على الرغم من الحرب العسكرية الكونية الشاملة على
تنظيم الدولة الإسلامية، التي تتزامن مع حملة إعلامية دولية واسعة لإظهار طبيعة التنظيم المتوحشة، ونزع الصفة الإسلامية السنيّة عنه، ووصمه بالإرهاب والتطرف، ونعته بأبشع الألقاب والصفات، إلا أن التنظيم يبرهن على تمتعه بجاذبية غريبة لافته لدى فئات وجماعات في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ويبدو أن التنظيم بات يقدم نموذجاً إرشادياً جاذباً لأجيال، ممن كفروا بوعود الديمقراطية والحرية والعدالة، ولم يعد شعار التنظيم "باقية وتتمدد" حلماً مجرداً.
منذ الإعلان عن قيام دولة "
الخلافة" في 29 حزيران/ يونيو 2014، من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، عقب هجومه الكاسح على مدينة الموصل في العاشر من نفس الشهر، وبسط سيطرته على مساحات واسعة شمال وغرب العراق و شمال وشرق سوريا، وتأسيس ولايات تتبع دولة الخلافة، تلقى التنظيم بيعات خارجية عديدة وباتت ولاياته تمتد في أكثر من تسع بلدان، مدشناً أكثر من 26 "ولاية" في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن والجزائر والسعودية وأفغانستان وباكستان ونيجيريا، ويضم العراق، العدد الأكبر من الولايات، إذ وصل عددها إلى عشر ولايات، أما سوريا فبلغ عدد ولاياتها سبعة، وفي ليبيا تم الإعلان عن تأسيس ثلاث ولايات.
أحدث الولايات تأسيساً كانت في غرب إفريقيا، فبعد أن تلقى أبو بكر
البغدادي بيعة من جماعة "أهل السنة للدعوة والجهاد" النيجيرية المعروفة إعلامياً باسم "بوكو حرام" عن طريق رسالة صوتية لأمير الجماعة أبو بكر الشكوى بتاريخ 7 آذار/ مارس 2015، والتي تسيطر على مساحات كبيرة من البلدات والقرى في ولايات "بورنو"، و"يوبي"، و"أداماوا"، الواقعة في شمال شرق البلاد، خرج الناطق الرسمي باسم الدولة الإسلامية أبو محمد العدناني في رسالة صوتية بتاريخ 12 آذار/ مارس 2015 بعنوان "فيقتلون ويقتلون" مؤكدا قبول البيعة، قال فيها: " ونبشركم اليوم بامتدادِ الخلافة إلى غرب إفريقيا، فقد قبلَ الخليفةُ حفظه الله بيعة إخواننا في جماعة أهل السنة والجهاد، فنباركُ للمسلمين وإخواننا المجاهدين في غربِ إفريقيا بيعتهم، ونهنئهم بلحاقهم بركبِ الخلافة. فأبشروا أيها المسلمون، فهذا بابٌ جديدٌ فتحه الله عز وجل لتهاجروا إلى دار الإسلام، ولتجاهدوا، فمن حبسهُ الطواغيتُ فأعجزته الهجرةُ إلى العراقِ أو الشامِ أو اليمن أو الجزيرةِ أو خراسان فلن تعجزه بإذن الله إفريقيا."
كان أبو بكر البغدادي خليفة "الدولة الإسلامية"، قد أعلن في وقت سابق عن تمدد التنظيم في تسجيل صوتي صادر عن مؤسسة الفرقان بعنوان "ولو كره الكافرون" في 13 تشرين ثاني/ نوفمبر 2014، وقبوله بيعات في بلدان عديدة في السعودية واليمن ومصر وليبيا والجزائر، قال فيها: "إننا نبشركم بإعلان تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة، إلى بلاد الحرمين واليمن، وإلى مصر وليبيا والجزائر، ونعلن قبول بيعة من بايعنا من إخواننا في تلك البلدان، وإلغاء أسماء الجماعات فيها، وإعلانها ولايات جديدة للدولة الإسلامية، وتعيين ولاة عليها"، وكانت خمس جماعات جهادية في هذه البلدان قد بايعت فعلاً زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبا بكر البغدادي، في تسجيلات صوتية "على السمع والطاعة"، بتاريخ 10 تشرين ثاني/ نوفمبر 2014، وقامت مؤسستا البنيان، والبتار التابعتان لتنظيم الدولة، بنشر خمس كلمات صوتية، وبيانات مكتوبة، للجماعات الجهادية، التي انضمت إلى خلافة "البغدادي".
