منذ بداية
الانقلاب وهناك جملة شائعة على ألسنة الكثيرين " شغل
مخابرات".. هذه هي الجملة التي تتردد كلما وقع أمر يصعب على المتحدث تحليلهه، فالتسريبات "شغل مخابرات" وغلاء أسعار تذاكر المترو" شغل مخابرات" والعيشة اللي عايشينها "شغل مخابرات".
الحقيقة أن الإفراط في ترديد تلك المقولة يكشف عن عمق التخريب الذي طال عقول الجميع، فالخلفية المعرفية التي تنطلق منها تلك المقولة التي أصبحت شديدة السخف من شدة ترديدها، تقوم على سمعة ووهم صنعتها أجهزة غير قادرة حتى على حماية مكاتبها.
تشويه فكري وقع فيه الكثيرون نتيجة ستة عقود من التدمير المستمر لعقل ووجدان وضمير المواطن العربي على وجه العموم والمصري على وجه الخصوص، وصنعه كتاب سيناريو محترفون وملحنون عباقرة، فمسلسل رأفت الهجان مثلاً يصور المخابرات
المصرية على أنها ذلك الجهاز الذي يسمع دبة النملة في تل أبيب، والذي يقوم بتشغيل عميل له في فلسطين المحتلة ليندس بين الصهاينة ويصادق وزير الدفاع موشيه ديان ويأتي بأسرار الجيش الصهيوني.
ويزداد تعجبك حين تعلم أن رأفت الهجان كان مجرد عميل مزدوج عمل لصالح الإسرائيليين، ثم تكتشف أن قائل هذا الكلام كان ضابط مخابرات سابق، وهو الفريق رفعت جبريل رئيس هيئة الأمن القومي السابق في حوار له مع المصري اليوم، والأمر يمكن علاجه بقليل من القراءة ولكن الأمة التي أنزل الله لها قرآناً، أول آياته (اقرأ) لا تقرأ وتكتفي بما يقوله الإعلام المضلل. لقد كان لي أنا شخصياً موقف في بروكسل قبيل المؤتمر الذي صدر فيه إعلان بروكسل، حين عجزت المخابرات عن معرفة الاجتماعات فأرسلت ضابط مخابرات عرفه أفراد الجالية على الفور، فمنعوه من الدخول وكان مشهداً شديد الكوميدية.
والعجيب أن النظرية الرائجة لدى البعض بعد تفجيرات سيناء ( وأنا هنا أنحي عواطفي وموقفي الشخصي منها وأتكلم فقط من ناحية التحليل)، هي أن التفجيرات التي راح ضحيتها 47 جندياً حتى لحظة كتابة هذه السطور " شغل مخابرات"!!
ولم يفكر أحد أن يسأل نفسه لماذا يريد عبيط القرية أن يظهر بمظهر العاجز والفاشل، وأن يثير غضب الجنود والضباط داخل الجيش ويظهر أمامهم عاجزاً عن حمايتهم، وهو ما قد يدفع البعض للتفكير جدياً في ترك الخدمة العسكرية وهي العمود الفقري الذي يعتمد عليه "عبيط القرية" لترويع المصريين وتثبيت انقلابه؟
لماذا يفترض البعض أن تلك العمليات الموجهة ضد جيش قام بإخلاء منطقة رفح وإقامة منطقة عازلة بها حباً وكرامة لسيدته إسرائيل، ونكل بالأهالي وهدم منازلهم ودمر حياتهم بالكامل، هي "شغل مخابرات" كما يقولون؟
هل ذلك الجيش العاجز وتلك المخابرات العاجزة قادرة فعلاً على ترتيب مثل تلك العمليات، والمخاطرة بإثارة غضب الجيش والشعب في آن واحد ضد عبيط القرية وإظهاره بمظهر الفاشل؟
في أي عمل ابحث دائماً عن المستفيد، هذه هي القاعدة الذهبية للتوصل لتحليل سليم في أي أمر وسط تلك الضوضاء السمعية والبصرية المحيطة بنا بعد الانقلاب.
هل سيستفيد الانقلاب من تشويه صورة عبيط القرية وإظهاره بمظهر العاجز، وإثارة الرأي العام لدى الشعب ولدى الجيش ضده؟
الإجابة: لا
الموضوع ببساطة هو أن عبيط القرية يقود مصر للتحلل ببطء بعد انقلابه، وهو شخص غير قادر لا هو ولا المنظومة التي يعمل من خلالها على إدارة فرن بوتغاز وليس دولة بحجم مصر.
يا سادة بعد أن تقرؤوا في صحيفة تابعة للانقلاب على لسان أحد خبراء الجيش الذي لم يعرف سوى المكرونة منذ 41 عاماً، أن المخابرات العامة تستخدم شفرة غير قابلة للاختراق وهي شفرة عوكل، وبعد أن تستمع لوكيل المخابرات المدعو ثروت جودة وهو يقول إن (أبلة فاهيتا) هي مسؤولة نقل الشفرات للإخوان المسلمين وستة أبريل لتنفيذ عمليات إرهابية، فلابد أنك تمزح حين تعتبر هؤلاء الأشخاص الذين يرتدون الكسرولات على رؤوسهم مخابرات أصلاً!