"ليس بعد حرق الزرع جيرة".. هكذا يقول المثل
المصري، فلا حديث عن حقوق الجار، بعد قيام الجار بحرق زرع جاره، لكن هناك من يتحدث عن حسن الجوار بعد كل ما جرى، وبعد أن مثل البعض غطاء ثورياً للانقلاب العسكري، وبرروا جرائمه من قتل، وحرق، وتدمير، واعتقال، وتشريد!.
لقد أمسكت قلمي طيلة الفترة الماضية، عن التعليق على المحاولات المبذولة لـ "وحدة الثوار"، وكنت قد أعلنت رأيي من قبل، وعندما وجدت من هم متحمسون للفكرة، ومن هم على قناعة بأن الظروف باتت مواتية، بعد أن وقف "أولادي المغرر بيهم" على حقيقة ما جرى في مصر، وأنهم أمام
انقلاب عسكري، جرى التمهيد له بالمظاهرات الشعبية في 30 يونيو، قلت لهم: "على رنات". ومن يومها وأنا في انتظار "رنة" على هاتفي الجوال، تبدد قناعاتي، لكني لم أتلق هذه "الرنة" بعد. وقد أمسكت قلمي ولساني، حتى لا يقال إن الاتفاق كان وعلى وشك أن يكلل بالنجاح، لولا ما قلته أو ما كتبته، فتحولت المصالحة من حقيقة قائمة، إلى هشيم تذروه الرياح!.
رأيي أنه لن يؤمن لك من قومك إلا من قد آمن، لكن هناك من ظنوا أن تحقيق الوحدة، صار أمراً طبيعياً، بعد أن صرنا أمام انقلاب عسكري في أبشع صوره، وسوف يدفع الجميع الثمن لأنه يعادي كل من له علاقة بثورة يناير. وراعني أن الحديث عن الثوار يجري اختزاله في حركة السادس من أبريل، تماماً كما كان بعض الزملاء في "الجزيرة مباشر مصر" عندما يطلب منهم أن يكون الرأي الآخر حاضراً، فكان اعتقادهم أن من يمثل هذا الرأي هم قيادات هذه الحركة، التي لا وجود لها على الأرض، وجزء من أزمتها مع
الإخوان وهم في الحكم هو عدم وجود القاعدة الشعبية، فلو كان لها وجود، لما انتظر القوم من الإخوان أن "يفيضوا عليهم من الماء"، أو بمقاعد في الحكومة والبرلمان، فإن رفضوا صار الإخوان ضد
الثورة، وبنفس شعار المتسول المتعالي: "حسنة وأنا سيدك"!.
فات هؤلاء الذين اختزلوا الثورة في الحركة، وعندما يتحدثون عن "وحدة الثوار" يتقربون من حركة السادس من إبريل، أن الحركة نفسها وباعتبار "الحركة بركة" منقسمة إلى ثلاث فرق: "الجبهة الوطنية، وجبهة أحمد ماهر، ومشروع حزب 6 أبريل"، وهناك فريق انشق عليها واعتزلها. وعندما ينجح هؤلاء في تحقيق وحدتهم هم، فاعلم أنه قد آن الأوان لدعوتهم من أجل "وحدة الثوار"!.
أقول، لقد أمسكت لساني وقلمي لعل غيري يمكنه أن ينجز وحدة، لكن بعد مقال "أحمد ماهر: "هل من الممكن أن نثق في الإخوان مرة أخرى"، وجدت أن الاعتزال ليس له ما يبرره، ليس لأنه أثبت صحة موقفي منذ البداية، ولكن لأن استمرار الصمت هنا معناه السكوت على من يخرقون السفينة، سعياً وراء عرض قريب وسفر قاصد. وقد وجدت حرجاً في البداية في الرد عليه، لأنه سجين، وقد يكون هذا المقال هو ثمن الإفراج عنه، ولكني بعد تفكير وقفت على أن الرجل وإن كان في السجن فقد أبيح له ما لم يبح لرئيس الدولة، وقد سمعنا من قبل شكوى الرئيس محمد مرسي من أنهم يمنعون عنه الأقلام والأوراق. أما "ماهر" فهو يدبج المقالات، والتي تجد طريقها للنشر قبل أن يرتد إليه طرفه!.
"ماهر" كانت له آراء أقرب ما تكون إلى الاعترافات عن المؤامرة التي جرت على الرئيس محمد مرسي، وأنهم كانوا من قبل يعلمون بأن ما يرتب له هو انقلاب عسكري ولم نقف لنحاسبه، ذلك بأنه كان مع هذا الانقلاب وأيده في الخروج على المسار الديمقراطي، وفي مجازره وجرائمه ضد المتظاهرين السلميين، وفي الأيام الأولى للانقلاب كان "ماهر" من الذاهبين للقصر الجمهوري محلقين ومقصرين، من "شباب الثورة" يطرحون على "المعين" عدلي منصور خدماتهم بأن يقوموا بجولات غربية، لإقناع الغرب بأن ما جرى ثورة شعبية وليس انقلاباً. وهو يقول هذا الكلام الآن بعد أن عصف بهم الانقلاب، الذي أكلهم لحماً ورماهم عظماً، مع أن كل مطالبهم تلخصت في تعديل قانون التظاهر وفقط!.
