المهنة: منشق!

يبدو أن الساعة البيولوجية، للمنشقين عن "الجماعة الإسلامية"، معطلة، فبعد أن أصبحت كلمة "تمرد" سيئة السمعة في الأوساط السياسية، جاؤوا هم ليشكلوا "تمرد الجماعة"، بقيادة شخص، سمعت باسمه لأول مرة في خبر منشور على موقع "اليوم السابع"، اسمه "وليد البرش"!.

حركة "تمرد" نفسها حدث انشقاق بداخلها، ونشر المنشقون غسيلهم القذر، ورووا حكايات عن صناعة الأجهزة الأمنية لـ"تمرد" لتمثل غطاء ثورياً للثورة المضادة، وكثيرون من الذين وقعوا على استماراتها أعلنوا ندمهم بعد أن اكتشفوا أنها كانت تمهيداً لعودة حكم العسكر، وكانت الدكتورة "عايدة سيف الدولة"، هي الأشجع عندما صرحت بأنها لم تندم على شيء في حياتها كما ندمت على توقيعها على استمارة "تمرد"!

لكن، فعلى ما يبدو أن "وليد البرش" دخل في غيبوبة منذ 3 يوليو ولم يخرج منها سوى الآن، ولم يعلم بما جرى، وكيف أن اللعب أصبح على المكشوف، وأن "محمود بدر"، حصل على موافقة عبد الفتاح السيسي "شخصياً"، على قطعة أرض زراعية، لبناء مصنع بسكويت عليها، في قريته وهو يستعد لخوض الانتخابات البرلمانية، وكيف وهو المحرر المتدرب بإحدى الصحف، وأكبر مكافأة شهرية دخلت جيبه، قبل "تمرد" هي مائتي جنيه، يقيم فرح زفافه في فندق "الماسة" المملوك للقوات المسلحة، الذي كان مقر إقامة عبد الفتاح السيسي، في فترة حملته الانتخابية. ويحضر هذا الفرح علية القوم، وأعيان المجتمع!

"البرش" جرى تقديمه في "اليوم السابع" على أنه قيادي بالجماعة الإسلامية، فنور الموقع بذلك المحكمة، وإن كنت لا أعلم ما إذا كان قيادياً فعلاً أم أن الهدف من ذلك هو تمرير الخبر، والتأكيد على أهمية "البرش"، الذي انشق، وأسس حركة "تمرد الجماعة الإسلامية"، وربما هذا التقديم هو تماشياً مع "الموضة الصحفية" هذه الأيام، التي تتمثل في تقديم الإعلام البعض بصفات ليست لهم!

فإعلام الانقلاب يقدم شخصاً اسمه "محمود زاهر"، مسبوقاً بلقب "اللواء"، والتلميح بأنه أحد قيادات جهاز المخابرات العامة، مع أنه خرج من الخدمة "رائداً" وهي رتبة متواضعة، فقام بترقية نفسه من فوق سرير غرفة نومه، كما يترقى أقرانه الذين هم في الخدمة.. رتبة برتبة!

وهناك مهنة صارت رائجة بعد الانقلاب العسكري، وهي مهنة "المنشق" عن جماعة الأخوان المسلمين، وتجري الترقية بحكم السن، فإذا كان الضيف من كبار السن، صار "القيادي السابق بالإخوان"، وهناك شخص انتقل من "بائع كتب سريح" في محافظة الإسكندرية، إلى نجم تلفزيوني بفضل العبارة السحرية: "القيادي السابق في جماعة الإخوان"!

جمعني استوديو واحد مع أحد هؤلاء، وكان مشغولاً بتقديمه بمهنته "القيادي السابق بجماعة الإخوان"، ولديه هاجس من أن ينس المذيع المهنة، ولأني كنت "على أيامه" متابعاً للحركة الحزبية في مصر، فإنني أعرف تفاصيل وضعه الوظيفي، فقد ضمه الراحل "عادل حسين" لحزب العمل، في سعيه لأن ينتقل بالحزب من التوجه الاشتراكي، للنهج الإسلامي، بعد المعركة التي قادها داخل الحزب بين من أسماهم هو "الدينيين" ومن وصفهم "بالدنيويين"!

