لماذا تأخرت العودة إلى الميدان؟

1-
«واهم من يدعو لإسقاط النظام حاليا، فليس لديك بديل ثوري، كما أن هوجة الإسقاطات دون البناء كارثة على البلد، نحن نعارض فقط سياسات موجودة».

قالت حركة 6 أبريل هذه الكلمات وهي تدعو للتظاهر ضد براءة مبارك لتنهي حالة من الجدل المكتوم وتجيب على سؤال لم يجرؤ أحد بين الفصائل الثورية أن يطرحه خوفا من المزايدة عليه واستغلال الطرح في نزع صفة الثورية عنه، وهو: هل نريد إسقاط عبد الفتاح السيسي؟

ظني أن عدم حسم الإجابة على هذا السؤال وعدم الاستقرار على طبيعة اللافتات التي سيرفعها المشاركون في الاحتجاجات هو السبب في تأخر نزول القوى الثورية إلى الشارع، الأمر لا يتعلق بخوف من شرطة أو قمع أو قانون تظاهر، فعندما نزل هؤلاء في 25 يناير كانت هناك قوانين تمنع التجمهر وداخلية لا تسمح بمظاهرة محدودة أمام نقابة الصحفيين وفوق ذلك كله قانون طوارئ يسمح لأجهزة الأمن بأن تفعل أي شيء في أي وقت ومع أي أحد.

هذه المرة الأمر يتعلق بغموض في الأهداف أكثر من أي شيء، الكل يعرف أن هناك مظالم لكن كثيرين لا يعرفون إن كانوا سيرفعون لافتات تطالب السيسي بإسقاطها أم لافتات تطالب بإسقاط السيسي نفسه.

2-
«الشعب يريد إسقاط النظام»

عندما ظهر هذا الهتاف في ميدان التحرير لأول مرة عصر 25 يناير 2011 ردده الناس دون تفكير، نعم كانت هناك رغبة جامحة في إسقاط مبارك ونظامه، لكن هذا وحده لم يكن الدافع وراء ترديد الهتاف بهذه السرعة والأريحية، كان الفساد وصل إلى مداه والمظالم حاضرة في كل بيت، كانت هناك ثقة في وجود جيش لا يتحمس لفكرة التوريث وإن لم يدعم الثورة فعلى الأقل لن يقمعها، كانت هناك قائمة من الرموز يحفظها كل من في الميدان قادرة على ملء الفراغ وتستحق فرصة لإدارة الدولة، فضلا عن حالة الميدان نفسه حيث يقف الإخواني بجانب العلماني والسلفي بجوار الناصري ويصب المسيحي ماء الوضوء للمسلم، وكلها أشياء تدعو للطمأنينة من وضع البلاد بعد سقوط مبارك.

نفس الأمر تكرر عند نزول المصريين ضد مرسي والإخوان في 30 يونيو، كانت الصورة واضحة تماما والهتافات تزلزل الميدان بسقوط النظام لأنه كان هناك إجماع من كل القوى السياسية والثورية وحتى أجهزة الدولة على خطورة حكم الجماعة، فضلا عن وجود بدائل كثيرة وحقيقية تحمي مصر من الانزلاق للعنف بعد عزل مرسي، صحيح أن هذا لم يحدث لكنه كان التصور السائد يومها.

جرت في النهر مياه كثيرة، واليوم يتردد الكثيرون قبل أن يهتفوا «يسقط يسقط حكم السيسي» لتصبح الهتافات السائدة في أي فعالية ثورية ضد حكم العسكر وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين وضد تكميم الأفواه وللحث على استكمال الثورة وصولا إلى العيش والحرية والعدالة والكرامة، وهو تردد مدفوع بغموض الرؤية لمرحلة ما بعد السيسي رغم استمرار الفساد والمظالم، فلا الجيش يبدو سيقبل بإسقاطه، ولا رموز يمكن أن يقدمهم الشباب كبديل بعدما رسبت القائمة كلها في الاختبارات المتتالية، ولا حالة التوحد التي كان عليها الميدان في أيام الثورة الأولى باقية، ولا بديل السيسي يبدو أقل دموية وسوادًا.

3-
الذي يمنع شباب الثورة من نزول الميدان ليست المدرعات التي تغلق مداخله ولا العسس المنتشرون في كل أركانه، سيدخل الشباب الميدان حين يقرروا هم أن يدخلوه، لكن الأمر يتطلب أولا حسم قضية الهتاف والمطلب الذي يجتمعون عليه.

أعرف أن هناك اقتناعًا سائدا بين الغالبية الساحقة من المحسوبين على 25 يناير بأن إسقاط السيسي ليس الهدف الذي يمكن أن ينزلوا لأجله الآن، ربما يكون هدفا مؤجلا ويظهر في وقت لاحق بتغير الظروف أو يختفي نهائيًا إذا زالت الأسباب المؤدية إليه، لكن الجميع يخشى أن يصرّح بما يعتقد خوفا من أن يبدو أقل ثورية من الآخرين.

أخذت 6 أبريل زمام المبادرة وأعلنت موقفها بوضوح، هي لن تنزل لإسقاط النظام ولا الرئيس لكن لعرض مطالبها والضغط لتنفيذها، والخطوة القادمة يجب أن تكون التنسيق وعقد جلسات واجتماعات بين القوى السياسية والثورية المختلفة للوصول إلى مطالب واضحة يمكن النزول بها ويمكن أن يلتف حولها الناس لا أن يلفوا حبل المشنقة حول من يرفعها.

في المقابل يجب أن يقتنع الرئيس بأنه لن يهزم شباب الثورة لا بقبضته الأمنية ولا بحديثه غير المقنع عن انحيازه لهم ولثورتهم. من يتحدث عن إصدار قانون يجرم إهانة ثورة 25 يناير، لا يجب أن يهينها كل يوم بحبس شبابها ودهس مطالبها ومبادئها بحذاء حكومته وداخليته، ومن يخاف علينا من مصير سوريا والعراق لا يجب أن يكون مثله الأعلى في الحكم بشار وصدام.