جبهة جديدة وفريدة دفعت بالمشهد السياسي والأمني في
ليبيا إلى مستوى متقدم من التأزيم. إنها جبهة المواجهة مع
تنظيم الدولة الإسلامية التي احتدمت خلال الأيام القليلة الماضية، وكانت جولتها الأولى لصالح الكتيبة 166 التابعة لرئاسة الأركان (طرابلس)، التي اشتبكت مع مجموعة تابعة لتنظيم الدولة بعد قطع الأخيرة الطريق الساحلي بغرض تعزيز تموقعها في المناطق حول سرت، فكانت رد فعل الكتيبة المشار إليها وكتائب صغيرة داعمة لها هجوم خلف 23 قتيل من بينهم "حمد الرويسي" المطلوب من السلطات التونسية بتهم عدة، منها التدبير لاغتيال الناشط السياسي شكري بلعيد.
التهديد والوعيد الذي أنذر به التنظيم حكومة الإنقاذ في طرابلس وقوات فجر ليبيا ومدينة مصراتة، تم تنفيذه عبر عدة عمليات انتحارية وهجوم مباغت فجر الخميس، أودى بحياة 12 عنصراً تابعين لقوات فجر ليبيا، معظمهم من مصراتة، وذلك في نقطة أمنية في منطقة النوفلية شرق مدينة سرت.
لهذا التطور الخطير والكبير تداعياته وله دلالاته المهمة، التي منها ما يتعلق بالتدافع السياسي والأمني الداخلي، وتلك التي لها تقاطعاتها مع أطراف إقليمية ودولية معنية بالشان الليبي.
على الصعيد الداخلي، فرضت المواجهات بين معسكر طرابلس وقواته ممثلة في قوات فجر ليبيا زاوية جديدة في النظر والتقييم لموقع فجر ليبيا ومكانتها داخلياً، بعد الترويج بأنها متورطة في الإرهاب وداعمة للمجموعات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية، فالجبهة الجديدة ستلقي بظلالها على تموقع الأطراف السياسية المتصارعة، بشكل يمكن أن يدفع باتجاه إعادة تشكيل موقف قطاع من الرأي العام من أطراف النزاع.
وبرغم تصوير بعض أنصار البرلمان وعملية الكرامة بأن ما حدث من صدام قرب سرت إنما يقع في دائرة صراع أجنحة داخل معسكر واحد، إلا أن تلقي الرأي العام بما في ذلك الشريحة المناصرة لعملية الكرامة لما سيجري بالقطع سيكون مختلفاً لاعتبارات عدة، منها أن الصدام بين تنظيم الدولة وفجر ليبيا سيتطور، ولن تقبل هذه القوات أن ينشط تنظيم الدولة ويتمدد في ليبيا، أيضاً وباعتبار أن ثقل مصراته كبير في فجر ليبيا، فإن قواتها لن تسمح بوجود تنظيم بتوجهات وخطط توسعية في خاصرتها الشرقية سرت، ومنها أيضاً أن تنظيم الدولة يمثل نسخة متطورة للتشدد بالنسبة للرأي العام، وأن أي قوة تواجهه ستكون محل احترام ولو غير مصرح به.
على مستوى العلاقات الخارجية، ولاعتبار تركيز الأطراف الغربية الفاعلة على خطر الإرهاب في ليبيا الذي أصبح اليوم عنوانه تنظيم الدولة الإسلامية، فإن تصدي معسكر طرابلس ممثلاً في المؤتمر الوطني وحكومة الإنقاذ وقوات فجر ليبيا للتنظيم والدخول في مواجهات ومعارك مفتوحة معه، لابد أن يلقي بظلاله على موقف الأطراف الغربية منهم ويعزز من مكانتهم وأهميتهم في مساعي دعم الحوار، وتشكيل الحكومة التوافقية وفي دور ومكانة فجر ليبيا في فرض الاستقرار في البلاد، وقد تشهد الأيام والأسابيع القادمة تطوراً سريعاً في العلاقات الثنائية مع الأطراف الغربية، في حال اشتدت المواجهات مع تنظيم الدولة. فمن المعروف أن الأطراف الغربية التي تتخوف من المجموعات المتشددة تدرك أن الغارات من الجو لن تنهي أخطارها وأن هناك حاجة أساسية لقوة على الأرض لتحقيق نصر كاسح، وقد ترى القوة الخارجية في فجر ليبيا البديل، خاصة مع فشل عملية الكرامة عسكرياً في بنغازي.
بالمقابل فإن المواجهات الجديدة قد لا تكون قصيرة لتنتهي بهجوم كبير من قوات فجر ليبيا، ومن المرجح أن تكون صعبة وشرسة خاصة إذا دفعت الضغوط على تنظيم الدولة من قوات التحالف في العراق وسوريا إلى تغيير في استراتيجيته وتحويل جزء من عناصره إلى ليبيا، فهذا، إن وقع، سيطيل أمد المعارك ويعجل بنقل المواجهة مع التنظيم في ليبيا من البعد المحلي إلى الدولي.