نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسيّة تقريرا على إثر مقتل عنصر من
تنظيم الدولة يعود لأصول فرنسية في تفجير انتحاري في بغداد، حول تزايد إقبال شباب المجتمعات الغربية على اعتناق الإسلام، كتبه أستاذ الاقتصاد كلود سيكار، مؤلف كتابين يتناولان الإسلام في علاقته بالمسيحيّة وبأوروبا.
وقال التّقرير إن السّنوات الأخيرة شهدت اعتناق عدد كبير من شباب المجتمعات الغربيّة للإسلام، و"أمام هذا الواقع لا يملك الغرب إلاّ أن يتساءل حول الأسباب التي دفعتهم للقيام بهذا الاختيار المفاجئ، وغير المفهوم بالنّسبة للمجتمع الغربي، الذي كان يظنّ أنّ حضارته حقّقت منذ القرن الثّامن عشر القطيعة مع التديّن، أو كما يقول الفيلسوف مارسيل غوشي: الخروج من الدّين".
وعن الأسرار التي تؤدّي لهذا الانجذاب، قال كاتب التّقرير إن الإنسان يحتاج لتحفيز نفسه عبر إيجاد مغزى من الحياة، وقيم نبيلة، وأهداف سامية يكافح من أجلها، ويحتاج أيضا للشّعور بأنّ له كرامة ودورا في هذا العالم.
ولكن المشكلة أنّ المجتمعات الحديثة تنحصر اهتماماتها في السّعي وراء الحاجيّات الماديّة للفرد ورغباته الأنانيّة، وبحثه عن السّعادة الشخصيّة، وهذه الأنماط هي ما يسمّيها علماء الأنثروبولوجيا بالمجتمعات الفرديّة والماديّة، وهي تلك التي لا يجد فيها الشّباب فرصة لإشباع حاجاتهم الرّوحانيّة، وفق الصحيفة.
وأضاف التقرير أن هذه المجتمعات تُربّي أبناءها على الدلال والكسل، وليس على النُّبل والبذل. فما الذي يمكن أن يشكّل دافعا لهؤلاء الأفراد ليبذلوا جهدا ليحظوا بتقدير وإعجاب الناس المحيطين بهم؟
وأوضحت الصحيفة أن الناس كانوا في القرون الماضية يكافحون ويضحون بأرواحهم من أجل الدّين والملك، ثمّ من أجل الوطن، عند ظهور الدول بمفهومها المعاصر، ولكن اليوم ليس لأيّ شيء من هذه الأشياء قيمة أو رمزيّة.
وتساءل الكاتب: "هل يمكننا أن نطلب من شبابنا أن يضحوا بحياتهم من أجل الدفاع عن مفاهيم حديثة كالعلمانيّة مثلا؟".
ويقول تقرير الصحيفة إنّ إفلاطون تحدّث في عصره حول حاجة الإنسان للتّقدير، وقدّم في كتابه "الجمهوريّة" ثلاثة عناصر مكوّنة لشخصيّة الإنسان، وهي العقل المفكّر والرّغبة والرّوح التي سمّاها "ثيموس".
وأكّد ماسلوف في كتابه الصادر سنة 1970 "الحافز والشخصيّة" الدّوافع التّي تبعث الأمل والحياة لدى الإنسان وصنّفها إلى خمسة أنواع، أوّلها السّعي لكسب التّقدير وإثبات الجدارة. وأشارت أيضًا عالمة الاجتماع شنتال دلسول لهذا المفهوم في مؤلّفاتها، وقالت إنّ الإنسان مستعدّ للتّضحية بأي شيء من أجل قضيّة يعتبرها تستحقّ التضحية.
وتساءل التقرير لماذا يجد الكثير من شباب الدول الغربية في الدّين الإسلامي إجابةً عمّا يبحثون عنه؟ وأكّد على وجوب فهم أنّ الإسلام هو دين حيّ ومتجدّد يحفّز النّاس ويشجعهم، فهو لا يكتفي بدعوة النّاس إلى التوحيد والعبادة بل يأمرهم بأن ينشروا الدّعوة في كافة أنحاء العالم خدمةً للإنسانيّة جمعاء.