كان سجن ماهر هو المانع من أن نبوح بما في صدورنا، وكان يظهر ميلاً من جديد للشرعية هو ما يجعل أي تراجع له يمكن أن يعلق في رقبة من انتقد انحيازه من البداية للانقلاب، وهو رغم مشواره السياسي القصير يتحول في سرعة البرق، من الموقف إلى نقيضه!.
لقد تجلى "ماهر" في مقاله على قاعدة "موزع النعم ومانح الفرص": فـ "رغم غدر الإخوان في 2011 قلنا الإخوان ليسوا عسكر".. و"أعطيناهم فرصة أخري في 2012". ولم يقل لنا ما فعلوه في 2011 ومع ذلك منحهم فرصة أخرى في 2012، فربما يقصد التنسيق مع المجلس العسكري.. ليطرح السؤال نفسه: وهل كنتم أنتم بعيداً عن المجلس العسكري؟!.
ما يغيظ "ماهر" الآن ويجعل الإخوان لا يستحقون شرف الثقة فيهم من جديد، هو تمسكهم بعودة الرئيس محمد مرسي، وهو يسميها "أساطير" ويضيف إليها قولهم أن الانقلاب يترنح.. وأنه بحسب قوله ساخراً: "الانقلاب يترنح.. يترنح اهو.. الانقلاب ينكسر انكسر خلاص".
ويستطرد: "وثقنا في الإخوان بدل المرة 15 مرة وكل مرة يثبتوا كم نحن سذج". وقد رفض "أن يكرر حديثه عن فشل الإخوان وغرورهم وعنجهيتهم أثناء سنة حكم مرسي".
فهل كان الإخوان يتملكهم الغرور والعنجهية فعلا وكانوا فاشلين؟!..
لقد كنت بعيداً عنهم في هذه المرحلة وكان "ماهر" هو القريب المحتفى به، وإذا كان برنامجاً بقناة الإخوان الفضائية قد تراجع عن استضافتي، للحديث في موضوع واحد وهو رفض الانقلاب لأن سابقة أعمالي أو قل مجملها ضد القوم، فقد كان "أحمد ماهر" .."زبونا" دائماً عليها، لأنه كان مع الإخوان في المرحلة التي قال إنهم كانوا فيها فشلة ومغرورين، وكان ينتظر أن يفيضوا عليه بمنصب وزير الشباب، لكن الجماعة رأت أن تدخره لابنها "أسامة ياسين"، ثم تكالبت عليهم أحزاب الأقلية عندها انحاز للفرقة الناجية، وبعد أن تخلص الإخوان من غرورهم وعنجهيتهم بسبب الحملة عليهم!.
وكان "ماهر" بعد اجتماع "فيرومنت" الذي حضرته بعض القوى المدنية والإخوان بعد الانتخابات الرئاسية قد خرج من هناك يسأل "حمدي قنديل" هل يدعونا الإخوان لشراكة في الحكم؟.. وهذا هو أساس المشكلة، فكل واحد خبأ تصوره لهذه الدعوة في صدره، وانتظر أن يحقق له الإخوان "طلباته" وإلا فقد خانوا العهد ولم يعد يثق فيهم جديد؟!
إن شئت فقل إن القوم يريدون مشاركة في السلطة لم تمنحها لهم الإرادة الشعبية، ويريدون أن يتقاسموا الحكم على طريقة غنائم الحرب، وما دام الأمر على عكس ذلك فلا أحد يثق في الإخوان وإن وعدوا، بمن في ذلك كاتب هذه السطور، لكن الفارق هنا أنني اتخذت موقفي ضد الانقلاب مبكراً وبمعزل عن الإخوان، جماعة وحكماً، في حين أن "النشطاء" يريدون نصيباً في الغنيمة كشرط للإفصاح عن "الخلطة السحرية لإسقاط الانقلاب".
لا بأس، على من يرى أن عودة مرسي من الأساطير، أن يخرج ثائراً على الانقلاب بعيداً عن فكرة عودة الشرعية، فقد مللنا من الذين ينظرون لإسقاط الانقلاب على أنه "مقاولة" رست بعد مناقصة على "المعلم" محمد بديع، لذا فهم يريدون نصيبهم منه ولو بالعمل من "الباطن".
ويا عزيزي "ماهر" مبروك الإفراج مقدماً.. كفارة يا نجم.. وما دامت المسألة اختيار فاختار "المعلم" السيسي، بيد أن المشكلة في أن "مقاولة" السيسي ليس فيها مكان للمقاولين من الباطن، ولا حتى لعمال التراحيل!.
اركن يا ماهر!
[email protected]