الناس يتغيرون، من مستسلمين إلى مشاركين، من كرويين، إلى سياسيين، من متفرجين إلى ثوريين، ومن ثوار إلى متفرجين، من متأقلمين إلى متمردين، ومن متمردين إلى محبطين، ومن يائسين إلى قنابل من الغضب.
الناس يتغيرون، يشتكون، يشتكون السيسي، في يوم واحد يخبرني السايس وسائق التاكسي، والبائع في كشك السجائر بالخبر نفسه: نادم على تفويضه، فاشل، مفتري، ربنا ياخدهم، أسوأ من أيام
الإخوان.
الإخوان بدورهم يتغيرون، الشباب، وما أدراك ما الشباب، كنز الأمة
المصرية المخبوء، حذيفة زوبع يكتب في حل الجماعة، "حلوها يرحمكم الله"، لا يهمه غضب قادته، لا يلوي على شيء، بقطع النظر عن المطلوب النهائي من مقال "حذيفة" هل رأيت هذا الحس النقدي الصارم، هذا الاستبياع في مواجهة من كانوا يوما آبائه الروحيين بأخطائهم، هذه السخرية المريرة المغروسة في وحل التجربة تحاول أن تنفض عن أصحابها ما لحق بهم.
يكتب جبر المصري، إخواني، محافظ، في السابق مقال أكثر خطورة من مقال "حذيفة"، بعنوان: ناقش الأمر في الصف، يا الله، هؤلاء هم شباب الإخوان، منذ شهور كانوا هم أنفسهم يخبروننا بالأفعال قبل الخطابات، بأن الجماعة شعب الله المختار، يسخر جبر في بوست آخر من إعلام الإخوان، الذي يدعي أصحابه قدرتهم على تغطية غياب الجزيرة، يعلق عنده بعض إخوانه من أنصار الطبطبة، يرفض بحسم، ينحاز لتيار جديد يتشكل في رحم الجماعة منذ اللحظة الأولى لثورة يناير، وها هو الآن يعرب عن نفسه، ولو لم يجد الطريق سينتزعه انتزاعا، دعك من ثناية المحافظ، والإصلاحي، لدى الإخوان الآن تيار ثوري.
النخب تتغير، كم من ثائر بحق وبغير حق أيام مبارك، كم من صوت زاعق، كم من مجد قد بنيناه فوق التراب، بيوت من الرمال، من عبد الجليل مصطفى إلى يحيى حسين، ومن حمدين صباحي وأمين اسكندر، إلى حسام عيسى، وفريدة الشوباشي، أكاذيب بعضها فوق بعض، ها هم يتغيرون، ينكشفون، يخصمون من كشف الشرفاء أسمائهم للأبد، تاركين دون إرادتهم مساحات لجيل أكثر حقيقية.
الغاضبون يتغيرون، جاء الإخوان، وامتدوا في فراغنا التنظيمي، حاولوا عزلنا، عزلوا معنا شبابهم الواعد، واكتفوا بالعجل النائم، فشلوا كما يليق بقياداتهم الفاشلة، لكنهم تركوا ورائهم غضبا لا ينتهي، نفوسا شالت، وأعينا عميت إلا عن أخطاءهم، وآذانا لم تسمع سوى خزعبلاتهم، عن جبريل، ومنامات الرئيس المنتخب، بدورنا أخطأنا كثيرا، أخطأنا حتى مل الغباء، ولم نعترف بأخطائنا، فزدناهم غضبا، يروننا كما رأيناهم أول ثورة، غاضبون بدورهم، حانقون، مستغنون.
وسط غبار المعركة، بعض الخواطر تهدأ، البعض الآخر ينتظر، في الطريق، بعض الأخطاء وضعت في حجمها الحقيقي، بعض القناعات تتشكل من جديد، قيمة المصالحة، والاقتراب، والتقييم النقدي، دون جلد للذات أو هدم للمعبد فوق رؤوس أصحابه، قيم تستقر يوما بعد يوم في روع من أكرهتهم التجربة على أن يتعلموا أو يموتوا، تجد طريقها الجديد وسط أشلاء الجثث، وآهات الثكالى، قيم ذاهبة إلى يوم جديد.
كلنا نتغير، الكون يتغير، الحياة، الطريق، وحدهم التافهون في أماكنهم لا يبرحونها، الفارغون، المسطحون، المتسولون المواقف، المتكسبون من المرارات، والعداوات، والضغائن، المتأججون غضبا، وغلا، لا يجد طريقه للانتهاء، وحدهم وقوف، تشنج يسمونه ثبات على الموقف، جمود يسمونه ثورية، تصلب يسمونه صلابة، هوس باجترار السفاسف، والتفاهات يسمونه استدعاء للأرشيف، ويدشنونه تحت لافتات: حتى لا ننسى، وذكرهم ونكد عليهم، ولن نتصالح قبل أن تعتذروا، اعتذروا أنتم أولا، بل أنتم الذي أخطأ أولا، تذكروا الاتحادية، تذكروا الاستقواء بالعسكر، باعونا في محمد محمود، فوضوا على دماء رابعة، وصلات من الردح والسفاهات، لا تتغير، ولن تتغير، ذلك لأن أصحابها لا يليق بهم سوى أن يظلوا في أماكنهم أو يعودوا إلى مقاعدهم كما أخبرهم كبيرهم الذي علمهم "المُحن".
تغيروا يرحمكم الله ..