لاحظ مراقبون أن عبد الفتاح
السيسي قام بـ 12 جولة خارجية زار خلالها 12 دولة حول العالم، خلال ثمانية أشهر من حكمه، إلا أن "مسافة السكة" التي أشار إليها في إحدى خطبه كانت إلى الخارج أقرب منها إلى الداخل، إذ اكتفى بوجوده في العاصمة
المصرية (القاهرة) ، فيما لم يزر من محافظات مصر سوى ثلاث محافظات فقط.
ورأى المراقبون أن زيارات السيسي الخارجية مثمرة إلى حد ما، لكن زيارت الداخل أكثر أهمية، لأنه لا نجاح لزيارات الخارج، التي تستهدف جلب استثمارات إلى الداخل، إلا بأن يعرف السيسي احتياجات الداخل، ويقترب منه.
وأشار المراقبون إلى أن السيسي يقوم بزيارات خارجية بمعدل زيارة خارجية كل شهرين تقريبا، ما يعني أنه يعطي أولوية لتوسيع دائرة الاعتراف الدولي بنظامه، والترويح لخطابه السياسي، الذي يكتسب منه شرعيته، وتجسيده في صورة "البطل" الذي أعلن الحرب على الإرهاب في مصر والمنطقة العربية والعالم.
وفي المقابل، زار السيسي أربع محافظات فقط هي الإسكندرية والشرقية والإسماعيلية، وهي زيارات كانت "مؤمّنة" من الجيش بشكل كامل، ما جعل المراقبين يتساءلون: لماذا يخشى السيسي مغادرة القاهرة؟ وكيف يحكم شعبا لا يستطيع الاقتراب منه؟
فقد قام الرئيس المصري بـ 12 زيارة خارجية، تحاول تحقيق مصالح مشتركة مع الدول التي زارها.
وظهرت زيارات "حلفاء الانقلاب"، بشكل واضح في تحركات السيسي، ما بين المملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية، والإمارات، والكويت، وهي زيارات حاول بها "السيسي" استكمال تحالف مواجهة الإرهاب في المنطقة، بالإضافة إلى طلب الدعم الاقتصادي، والتجهيز لمؤتمر دعم مصر في شرم الشيخ، الذي تخوض فيه هذه الدول جولات دعم جديدة لصالح نظام "السيسي".
وكانت البداية من الجزائر التي زارها في بداية تسلمه السلطة، لبحث ملف الإرهاب في ليبيا، على أساس أن مصر والجزائر، تجمعهما أكبر حدود مع ليبيا، فضلا عن اتفاقيات تتعلق باستيراد الغاز بطريقة لا تحمل أعباءً على الدولة.
وكانت الزيارة الثانية إلى غينيا الاستوائية، حيث ألقى كلمة في الجلسة الافتتاحية لقمة الاتحاد الأفريقي الثالثة والعشرين، فضلا عن لقاءاته مع رؤساء دول وحكومات في القارة السمراء، لكن اللقاء الأهم كان مع رئيس وزراء إثيوبيا، لوضع حلول لأزمة سد النهضة، ما أسفر عن وثيقة "مبادئ".
ومن غينيا كانت الزيارة إلى السودان، التي تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين، بالإضافة إلى القضايا والنزاعات التي تشهدها المنطقة، علاوة على محاصرة الإخوان المسلمين من الجنوب، وحرمانهم من قاعدة انطلاق قريبة من البلاد ضد نظام حكمه.
وكانت زيارة "روسيا" من أهم الزيارات التي قام بها السيسي، وعلى الرغم من حديث القاهرة حول أن مصر لا تقيم علاقات قوية مع روسيا على حساب دولة أخرى، إلا أنه اتضح حجم التحالف بين السيسي والرئيس الروسي بوتين من خلال حجم الاستقبال، والاتفاقيات في المجال العسكري، فضلا عن توافق الرؤى لا سيما في الأزمة السورية.
وتوجه السيسي إلى نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، والتقى بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، وكان للقاء دلالات عدة في إعادة النظر مع نظام "السيسي".
وما بين الشرق والغرب، كان التوجه إلى أوروبا، من خلال زيارتين مهمتين، إلى العاصمة الإيطالية "روما"، التي شهدت لقاءات مهمة مع رئيس الحكومة والوزراء والمسؤولين، وتوقيع اتفاقيات تتعلق بجذب استثمارات واتفاقيات تعاون تجارية وصناعية مشتركة، ثم التوجه إلى باريس، وهي الزيارة التي كانت سياسية بالدرجة الأولى، للتحذير من قرب وصول الإرهاب إلى أوروبا، وضرورة التكاتف لمواجهته.
كما توجه السيسي إلى العاصمة الصينية بكين، للمشاركة في طريق الحرير الاقتصادي، والتوقيع على اتفاقيات تدخل في تحالفات اقتصادية، في ظل توقيع 30 اتفاقية في مجالات التكنولوجيا والاتصالات والتجارة والصناعة.
وفي الأسبوع الماضي توجه السيسي إلى إثيوبيا حيث حضر القمة الأفريقية الرابعة والعشرين، وعقد جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الإثيوبي، تناولت حل مشكلة "سد النهضة"، لكنها جوبهت برفض حاسم من قبل الجانب الإثيوبي، لذلك الخلط بين الزيارة من أجل المشاركة في القمة، وفي الوقت نفسه استغلالها لبحث هذا الموضوع المهم.
ونتيجة استشعار الحرج من هذا الفشل، أعلن السيسي قطع زيارته إلى إثيوبيا، ولم يحضر ختام القمة، وقيل إن سبب ذلك الرغبة في المشاركة في تشييع جنازة العاهل السعودي الراحل الملك عبدا لله، لكنه عاد إلى االقاهرة في ظروف غامضة، وطار في اليوم التالي إلى الرياض، مكررا زيارة سابقة إلى السعودية، ولكن هذه المرة لتقديم التعزية في العاهل الراحل، أشد مناصري انقلابه، وأبرز داعميه.
داخل القصر الجمهوري
على مستوى الداخل المصري، اقتصرت زيارات السيسي خارج القاهرة، على محافظات الشرقية والإسكندرية الإسماعيلية، إذ إنه منذ توليه السلطة في 8 حزيران/ يونيو 2014 ظل يمارس عمله داخل القصر الجمهوري في مصر الجديدة، ولم يقم بزيارة أي محافظة أخرى بخلاف المحافظات الثلاث التي جاءت زيارته لها بسبب أنها بين أحضان الجيش المصري، وبين جنوده.
فقد زار السيسي محافظتي الشرقية والإسكندرية لحضور الاحتفالات بتخريج دفعات القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي، فيما كانت الزيارة الثالثة للإسماعيلية محاطا برجال القوات المسلحة، للإعلان عن تدشين مشروع محور قناة السويس، ولم يقم السيسي بزيارات أخرى بعد ذلك، الأمر الذى أثار علامات استفهام كثيرة.
ويُذكر أن السيسي لم يزر في فترة الانتخابات الرئاسية أيا من المحافظات المصرية. فيما أرجع محللون السبب الحقيقي وراء عدم خروج السيسي من القاهرة إلى محافظات أخرى إلى عدم الاستقرار الأمني، والمخاوف من الإرهابيين.
إلا أن الأمر لم يرق للبعض ممن رأى أن تقوقع السيسي داخل العاصمة يحمل ضررا أكثر من نفعه، لأن الشعب المصري يحتاج إلى حاكم يكون بجواره فى أزماته، على حد قولهم.