بعد نقاش استغرق طويلا على "
فيسبوك" قال أحدهم "بعدما أضاع أكثر من ساعة وسقط في فخ حوار لا مخرجَ سريعا منه"، وألهاهُ عن الكثير من مشاغله، إنه "سيتذكر في المرات القادمة أن حل القضية
الفلسطينية يستغرق أكثر من ساعة على
الجدران الرقمية".
قرأت منشوره على "فيسبوك" بعد قراءتي للعديد من المنشورات التي يدين بعضها عملية "الكنيس" في
القدس، وبعضها الآخر يؤيدها ويباركها، وكثيرون ينشرون صورا للحلوى الموزعة، للتعبير عن سعادتهم بها.
ما أذهلني هو "حنّية" البعض وخوفهم على مشاعر بني صهيون، ووصفهم بأن ما حدث انتحار ولا يمت للإسلام بصلة، في حين قال غيرهم إن هذه العملية وما يشبهها هو إزهاق للأرواح البريئة، وخلاص من الحياة.
أتوقف لبرهة من الزمن، أتذكر ما أخذنا في المدرسة وكتب الدين، وما قرأنا وسمعنا في المحاضرات والتلفاز وغيره عن الجهاد وأنه فرض. ذهبت لمحرك البحث "غوغل" وكتبت "الجهاد".. يظهر أمامي العديد من الروابط، لأبدأ بالقراءة بنهم شديد، أبحث مع علمي المسبق بأن ما حصل في القدس كان عملا بطوليا ويقدّر ويُثمّن.
مع هذا، كان لدي شغف لأن أعرف أكثر، لمَ هُناك من يستنكر ويدين؟ وما الدافع وراء الإدانة؟ ولم لم يُدن قتل الأبرياء في غزة وبورما وسوريا والعراق، وغيرها من بلاد المسلمين..؟
لقد لعب الإعلام دورا مهما في تضخيم "مأساوية" عملية القدس على حد قولهم، وأثارها بطريقة تُدمي القلب وتجعل الحجر يأسى لأجلهم. أتعلمون لماذا؟ لأن إعلامهم قوي، ولأن العرب أدانوا قبل الغرب لأنهم دانوا لهم قبلا، ما أكسب اليهود انحيازا كبيرا لصفّهم.
لو أننا قلبنا المعادلة، وكان معنا هذا الإعلام وقوته وقت حرب غزة، عندما استشهد الآلاف -ليس أربعة فقط- وعندما هدمت البيوت والمساجد على رؤوس من فيها.. لكننا لسنا بصدد تعداد أو ذكر الإحصائيات الصادمة على أثر ما خلفته الحرب الإسرائيلية على غزة.
أريد فقط أن تعلموا أن الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة والنكسة، بل قُل منذ الأزل، كفيلة بأن تجعلكم ممن يوقنون بأن الحق مع كل فلسطيني فيما يفعل.
لِمَ لمْ يقف هؤلاء الحاخامات في وجه حكوماتهم عندما قصفوا غزة؟ لم لم يتصدّوا للعنف الذي تُعامَلُ به ْْالمقدسيات؟ لمَ لمْ تتحرك إنسانيتهم صوب الأطفال الذين قصفوا في مدارس الإيواء في غزة، ولمَ لم يوجهوا مشاعرهم واستنكارهم صوب المستشفيات التي قصفت أيضا وبها العديد من مصابي الحرب؟
أنت من تجلس وراء مكتبك، وبجانبك كأس من القهوة، وتقلب صفحات الإنترنت، لست كمن يواجه العدو الإسرائيلي كل يوم، ولست بمعتقل، ولم يستشهد لك قريب في غزة أو القدس أو الضفة، ولم تعلم حجم الألم.. نحن نعلم أن الأبعاد في الصورة غير حقيقية، وما يصلنا لن يجسد هول المأساة الحاصلة.
فمن العار عندها أن ندين عملية مُشرّفة في القدس، لأننا لم نصل بعد لعمق القهر الذي توغل في قلوب منفذيها ومن يمثلونهم، لأننا فعليا ما زلنا ننظر لا أكثر.
وصدق المثل القائل "إلي إيده بالنار مش زي إلي إيده بالمية".
أتريدنا أن نجلس للمفاوضة، ونبث رسائل السلام وأن نعامل بالحُسنى، ونرد السيئة بلطف؟ أليس هذا جبنا؟ أم ماذا تسمّيه؟ أرأيت الأم الفلسطينية التي سُكب البنزين في فم ابنها وحُرق؟ أجربت أن تضع نفسك مكانها ولو لدقيقة؟ أسمعت الأم المقدسية التي تقول "إن أبنائي مشروع شهادة، عند خروجهم من المنزل كل يوم نودّعهم وكأنهم لن يعودوا"؟
زودني بطريقة نجلب فيها حق من استشهد، حق من شُنق بلا ذنب، حق من اعتقل، وحق من هدم بيته.. قُل لي هيّا.. لكن كُن منطقياً، وزِن الأمور بحق، ولا تقلل من شأن من استشهدوا، واعلم أنّ فلسطين هي أرضنا، وهم عدو غاشم مُغتصب لها، ضع كل هذا بعين الاعتبار وانطق بما لديك.. إني أسمعك!
ما زلت تصرّ على النقاشات العقيمة، التي لا تصل لشيء.. وتعبّر عن رأيك دون أن تكترث لا لدين ولا لعقيدة ولا لتعداد شهداء.
صدق من قال إن "حل القضية الفلسطينية يستغرق الكثير على الجدران الرقمية"، وأضف عليه أنني أرى أن حلّها لن يكون على هذه الجدران؛ لأن فلسطين تريد رجالا بحق.. مؤمنين بحقهم، مقاتلين من أجل حريتهم، من أجل أرضهم وعرضهم.
لن تقدّر ما أقول، لأنك لم تعِشْه، لكن أرجوك حاول أن تفهم.. أرجوك!