فقد قام النّبي محمّد الذي كان يتمتّع بنظرة استراتيجيّة ذكية بصياغة مبادئ عمل ذكيّة وناجعة مكّنت الإسلام من البقاء عبر القرون والانتشار في كل بلدان العالم.
وأضاف التقرير أن الإسلام يمثّل ديانة يسمّيها علماء الدّين المسلمون "متوازنة"، وهي كذلك بالفعل فهي تعترف بالاحتياجات الغرائزية للإنسان وتنظمها وتضبط لها حدودا وهو أمر تفتقده الدّيانة المسيحيّة.
كما طرح التّقرير موضوع علاقة الإسلام بالعنف، وقال إن الإسلام يقسّم العالم إلى جزئين: دار الإسلام وهي المناطق التّي تعيش فيها اغلبية مسلمة ودار الجهاد وهي المناطق التي لم يعتنق أهلها بعدْ هذا الدّين، وبالتّالي فهي أرض دعوة وجهاد، ويعتقد المسلمون بأنّ الأرض ملك لله وبأنّ مهمّتهم هي إقامة حكم الله على الأرض.
وذكّر التقرير بأنّ النبي محمّد شجّع على الجهاد، وقال لأصحابه إن كلّ من يجاهد في سبيل الحقّ والعدل يفوز في الدنيا والآخرة، وإذا سقط شهيدا يكون مقامه في الجنّة. ولم يقتصر الدين الإسلامي على الجانب العسكري فقد نظّم النبي محمّد المجتمع الإنساني طِبقًا للتّعاليم القرآنيّة التي تنزّلت عليه ونشر الأخوّة والمساواة بين مختلف الشرائح والأعراق وأصبحت الزّكاة فريضة وركنًا من أركان الإسلام الخمسة.
وقال كاتب التقرير إن المسلمين من خلال هذه النّظرة للعالم يعتبرون حضارتهم حضارة أرقى من حضارتنا الغربية. فالحضارة الغربيّة تبدو لهم خاوية لأنّها تقوم على أهداف زائلة، وهي مبنيّة على حبّ المال وليس حب الله. على عكس الحضارة الإسلاميّة التّي تتصف بالمبدئيّة، وتحوز على الاحترام لأنّ الإنسان يعيش فيها لطاعة الله وتعمير الأرض.
وفي هذا الإطار نقل التقرير تصريحات للدّكتور عثمان التويجري مدير المنظّمة الإسلاميّة للتّعليم والعلوم والثّقافة قال فيها: "الحضارة الغربيّة هي حضارة ماديّة، ولذلك هي قاصرة عن فهم مغزى هذا العالم الذي خلقه الله، وهي أيضًا تسبّب اختلالات خطيرة ومشاكل تهدّد بتدمير العالم، ولكنّ الحضارة الإسلاميّة متوازنة فقد نجحت في تقديم فلسفة توفّق بين الرّوح والمادّة، ولذلك هي تمثّل بلا أدنى شكّ حضارة المستقبل".
وخلص التقرير إلى أنّ هذه هي الأسباب التّي تجعل الشّباب الغربي يكتشف فجأةً أنّ الإسلام هو القادر على الإجابة عن كل ما يدور بذهنه من تساؤلات.
وفي النهاية حمّل المقال المفكّرين الغرب مسؤولية تحديد أسباب فقدان الديانة المسيحيّة قدرتها على ملء الفراغ الذّي يعيشه الجيل الجديد في
أوروبا رغم أنّ الكنيسة كانت عبر القرون أساس الحضارة الغربية.
وقال الكاتب إنّ هذا السّؤال يعدّ مفصليًا لتحديد مستقبل العالم الغربي، ولذلك يجب الإجابة عليه لفهم ماهية الافكار والقيم التّي يمكن أن تجعله قادرا على تلبية الحاجيات الروحية والقيميّة التّي يبحث عنها الشّباب الحائر من أجل التوصل لمعنى وجودهم على سطح هذا الكوكب.
للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط
هنا