أيا كان الخبر الذي انتشر عن طريق صحيفة ما حول التحقيق مع طالب بمعرفة المباحث العامة بمحافظة الجيزة والذي ضبط متلبسا بحمله
رواية جورج أورويل 1984، وبعد ذلك تغير الخبر إلى حمله كشكول يتضمن عبارات عن الخلافة الإسلامية، ومع اختلاف الروايات إلا أن ارتباط هذه الرواية بالجامعة إنما يشكل مربط الفرس في هذا الاطار.
ماذا لو أن جوروج أورويل عاد من جديد ليكتب قصة حول "الجامعة 2014"، وهنا لابد وأن نستحضر هذا المجتمع الجامعي الذي شكلت الجامعة ميدانا لاحتجاج أدى إلى تحويلها ضمن سياسة انقلابية أمنية إلى ثكنة عسكرية، تدور حوارات غبية بين طلاب وأساتذة وضباط وأمن داخلي وإداري وخارجي ركام أمني بعضه فوق بعض فإذا بالجامعة تتحول إلى ساحة أمنية يدخلها الطالب بعد تفتيش أكثر من مرة ويدخلها الأستاذ منقبضا مع مشهد الجامعة الأشبه بمكان محاصر.
جامعة والحال هذه يرقبها جورج أورويل في العام 2014 ليرصد تلك "الحوارات الغبية في جامعة تحولت إلى ثكنة عسكرية".
فها هو الطالب يحمل رواية "جورج أورويل" ذاته فينهره الضابط ماذا تحمل؟، فيؤكد الطالب أنها قصة، إنه ليس إلا طالبا بكلية الآداب يدرس الأدب في أقسامها فلا يصدقه، يتفحص رجل الأمن من أي الأجهزة التي صارت في قلب الجامعة واليوم الجامعي وعلى غلاف الرواية الخلفي يرى كلمة "نظم" مجاورة لكلمة "ديكتاتورية"، فيقول ألا تعلم أن هذه كلمات محرّمة بل هي مجرّمة، وساقه إلى التحفظ والتحقيق فى قسم الشرطة ليحقق معه "لواء" حول ما حاز؛ إن تهمته حيازة عقل!! وهو يشرع مع سبق الاصرار والترصد لتوسيع مداركه وتعاطي صنوف الفهم ويهم بفعل القراءة، وكل هذه الأمور أفعال مُجرّمة مُجرِمة.
وهو يفتشه يجد كشكولا وقد كتبت في واحدة من صفحاته "الخلافة الإسلامية" فقامت القيامة ولم تقعد، إن الخلافة في رأس الضابط الذي يجلس أمام برامج "التوك شوز" في الفضائيات
المصرية يجد هذه الكلمة ممجوجة لا أصل لها ولا فصل، الخلافة ليست إلا "داعش" ومن هنا تضاف إليه جريمة أخرى، محاولا إفهام هذا الضابط الذي وكأنه وقع على ضالته فى مجرم كبير، وإرهابي خطير ويحمل من الكلمات ما يجعله محل محاكمة بتهمة إرهابي مكتمل لا محتمل، يقول له الطالب إن هذا الموضوع ندرسه في التاريخ الإسلامي فيرد الضابط أتريد أن تخدعنى (التهمة أكيدة.. بلا كلام).
وهذا طالب يحمل "دبوسا" كُتب عليه "انتصارك بكرة جاي" تم إلقاء القبض عليه أثناء دخوله الجامعة، ضبط متلبسا بحمل هذه العبارة يتحدث فيها عن الانتصار وعن "بكرة" "المستقبل"، ويتحدث عن أن هذا وذاك قادم؛ هذه كلمات يجب أن تمحى من قاموس الناس الآمال محرمة، فلا "انتصار" ولا "بكرة"، وأن ما هو قادم هو الأسوأ في ظل "مفيش" و"مش قادر اديك" و"عايز" و"هتدفع يعني هتدفع" في ظل هذا تكون مثل هذه الكلمات جرائم وإرهاب محتمل.
وها هي طالبة تدلف إلى باب الجامعة فيسألها الضابط "رايحة فين"،"إلى أين أنت ذاهبة"، فردت عليه قائلة "آداب"، فيقول لها "هم المتهمون آداب يأتون هنا"، قالت له "نعم" "اجتماع" فقال لها وكمان اجتماع يعني "أداب" و"اجتماع"، المسألة بالنسبة له لا يعرف عن الآداب شيئا ولا عن علم الاجتماع موضوعا، كل ما يعرفه شبكات الآداب، والاجتماعات السرية، فنظر إليها نظرة اتهام خاصة أنها قد بدا على وجهها الضجر من السؤال والتفتيش.
