إشعال
انتفاضة ثالثة هذا ما تتمناه فصائل المقاومة
الفلسطينية التي لا تؤمن بالمسار التفاوضي لنزع حقوق الشعب الفلسطيني وإعادة لفت أنظار المجتمع الدولي والعالم إلى القضية الفلسطينية التي أوشكت أن تقفل عقدها السابع وهي تراوح مكانها، المناوشات التي نراها والعمليات البسيطة في
القدس يمكن اعتبارها مخاض واضح لمعالم ولادة انتفاضة ثالثة، لكنه مخاض قد لا ينجح في استجماع طلق صرخة الحياة إلا إن توفرت له الظروف.
(1) ظروف الانتفاضة الأولى والثانية
جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987 بعد 39 عام من إعلان تأسيس دولة الكيان الصهيوني،انطلقت شراراتها من غزة "جباليا" بعد أن أقدم احد المستوطنين اليهود على دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين في معبر ايرز الذي يفصل قطاع غزة عن باقي المدن الفلسطينية المحتلة بعدها اندلعت الاحتجاجات في جميع المدن الفلسطينية وكانت الحجارة والسكاكين هي أهم وسائل هذه الانتفاضة وأدواتها استمرت هذه الانتفاضة قوية حتى حرب الخليج الأولى بعدها خفت وهجها وانتهت فعالياتها بعد دخول منظمة التحرير الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات الخط التفاوضي والتحضير لاتفاقية أوسلو.
الانتفاضة الفلسطينية الثانية انطلقت بمحاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شارون دخول باحة المسجد الأقصى المبارك فتصدى له جموع المصلين لتكون شرارة انتفاضة الأقصى في خريف عام 2000 واستمرت حتى شتاء عام 2005 وانتهت باتفاق شرم الشيخ الذي جمع الرئيس الفلسطيني عباس بالحكومة الإسرائيلية آنذاك تحت الرعاية المصرية لتتلاشى فعالياتها تماما بعد دخول حركة
حماس العملية السياسية في عام 2006 وتحقيقها فوز انتخابي كاسح على حركة فتح في الانتخابات التشريعية.
الظروف التي كانت وراء اشتعال الانتفاضة الأولى جاءت في سياق الضنك الاقتصادي وتنامي الشعور الفلسطيني برفض الاحتلال والتعامل العنصري الإسرائيلي مع الفلسطينيين ومحاولات الإسرائيليين المتكررة إذلال الشعب الفلسطيني وعدم وجود أفق سياسي للخلاص من الاحتلال الجاثم على صدور الشعب.
هي ذات الظروف كانت في انتفاضة الأقصى الثانية بعد أن أغلق المسار التفاوضي وشعور الفلسطينيين أنهم غير قادرين على استرداد دولتهم أو إقامة دولة على حدود 67 واستمرار مشكلة الأسرى وتفاقمها واستمرار الاقتحامات الإسرائيلية للمدن والقرى الفلسطينية واستمرار الاستيطان وتبخر وعود عودة اللاجئين الفلسطينيين وعدم التزام الكيان الصهيوني بالتزماته المتفق عليها في المسار التفاوضي واستمرار سياسة الاغتيالات الاسرائيلة التي طالت كثير من قادة العمل الفلسطيني ومحاولة فرض حالة جديدة في المعادلة التي تحكم واقع المسجد الأقصى المبارك بما يوسع النفوذ اليهودي داخل الحرم القدسي الشريف.
يبدو أن المرحلة التي نعيش تجمع كل الظروف التي كانت وراء الانتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية، فشل في المسار التفاوضي واستمرار في الاستيطان وممارسة التميز العنصري ضد أبناء الشعب الفلسطيني بأبرز تجلياته وتزايد أعداد الأسرى الفلسطينيين وتضييق وخنق للاقتصاد الفلسطيني في الضفة ناهيك عن الحصار الظالم والشديد على غزة واستمرار المحاولات المتكررة من المتطرفين اليهود في اقتحام المسجد الأقصى المبارك والضغط من اجل فرض واقع جديد في تقسيم أوقات الصلاة داخل الحرم القدسي بين المسلمين واليهود.
لكن كل تلك الظروف المجتمعة هل هي كفيلة في إطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة تعيد للقضية الفلسطينية زخمها لتفرض نفسها من جديد على الحكومات العربية والأجنبية وعلى المؤسسات الدولية ؟
(2) هل القضية الفلسطينية بحاجة إلى انتفاضة ثالثة؟
لم يعد خفيا أن حركة حماس وجميع القوى الحية التي لا تؤمن بالمسار التفاوضي القائم هي التي تسعى إلى إشعال انتفاضة ثالثة تخلط بموجبها جميع القطاعات على ارض الواقع للخروج من الحالة الراهنة التي تعاني بها القضية الفلسطينية على المستوى الداخلي والخارجي.
قد تكون الانتفاضة بالنسبة لجميع الفصائل المعادية للكيان الصهيوني هي طوق النجاة الأخير الذي يمكن أن يحمي حقوق الشعب الفلسطيني ويعيد الالق إلى القضية الفلسطينية ويعيد البريق الإعلامي لها من جديد ويطرحها على طاولة المجتمع الدولي في ظل طفرة التفهم الأوروبي لقضية الشعب الفلسطيني.