كانت البيعة الأبرز حينها من جماعة "أنصار بيت المقدس" التي تنشط شمال سيناء المصرية، حيث أصدرت بياناً صوتياً جاء فيه: "نعلن مبايعة الخليفة إبراهيم بن عواد القرشي على السمع والطاعة في العسر واليسر"، وأصدرت تعميماً بتغيير اسمها إلى "ولاية سيناء"، وبثت شريطاً مصوراً في اليوم التالي لكلمة البغدادي في 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2014 بعنوان "صولة الأنصار"، يتضمن لقطات متقنة لعملية "كرم القواديس" التي نفذها التنظيم في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2014، مستهدفاً نقطة التفتيش العسكرية في منطقة كرم القواديس قرب مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، الذي أودى بحياة 31 عسكرياً مصرياً.
بعد ساعات من بيان جماعة "أنصار بيت المقدس" انضمامها لتنظيم الدولة الإسلامية، نشرت المواقع التابعة للتنظيم ومنها "البنيان"، و"البتار"، أربعة بيانات تؤكد بيعتها للبغدادي، من السعودية، واليمن، والجزائر، وليبيا، وهي: بيان بيعة "مجاهدي جزيرة العرب" في السعودية، وبيعة "جند الخلافة" في الجزائر، وبيعة "المجاهدون" في اليمن، وليبيا.
ويبدو أن فرع "الدولة الإسلامية" في ليبيا يتمتع بحيوية كبيرة وباتت أنشطته ممتدة منذ قبول بيعته رسمياً في في 14 تشرين ثاني/ نوفمبر 2014، فقد أعلنت ثلاثة أقاليم ليبية انضمامها للتنظيم، وأصبحت ولايات رسمية في كل من: برقة، شرقي البلاد، والعاصمة طرابلس في الغرب، وفازان في الجنوب، وفضلاً عن نشاطها العسكري في درنة وبنغازي، ومسيرتها العسكرية الاستعراضية في سرت والهجمات في ولاية فزان، قامت بخطف وإعدام 21 مسيحياً مصرياً على طريقة تنظيم الدولة الإسلامية بقطع الرؤوس، ونفذت هجوماً انتحارياً على فندق كورينيثيا في طرابلس.
أما ولاية الجزائر فهي تحاول الصمود وتجديد نشاطها بعد أن مقتل زعيمها عبد المالك غوري "خالد أبو سليمان" على يد الجيش الجزائري في 22 كانون الأول/ ديسمبر 2014، وكانت جماعة "جند الخلافة" التي تحولت إلى اسم ولاية الجزائر قد خطفت سائحاً فرنسياً وهو هيرفي جورديل في 24 أيلول/ سبتمبر 2014 قبل قبول بيعتها، وأعدمته بنفس طريقة تنظيم الدولة الإسلامية بالذبح وقطع الرأس.
وفي باكستان وأفغانستان معقل حركة طالبان أعلنت مجموعة من القيادات بيعتها للبغدادي وتنصيب حافظ سعيد خان، قائد طالبان باكستان السابق أميراً لولاية "خراسان"، وكان سعيد خان قبل الإعلان بأسبوعين قد ظهر في مقطع فيديو بين عشرة من قادة الجماعات الجهادية في أفغانستان وباكستان يعلنون مبايعة أبي بكر البغدادي، وتضمن الفيديو مقطعاً لعملية قطع رأس جندي باكستاني.
وخلاصة القول إن تنظيم الدولة الإسلامية بات نموذجاً يحتذى لدى العديد من الجماعات الجهادية المحلية، وأصبحت إيديولوجيته الفقهية ونهجه القتالي ودعايته الإعلامية تتمتع بجاذبية تتفوق على تنظيم القاعدة، وهو بانتظار بيعات جديدة وتأسيس ولايات بعيدة، فالتنظيم يعمل على التواصل وتنسيق البيعات بحسب أهميتها وتوافر الشروط اللازمة لقبول العضوية، إذ أشار التنظيم من خلال مجلة "دابق"، التي تصدر باللغة الإنجليزية، إلى أنه سيكشف عن بيعات قادمة، في عدد من المناطق في القوقاز وإندونيسيا والفلبين وغيرها، كانت قد أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية وقبولها بيعة البغدادي خليفة للمسلمين.