وهذا طالب في دار العلوم فيسأله الضابط في أي قسم أنت فيقول له قسم الشريعة، فيستطرد الضابط عليه إخوان يعني!!، والمصيبة الكبرى أنه كان يحمل معه "فلاشة"، وكتابا فيه من الموضوعات عن الخلافة ؟ إنه مشروع إرهابي، علينا أن نترقبه ونترصده ونرسله إلى تحقيق حتى يعترف من أي خلية هو؟ وإلى أي تنظيم ينتمي؟ وفي أي جماعة ينتظم؟
هذا طالب يدلي إليه بأنه ذاهب إلى كليته "الحقوق" فيسخر الضابط مستهزئا: "حقوق ؟! سلم لي على الحقوق"، "أي حقوق تلك؟" شكلك من التابعين لحقوق الإنسان، ممن يسمون بالناشطين، وهم مخربين وعملاء ومتمولين ويقولون أنهم يدافعون عن حقوق الإنسان، منهم أم ماذا؟، رد عليّ؟، وتبدو المسألة في حوار غبي هزلي بين ضابط لا يعرف إلا التعذيب "بالصعق والحكوك"، ويسخر ويستهزئ بكل الحقوق.
وهذا طالب في كلية الهندسة يمسك بمسطرته وحاسوبه ويحاول أن يدخل مسرعا ليلحق بمحاضرته فيوقفه رجل الأمن: إلى أين إن شاء الله؟ سألحق بالمحاضرة يرد الطالب، كده من غير إستئذان ولا تفتيش؟ يستهزئ به رجل الأمن، ما تتأخر أنتم من قلتم علينا أننا قتلنا "محمد رضا"، أنتم من تهتفون وتقولون علينا "أبو 50%"، "مقامكم نفتشكم ونذلكم"،"حتى تعرفون من الذى يحكم ويتحكم يأبو 90%".
وها هو طالب آخر يحاول الدخول إلى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ماذا تدرس إذا، أدرس سياسة، يا خبر أسود مرة واحدة!، نحن أكدنا أنه لا تعاطي مع السياسة في الجامعة، لا مظاهرات، ولا احتجاجات، يا أخي أنا أدرس علوم سياسية، ويدرس لي أساتذة علوم سياسية، وماذا يقولون أساتذتك؟، "ثورة ولا انقلاب؟،وجع دماغ على الصبح.
وهذا أستاذ يدخل إلى الجامعة منقبضا من جملة مشهد الجامعة المكبلة والمدججة بكل صنوف الأمن، هو الآن تفتش سيارته بكلاب بوليسية ويدلف إلى محاضرته فيجد من الطلاب الشرفاء من يستدرجه إلى سؤال أو يشتته بسؤال أو يحرجه بسؤال، في النهاية، الأستاذ لا يستطيع الإجابة، والطالب يطارده بالأسئلة، إنه من الطلاب الشرفاء، سيكتب تقريرا فور خروجه من المحاضرة لا عن زملائه فحسب ولكن عن أساتذته أيضا!.
حوارات غبية حينما تحولت الجامعة إلى ثكنة عسكرية ومنشأة شرطية، ورئيس الجامعة صارت مهمته ملاحظة الحالة الأمنية ليست متابعة العملية التعليمية، فهذا طالب مشاغب، وهذا إرهابي، وثالث إخواني، وهؤلاء طلاب يتجمعون ويتظاهرون، وهو بسيف الفصل قائم، إنه في حقيقة الأمر يلعب دور أمنجي يشطب فيه مستقبل طالب بجرة قلم أو قرار بالفصل. وإداريون بالجامعة يجندون الطلبة الوطنيين، ليأتيهم كما ورد على لسان أحد الإداريين الأمنجيين (بمعلومات طازجة) وحينما يُسأل: "يعني يتجسسون على زملائهم"، يرد: "هذا شُغلنا ونحن نفهمه".
تعجب "جورج أورويل" من الغباء الانقلابي والسفه الاستبدادي والهوس الأمني، حوارات غبية في ثكنة جامعية وقال: أهذه هي الجامعة؟!!!، وعلى الفور صدر الأمر: ضبط وإحضار لجورج أورويل، إنه خلايا إخوانية ميتة؟!!.