظم أنحاء فرنسا، فيما ينمو التطرف خارج المدن وفي الأحياء، حيث يعيش شبان عاطلون عن العمل، ووجدوا عزاء في الجهاد.
وتنقل الصحيفة عن مدير مركز المراقبة الوطنية ضد الإسلاموفوبيا عبدالله زكري، قوله: "إن
العنصرية موجودة بشكل دائم ضد المهاجرين، ولكن التطرف على كلا الجانبين، ويقوم كل واحد منهما باستخدام الأجواء من أجل خلق عداء دائم بين المجتمعات".
ويذكر زكري أن شهر كانون الثاني/ يناير شهد 214 حادثا منفصلا ضد المسلمين، وهو أكبر مما وثقه المركز خلال عام 2014. وتشمل الهجمات الضرب والتهديد بمحو المسلمين من فرنسا، ورمي رؤوس خنازير أمام بوابات المساجد، بحسب الصحيفة.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من أن حد الهجمات قد تراجع الشهر الماضي، بعد أن قامت الشرطة بتوفير الحماية للأماكن الإسلامية، إلا أن المواقف المعادية للإسلام لا تزال شائعة في فرنسا، وتبين أن نسبة 27% من الفرنسيين تحمل مواقف غير محبذة من المسلمين، بحسب استطلاع مركز "بيو"، وهي نسبة تزيد ثلاثة أضعاف عن تلك التي قالت إن لديها مواقف سلبية من اليهود.
ويبين الكاتب أنه في الوقت الذي زاد فيه عدد اليهود الذين يفكرون بمغادرة فرنسا للتوجه إلى إسرائيل؛ بسبب الهجوم على المتجر اليهودي في باريس، إلا أنه لا يوجد أحد من مسلمي فرنسا يفكر بالمغادرة.
وتجد الصحيفة أن شعور المسلمين الفرنسيين، ومعظمهم من شمال أفريقيا، بالعزلة والتهميش لا يمكن إنكاره أو تجاهله، مع زيادة الشكاوى من مظاهر التمييز التي يلقونها في مراكز العمل، وملاحقة الشرطة لهم، وهجوم الإعلام والساسة عليهم.
وينقل التقرير عن نجم حكيم (25 عاما)، وهو مهاجر من الجزائر، قوله: "هناك عنصرية متزايدة في فرنسا وبشكل يومي، افتح التلفاز وكل ما تراه هو دعاية سيئة عن المسلمين". وقد نشأ حكيم في المناطق المحيطة بحي فينسين في باريس. وعلى خلاف هذا المكان المليء بالمتنزهات والشوارع المشجرة والمقاهي، فما يحيط بحكيم مناطق خاوية وبنايات أسمنتية وشبان مثله يكافحون للحصول على عمل في ظل اقتصاد خامل.
وتوضح الصحيفة أن كونه مسلما يزيد من مصاعب الحياة، ويقول حكيم: "بعد العمل إن خرجت مع أحد الزملاء، وقلت إنك لا تشرب الخمر أو تأكل الخنزير، يقول الناس: (لا نحب هذا الرجل)".
ويشير التقرير إلى أن "حكيم" درس المصادر البشرية في الكلية، ولم يعثر إلا على عمل بعقود قصيرة منذ تخرجه من الكلية. وفي غياب البديل عن الوظيفة يتحول الشبان إلى الجريمة، ويقول حكيم: "إن لم تتعاط المخدرات، فلن تجد ما تأكله".
وتذكر الصحيفة أنه في الفترة الأخيرة أصبحت النشاطات الإجرامية طريقا لأعمال أكثر خطورة، كما في هجمات باريس وكوبنهاغن، التي يقف وراءها الدين، مع أن المهاجمين لم يكونوا معروفين بتدينهم أكثر من شهرتهم في النشاطات الإجرامية ومخالفة القانون. وكل من تأثر بالتشدد الإسلامي ينطبق عليهم الوصف، فمن حيه ذهب ثلاثة إلى سوريا، وهم جزء من 1200 متطوع، وهو الرقم الذي يعد الأعلى في أوروبا.
ويصفهم حكيم بالقول: "إنهم كانوا أشخاصا يتعاطون المخدرات ويشربون الخمر، ولا يعرفون الكثير عن القرآن، وذهب أحدهم إلى سوريا لأن صديقته تخلت عنه، وأصيب بالكآبة، ولم يعرف ماذا سيفعل في حياته، ولهذا ذهب إلى الحرب"، وفق التقرير.
ويلفت التقرير إلى أنه في مسجد قريب داخل الحي، قال الإمام إن الحذر مطلوب حتى يمنع من دخول أشخاص يحاولون إغرء الشباب بالحديث عن الهوية والانتماء عبر التطرف الديني. ويقول الإمام، وهو الأخضر التضاني، الذي هاجر من المغرب إلى فرنسا في السبعينيات من القرن الماضي: "يقولون لهم: (لماذا لا تطلق لحيتك؟ ستبدو أجمل)". ويضيف: "أشعر بالخوف مما يقوم هؤلاء المتطرفون بعمله، مثل أي فرنسي آخر، وهذا ما يحطم قلبي".
ويرى التضاني أن المسجد هو مفتاح الحل، ويمكن من خلاله التصدي للأفكار الخاطئة كلها، التي تنشر عبر الإنترنت، ويروج لها
تنظيم الدولة وأتباعه.
وتفيد الصحيفة بأنه لا يتفق الجميع مع نظرة الإمام، حيث يطالب دعاة اليمين المتطرف باستخدام التطرف وتغذية العداء، ويطالبون بإغلاق المساجد وطرد قادتها، لو تبين أن لديهم ميلا ولو كان بسيطا نحو التشدد.
ويذكر وايت أن الجبهة الوطنية، التي تتزعمها ماري لوبين، حققت المرتبة الثالثة في الانتخابات المحلية، وبسبب استغلال موجة العداء للإسلام، فقد تحولت لوبين من زعيمة حزب هامشي إلى مرشحة محتملة في انتخابات الرئاسة الفرنسية لعام 2017.
ويورد التقرير أن موقف الحزب المتشدد من المهاجرين والمسلمين يعد عاملا مهما في نجاحه. ويقول غايلز بارمينتر من فرع الجبهة الوطنية في فينسين: "ليس كل مسلم إرهابيا، ولكن كل إرهابي هو مسلم".
وتقول الصحيفة إن بارمينتر يدعو إلى تخفيض نسبة المهاجرين، وتشجيع المهاجرين من أصحاب الكفاءات للبقاء في بلدانهم، ويضيف: "الجزائر بحاجة لأطباء، ويجب عليهم تطوير بلدهم".
ويرى وايت أن هذا ليس خيارا بالنسبة لأطباء مثل كريم بنسالم، الطبيب الذي قضى نصف حياته في فرنسا، بعد هروبه من الحرب في بلاده، فقدومه إلى فرنسا ساعده على تحقيق حلمه بالعمل والنجاح، وهو الآن لديه عيادة يشاركه فيها طبيب يهودي وآخر مسيحي.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن بنسالم يرى أن المسلمين في فرنسا محظوظون؛ لأنهم يعيشون في بلد حر يمكنهم فيه ممارسة شعائر دينهم، مستدركا بأن "المشكلة هي العدل، عندما لا يوجد عدل، فرد الفعل يكون سلبيا".