قضايا وآراء

انهيار نظام البعث: دروس وعبر

موسى زايد
"حقبة الأسد قد انتهت"- جيتي
"حقبة الأسد قد انتهت"- جيتي
عشرة أيام فقط احتاجتها المعارضة السورية المسلحة لكي تبسط سيطرتها على معظم الجغرافيا السورية، بدءا من حلب ثم حماة ثم دمشق ومدن الساحل.

ونستطيع أن نقول؛ إن النظام سقط دون مواجهات عنيفة كانت متوقعة، ولهذا كانت الخسائر البشرية في حدها الأدنى في حلب كما في حماة ودمشق، وهرب عشرات الآلاف من جنود النظام أمام بضعة مئات من قوى فصائل الثورة.

كان الظن أن النظام يجمع قواته ليبدأ هجومه المضاد، ولم يكن متصورا أن يكون الانهيار بهذه السرعة، حيث لا وجه للمقارنة بين قوات النظام وقوات المعارضة من حيث العدد ولا من حيث التسليح.

وحتى اللحظات الأخيرة قبل هروبه، كان بشار يعتقد أن بقاءه مصلحة لجميع القوى في المنطقة باستثناء تركيا، فهو مصلحة روسية بعد أن جعل لها قاعدة بحرية في المتوسط وقاعدة جوية في حميميم، ومن خلال القاعدتين، كانت روسيا تقوم بعملياتها في ليبيا ودول أفريقيا والشرق الأوسط، ومصلحة لإيران يتيح لها التواصل مع حزب الله في لبنان، وعن طريقه تستطيع أن تحجم التهديدات الإسرائيلية.

وكان بشار يعلم أن بقاءه مصلحة إسرائيلية، ولطالما أعلن المسؤولون الصهاينة ذلك، بل وأعلن بشار إبان المرحلة الاولى من ثورات الربيع العربي، أن انهيار نظامه ومجيء نظام إسلامي في سوريا، لن يكون في مصلحة الكيان. وكان متأكدا أن بقاءه مصلحة للأنظمة العربية التي وقف معظم قادتها في قطار التطبيع وقادوا الثورة المضادة، وربطوا بين بقائهم في السلطة وتفانيهم في خدمة الكيان الصهيوني.

ولهذا، ذكرت التقارير أن الأسد ظل متعلقا بالأمل أن تتدخل روسيا وإيران، وربما بعض الأنظمة العربية وتمنع انهياره، حتى قبل هروبه بساعات.

إن دروس هذا الانهيار السريع لواحد من أعتى الأنظمة وأكثرها بطشا، كثيرة وتحتاج إلى الرصد والتحليل من كل من يريد التغيير، ولذكر بعض هذه الدروس باختصار شديد نقول:

الدرس الأول؛ أن أنظمة القمع والبطش والفساد، هي أنظمة ضعيفة لا تستطيع الدفاع عن نفسها مهما تجبرت، وصدق الكذوب بشار الجعفري عندما قال؛ إن النظام سقط باختصار؛ لأنه لم يكن هناك نظام، وإنما منظومة للفساد. وهذا يفسر الهلع الذي أصاب قادة الانقلابات والثورات المضادة في المنطقة.

الثاني؛ أن الحلفاء الخارجيين لهذه الأنظمة، ليس عندهم مشكلة في التخلي عنها إذا صارت عبئا عليهم، أو كانت عقبة أمام مصالحهم.

الثالث: أهمية الدور التركي في معركة رد العدوان، وواضح أن تركيا كانت جزءا منها من البداية، فهي التي قامت بحماية فصائل الثورة في إدلب باتفاقياتها مع روسيا وإيران، وكان مطلوبا منها من خلال هذه الاتفاقيات، محاربة هيئة تحرير الشام ولكنها لم تفعل، بل أنهت الخلافات والنزاعات العسكرية بين الفصائل، التي كانت مستمرة حتى العام الماضي، ثم كان دورها مع روسيا وإيران وإقناعهما بأن حقبة الأسد قد انتهت.

وكان الدور الأهم لتركيا في عملية الخداع الاستراتيجي، وطلب أردوغان اللقاء بالأسد وحل الخلافات بين الدولتين، ومن خلال موقفه من حرب غزة، حيث كان متهما بالتقصير مع طوفان الأقصى ولم يتحرك إلا متأخرا، لكنه فقد دعم جزء من حاضنته الانتخابية الإسلامية في تركيا بسبب ذلك، وفقد بلديتي أنقرة وإسطنبول، كان هو يعمل لما يستطيع أن يحققه استراتيجيا، وهو درس لكل من يعمل في السياسة، أن تقوم بواجبك في حدود ما تملك من أوراق، على أن تعمل لكسب المزيد منها في المستقبل، وأن تُعلي الهدف الاستراتيجي على المؤقت.

كذلك كان دوره مهمّا في كف أذى دول الثورة المضادة، بعد ما وثق علاقاته بها ودخل معها في مشروعات عسكرية، من قبيل تصنيع الأسلحة والمسيّرات.

الرابع؛ إن على قوى التغيير أن تكون على علم بأذرع أنظمة الفساد في كل المجالات السياسية والإعلامية والاقتصادية والقضائية والأمنية، بحيث لا تعطيها المجال للعبث والعودة من جديد، وهي أذرع تجيد التلون، وتركها خيانة للدماء التي أريقت، وتهديد للإنجازات التي تحققت.

أما الخامس؛ فهو دراسة مشاكل الوطن ووضع الحلول الممكنة، والبدء بما يؤثر على حياة الناس، وعدم التردد والانتظار، وتجهيز الكفاءات المؤهلة والقادرة على العمل.

أخيرا، فإن الثورة السورية مضى عليها أسبوعان وأمامها تحديات كثيرة، ولكن الآمال في نجاحها تتعزز كل يوم، ولا شك أنها ستكون ملهمة لكل الأحرار في عالمنا العربي، لتكون بداية لمرحلة جديدة من التحرر والاستقلال.
التعليقات (0)

خبر عاجل