حزب "العمل" تحالف مع الإخوان في انتخابات سنة 1987، وقد أراد هو لهذا التحالف أن يكون ذوباناً، ظناً منه أن عقدة الأمر ستكون بيده، وأن عادل حسين وباعتباره بحكم كونه شيوعياً سابقاً، خبرة في التنظيمات والتشكيلات السرية، وأن قيادات الإخوان ليسوا أكثر من مجموعة من الدراويش، وظن أنه قادر على السيطرة على القواعد. لكن عند أول منعطف خسر الرهان. فالقواعد تبدو معك ما دمت معها في طريق واحد، ولكن عند الحساب، هم جماعة وأنت لست من الجماعة!. 

وهنا لجأ الراحل "حسين"، لضم إسلاميين مستقلين لحزبه، يؤمنون بأفكاره، ويكون الولاء له، وكان هذا الشخص من بين هؤلاء الذين استدعوا لعضوية حزب "العمل"، فلم يكن قيادياً من الإخوان. لكن من الواضح أن وعيه السياسي لم يتشكل، فانصرف لحاله بعد أزمة السلطة مع الحزب، التي انتهت بتجميده ووقف إصدار صحيفته "الشعب"، وقد وجد بعد الانقلاب "فتة" فتداعى إليها، وساعدته لحيته في أن يدعي أنه إخواني، كما ساعدته الشعيرات البيضاء فيها في الادعاء بأنه "قيادي سابق"!

يخرج صاحبنا من استوديو إلى استوديو حاملاً اللقب، وكانت المواجهة!

قلت على الهواء مباشرة، أنه ليس إخوانياً وليس قيادياً سابقاً أو حالياً في الجماعة، وجن جنونه، وعلا صوته، كما لو كنت قد دست له على جرح غائر، ولم يتوقف هياجه بعد انتهاء البرنامج، وقد ظننت أنه من شدة الانفعال سوف يموت حالاً، إذ كان يعلم أنني أضربه في "سبوبته" وتجارته الجديدة: "القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين". 

بدا واضحاً أنه ليس متابعاً لي، ومن ثم لا يعرفني، ولا يعرف توجهي، وقد ظن لدرايتي بعدم انتمائه للتنظيم، أنني من الإخوان، وكان وروحه توشك أن تبلغ التراقي، يطلب مني أن أسأل قياداتي في الجماعة عنه!

ولم أكن أعلم أن لقب "القيادي السابق بالجماعة الإسلامية"، سيكون مهماً كالقيادي السابق بجماعة الإخوان، إلا مع حالة "البرش" ولولا اللقب لما أمكن لاسم "وليد البرش" أن ينشر، ليبقي السؤال هنا ولماذا: لا يتم عقاب الذين انشقوا عن الجماعات والحركات غير المرخصة بتهمة الانتماء لجماعة محظورة أسست على خلاف القانون، لنرى كم واحد منهم يمكن أن يظل متمسكاً بلقبه؟!

المهم فيما قاله "القيادي المنشق" أن عدداً من المنتمين للجماعة المذكورة، وجدوا أن مجلس شورى الجماعة سيطر عليه الإخوان، فشقوا عصا الطاعة، وقرروا خوض الانتخابات البرلمانية القادمة، وأحدهم وجه نداء إلى ناخبيه في مركز "الفتح" بمحافظة أسيوط، طالبهم أن يعيدوا الكرة معه، بعد أن فوجئ بالنجاح في الانتخابات الماضية!

حسابات خاطئة تقود حتماً إلى تصرفات غير مسؤولة، فإذا استبعدنا نظرية أن خوض الانتخابات يعطي شرعية للانقلاب العسكري، فالذي لا يعرفه هؤلاء "الدراويش" أن الانتخابات الماضية تحفظ ولا يقاس عليها، ذلك بأن روح الثورة كانت سارية في النفوس، والجماهير كان لديها حماس وحرص على إسقاط كل من له علاقة بالنظام القديم، لكن هذا النظام عاد بقوة، وفي القلب منه السيد الأستاذ "عبد الفتاح السيسي" والوفد المرافق له، فضلاً عن ان الحماسة قد انطفأت، ومن لا يزالون قابضين على جمر الثورة، لا يضرهم من ضل، لن يشاركوا في المهزلة!

دون تمرد، ودون انشقاق، من يريد أن يخوض الانتخابات البرلمانية فليتفضل، ونلتقي بعد إعلان النتيجة، لكن ليكن في علمكم أن السقوط طعمه علقم!

واسألوني أنا، فقديماً قال الشاعر: اسأل مجرباً ولا تسأل طبيباً.