حماس وفصائل المقاومة تدرك بان وضعها أصبح في غزة صعب بعد الخطط المشتركة التي ظهرت معالمها ما بين دولة الجوار وبين الكيان الصهيوني والمتمثل في إحكام الخناق على القطاع تمهيدا لكسر إرادة المقاومة ونزع سلاحها بعد إضعافها.
الانتفاضة وحدها القادرة على وقف التطرف الصهيوني الأرعن بحق القدس والمقدسات الإسلامية والعربية في الأراضي الفلسطينية حيث أن الانتفاضة تمس الوتر الحساس لدى الكيان الصهيوني "هاجس الأمن " وتجعله في مهب الريح وهو ما تخشاه إسرائيل وتحسب له ألف حساب.
قد تكون الانتفاضة وحدها قادرة على تفكيك منظومة التنسيق الأمني المعقد وهز الثقة بين إطرافها، إذ أصبح التنسيق عين إسرائيل في كل زقة وحي وشارع من شوارع الضفة وحقق للكيان الصهيوني ما لم تحققه كل أجهزته الأمنية والجهود المبذولة فيها.
كما أن الانتفاضة الشعبية غير المعسكرة في الضفة هي القادرة على تحسين المسار التفاوضي وجعله أكثر إثمارا بالنسبة للمؤمنين في المسار التفاوضي فيما لو تم استثمارها والاستفادة منها في تحسين شروط التفاوض لو كانت هناك نوايا صادقة في خدمة المشروع الفلسطيني من قبل المؤمنين في هذا المسار.
(3) هل الظروف تخدم اشتعال انتفاضة ثالثة ؟
لا شك بان الظروف التي كانت قائمة في الانتفاضتين الأولى والثانية مجتمعة في المرحلة الحالية ويمكن أن تشكل عوامل مهمة لانفجار انتفاضة شعبية ثالثة إلا أن هناك أيضا عدة عوامل تحول دون انطلاق انتفاضة ثالثة أهمها.
• التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني والذي أصبح يشمل جميع المؤسسات الأمنية ليكون عين الكيان الصهيوني وذراعه داخل الضفة الغربية حيث يلقى على الطرف الفلسطيني مسؤولية إنهاء أي تهديد للأمن الإسرائيلي حتى وصل الأمر إلى وصف حجم التنسيق إلى حد " إذا سقطت إبرة في رام الله أن يُسمع رنينها في تل أبيب" تنسيق يفت في عضد أي جهد يمكن أن يكون محرك لإشعال انتفاضة ثالثة تنسيق يحقق للكيان الصهيوني كم من المعلومات كفيلة بتصفية ونزع فتيل أي بوادر لأي حركات احتجاج في المستقبل.
• التحول الذي طرأ على التركيبة الاقتصادية الفلسطينية واعتماد أبناء الشعب الفلسطيني على الوظائف وارتباط حياتهم المعاشية بما يتلقونه من رواتب من مؤسسات السلطة وازدياد هذه الشريحة من الشعب باستمرار هذا قلل الدافعية والحماسة لدى أبناء الشعب الفلسطيني للدخول في انتفاضة ثالثة أو التحضير لها.
• ارتباط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي بشكل كامل إذ أن أي انتفاضة تعني خنق الإسرائيليين للاقتصاد الفلسطيني المتدهور أصلا مع بعض الأضرار التي تصيب الاقتصاد الإسرائيلي وتكبده خسائر ليس بالقليلة جراء ذلك.
• الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وفقدان الثقة بين تلك الفصائل مما يؤثر بشكل مباشر على التوافق على قرار الذهاب إلى انتفاضة ويقلل فرص إنجاح مثل تلك المساعي.
• التباعد والتنافر بين حركات المقاومة الفلسطينية وبين المحور الذي كان يدعم النضال الفلسطيني وتتزعمه الجمهورية الإيرانية التي انحازت لأسباب طائفية للنظام السوري في مواجهته المفتوحة مع ثورة التحرر التي اندلعت في سوريا.
• اضطراب الوضع العربي الراهن الذي تشتعل فيه الأزمات الداخلية، وتبدل أولويات الصراع في نظر بعض تلك الدول وجعل التصدي للجماعات التكفيرية على رأس الأولويات لهذه الدول مما يفقد أي انتفاضة ثالثة الزخم الذي عاشته الانتفاضة الأولى والثانية والذي تحتاجه لاستمرارها وتحقيق أهدافها.
كل تلك العوامل الدافعة أو المانعة لقيام انتفاضة ثالثة تبقى تتأرجح في الأروقة السياسية لكنها بالتأكيد خارج حسبة الشعوب وتقديراتها إذ أن حصاد الحقل يختلف عن حساب البيدر وان أهازيج القرايا لا تتناغم مع لحن السرايا، للشعوب حسبتها الخاصة وساعتها البيولوجية الثورية الخاصة، الشعب الفلسطيني كان دائما يخرج عن سكة المعتاد العربي ويقلب الأحداث بشكل غير نمطي ويلقي كل تلك الحسابات خلف ظهره ويعيد الوهج لعدالة قضيته.
تدرك حركة حماس بان قوة الردع المتبادلة بينها وبين اسرائيل في غزة قد اخرجت قطاع غزة من معادلة المشاركة في صناعة انتفاضة ثالثة وان طبيعة الوضع القائم في مناطق ال 48 تحول دون مشاركة ابناء الشعب الفلسطيني المجنسين في صناعة هذه الانتفاضة مما جعل العبء يقع بمجمله على الضفة الغربية.