يعيش المواطن
المصري في واقع افتراضي تصنعه له أجهزة الإعلام التي أجاد ضباط السي آي إيه صناعتها للطاغية المقبور عبد الناصر، كانت صوت العرب أحد إبداعات المخابرات الأمريكية وأن واقعة إنشائها جاءت في كتاب (لعبة أمريكا الكبرى) للمؤرخ الأمريكي د. هيو ويلفورد.
ويجب هنا أن أذكر أنني شخصياً كنت واحدة من ملايين المغيبين، الذين يؤمنون بعظمة مؤسسات العسكر، كنا نعيش في وهم الجيش المنتصر الذي هدد وجود إسرائيل، لولا أن امريكا تدخلت لمنعنا من الفتك بها، وأن الاستعمار تحالف على عبد الناصر لوأد التجربة الناصرية وسمح لإسرائيل بهزيمته في 67 وكنت أعتقد أن مصر تمتلك أقوى جهاز مخابرات، وأن المخابرات العامة نجحت في اختراق الكيان الصهيوني وزرع رأفت الهجان.
كنا نؤمن بتلك الخزعبلات، حتى أفقنا على صدمة مجزرة رابعة، وبدأنا نعيد قراءة التاريخ من جديد واكتشفنا كم كنا مضللين مخدوعين.
كانت البداية، ذلك الوهم الذي رأيناه يُصنع أمامنا، وهم الثورة الشعبية على رئيس أول رئيس منتخب منذ خلق مصر، وبعد سنة واحدة من توليه منصبه. و ذلك الانقلاب الذي تقوده مجموعة من جنرالات نبتت لحوم أجسادهم من خير المعونة الأمريكية، يجلسون تحت موائد البنتاجون يلتقطون ما يقع منها من فتات، هو الذي فتح أعيننا على ما نراه الآن.
الإصرار العجيب من جانب الهيكل الذي يوجه شاويش الانقلاب، على تنفيذ نفس السيناريو، الذي كان بالإمكان تنفيذه من ستين سنة وأصبح الآن موضة قديمة، هو الذي أزال الضباب من طريقنا.
اكتشفنا أن مصر منذ انقلاب العسكر الأول في 1952، مجرد سينما يعرض عليها فيلم طويل متواصل، يتغير فيه الممثلون ولا تتغير الحبكة الدرامية، صواريخ الظافر والقاهر التي صنعها عبد الناصر في إعلامه، وسفينة الفضاء المصرية والطائرات المصرية التي تقصف تل أبيب، والطائرات الإسرائيلية التي تتساقط والجيش الذي يدخل تل أبيب، وكل تلك المشاهد التي تنتهي بمشهد جنود العدو، وهم يركلون أسرى جيش عبد الناصر وينقلونهم على عربات النقل بالملابس الداخلية، ويصفعونهم ويقولون (نقلناهم كالخرفان).
ثم مشهد جنودنا يعبرون القناة، ومشهد السادات وهو يتحدث عن الدرع والسيف، والرصاصة لا تزال في جيبي، اكتشفنا بعدها أن المقبورة جولدا مائير كانت وقت خطابه، تلتقط الصور حول مدينة السويس وجنود العدو يحاصرون الجيش الثالث بأكمله، ويمنعون عنه الماء والطعام، ودبابات العدو وصلت إلى بداية طريق القاهرة.
واكتشفنا أن الحرب كانت تمثيلية متفقاً عليها، وأن تضحيات الشهداء الذين جاهدوا والجنود الذين سجدوا لله شكراً عندما لمست أقدامهم أرض سيناء، و حاربوا واستشهدوا، ذهبت من أجل أن ينفذ السادات سيناريو معداً مسبقاً بالاتفاق مع كيسنجر وديان، وأن السادات نفسه كان عميلاً للسي آي إيه يتقاضى منها راتباً كما قال نائبه حسين الشافعي، الذي كان زميله في تنظيم الضباط الأحرار.
ورأفت الهجان الذي رأيناه يحصل على أسرار العدو ويستغفلهم، والمخابرات العامة التي يخشاها الموساد، اكتشفنا في النهاية أن الموساد يعرف ألوان جواربهم وأن رأفت الهجان كان مجرد عميل مزدوج يعمل لصالح الموساد، كما قال مدير المخابرات العامة السابق رفعت جبريل في حوار له مع جريدة المصري اليوم.
حتى الجيش، اكتشفنا أن من أسسه كان اللورد دافرين سنة 1886 وأن ذلك الجيش لم يطلق رصاصة واحدة على الاحتلال البريطاني، وأنه حارب تحت راية الاحتلال البريطاني قوات الثورة السودانية سنة 1889، بل وساهم في تسليم القدس للجنرال اللنبي سنة 1917!
اكتشفنا أن كل تلك المشاهد هي تاريخ كانوا يزورونه عمداً أمام آبائنا الذي لم يكن أغلبهم يملك القدرة على التحقق منه، واكتشفنا أن كل تلك الخزعبلات الملفقة ليست إلا مشاهد في فيلم سينمائي رديء الصنع، مثل مشاهد نادية الجندي وهي تتجسس على الصهاينة في تل أبيب!
وطبيعي بعد كل تلك الخيانة، أن يتفاخر العصار بأن الجيش المصري جزء من الأمن القومي الأمريكي، وأن يقول شاويش الانقلاب للواشنطن بوست إنه يتحدث مع نتنياهو كثيراً، وأن سقوط (ماسر) يعني سقوط المنطقة بما فيها إسرائيل!
المواطن المتابع للإعلام المصري لا يرى تلك المشاهد، وإنما يرى نادية الجندي في تل أبيب!