يعرف الصراع بين
السلطة والمعارضة في
الجزائر مرحلة متقدمة، عبرت عنها "أجندتان" متناقضتان، واحدة لسلطة باشرت مشاورات التعديل الدستوري، وتعمل على حشد التأييد لمراجعاتها، وأخرى لمعارضة أنهت صياغة وثيقة "أرضية الانتقال الديمقراطي" تحسبا لعرضها في إطار مؤتمر وطني بالجزائر، غير أنها لم تتحصل على الترخيص الإداري لعقده، بعد.
وقال جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" وعضو "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي"
المعارضة بالجزائر، لـ"عربي21" الاثنين، إن " التنسيقية لم تتحصل على الترخيص الإداري الذي يسمح لها بعقد مؤتمر الانتقال الديمقراطي، وعليه فإن هناك احتمالا كبيرا لتأجيل عقد المؤتمر الذي كان مقررا يوم العاشر من حزيران/ يونيو الجاري".
وأفاد سفيان بأن "هناك مساعي لعرقلة عقد المؤتمر من قبل السلطة، من خلال التأخر بمنحنا الترخيص الإداري لعقده.. لقد أخطرنا وزارة الداخلية بملف المؤتمر وهو ملف كامل ولا يمكن الطعن فيه".
وأضاف سفيان: "لقد وزعنا أكثر من 100 دعوة على أحزاب سياسية وشخصيات وطنية وأعضاء فاعلين من المجتمع المدني وقد لقيت دعوتنا استجابة واسعة لحضور المؤتمر".
ويعقد مؤتمر"الانتقال الديمقراطي" للمعارضة، في نفس الفترة التي يدير فيها، أحمد أويحي، مدير ديوان رئيس الجمهورية، مشاورات المراجعة الدستورية، التي أعلن 52 حزبا سياسيا و34 شخصية وطنية، قبول المشاركة فيها، بينما أعلن 12 حزبا وشخصيات وطنية، رفضهم الجلوس إلى طاولة أويحي.
وقد انطلقت المشاورات، الأحد، الفاتح من حزيران/ يونيو، بمقر رئاسة الجمهورية بالعاصمة الجزائر، وشارك فيها لحد الآن أربع شخصيات سياسية، ويتعلق الأمر بكل من: رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي محمد صغير بابس ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، الشيخ بوعمران، ورئيس حزب "الوفاق الوطني" علي بوخزنة.
والملاحظ أن شخصيات وطنية جزائرية مهمة على الصعيد السياسي اعتذرت عن المشاركة بالمشاورات، بينما قررت الالتحاق بمؤتمر "الانتقال الديمقراطي" الذي تسعى لتنظيمه المعارضة.
وأهم هذه الشخصيات: مرشح انتخابات الرئاسة السابق علي بن فليس، ورؤساء الحكومات السابقة، سيد أحمد غزالي ومولود حمروش ومقداد سيفي، والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي الذي منع من تأسيس "حركة الوفاء" الإسلامية العام 1999، وأبو جرة سلطاني، الرئيس السابق لـ"حركة مجتمع السلم" الإسلامية، بالإضافة إلى قياديين في "
الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وهم نائب رئيس الجبهة، علي بن حاج، والقياديان علي جدي وعبد القادر بوخمخم.
وأفاد عبد القادر بوخمخم القيادي في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" لـ"عربي21" الاثنين، بأنه تلقى دعوة للمشاركة بمشاورات المراجعة الدستورية باعتباره "شخصية وطنية".
وقال بوخمخم: "لقد وجهت لي دعوة المشاركة باعتباري شخصية وطنية فقط، وليس قياديا مؤسسا للجبهة الإسلامية للإنقاذ، واتتني هذه الدعوة، رغم أنني ممنوع تعسفا من ممارسة حقوقي السياسية والمدنية".
وتابع بوخمخم: "رغم أنني من المجاهدين وحاربت الاستعمار الفرنسي وأبلغ من العمر 74 سنة، إلا أنني أدرك أن أزمة النظام الجزائري، هي أزمة شرعية منذ الاستقلال العام 1962، وقد زادت هذه الأزمة تعقيدا بعد انقلاب كانون الثاني/ يناير 1992 ومصادرة اختيار الشعب بالحديد و النار".
وقال قيادي "جبهة الإنقاذ"، إن "مشاورات التعديلات الدستورية تدار في ظل أوضاع بالغة السوء بعد انتخابات الرئاسة 17 نيسان/ أبريل، وهي انتخابات قاطعها الشعب الجزائري، وصارت فاقدة للمشروعية والتمثيل الشعبي".
وقال عمار سعداني، الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" (الحزب الحاكم) في اجتماع بإطارات الحزب، الأحد إنه "يتعين على المعارضة المشاركة بمشاورات المراجعة الدستورية".
واستغرب سعداني موقف مقاطعي المشاورات، وقال: "من هؤلاء حتى يقررون المقاطعة، الشعب الجزائري فصل في موقفه في انتخابات 17 نيسان/ أبريل، وهو السيد".
غير أن الأخضر بن خلاف، القيادي في"جبهة العدالة و التنمية" المعارضة، اعتبر في تصريح لـ"عربي21"، أن ما يحدث "تعدٍّ صارخ على الدستور وفرض منطق القوة على الجميع، وتمديد عمر رئيس ترفض الطبيعة البشرية استمراره في كرسي الحكم، وقيام المنتفعين من هذا الوضع لقيادة الأمة عبر مسار الأوهام والتزوير والرداءة والفساد".
ووضع الاثنين، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم المعارضة، أبو جرة سلطاني، حدا لجدال دام أسبوعين حول احتمال تلبيته لدعوة السلطة، المتعلقة بالمشاورات الدستورية.
وقال سلطاني في بيان، الاثنين: "أجدد الشكر للجهات التي وجهت لي الدعوة، من ضمن الشخصيات الوطنية، فإني أعتذر عن المشاركة بالمشاورات".
وتابع سلطاني: "استلمت الدعوة مع مشروع التعديل الدستوري المقترح بتاريخ 15 أيار/ مايو 2014 بصفة "شخصية وطنية"، فقمت بما هو واجب مرحلي في حق وطني، ثم ناقشت الموقف بمسؤولية مع بعض أصحاب الرأي والتجربة، فأجمعوا على أن الأساليب التي اعتمدها الشيخ نحناح (الأب الروحي للحركة) تقوم على الحوار والنقاش واحترام الرأي والرأي الآخر والمساهمة الإيجابية في صناعة القرار وتوجيه الأحداث الوطنية الكبرى وضبط توازناتها".
وتأخر سلطاني في إعلان موقفه النهائي من المشاركة بالمشاورات الدستورية من عدم ذلك، وفتح موقفه تأويلات لا حصر لها، باعتباره قياديا في حزب، وهذا الحزب قد قرر مقاطعة المشاورات".
وسألت "عربي 21" قبل أيام قليلة، أبو جرة سلطاني، عما إذا كان سيشارك بالمشاورات، فرد" لم أفصل بقراري، لكن حتى وإن شاركت بها، فإني سأشارك باعتباري شخصية وطنية وليس قياديا بحركة مجتمع السلم".
وقال أيضا: "إن شاركت سأطرح أفكاري، وهي أفكار لا تلزم الحركة التي أنتمي إليها في شيء".
وفتح تصريح سلطاني جدلا واسعا داخل الحركة المعارضة، حيث دعا قياديوها رئيسهم السابق إلى "تحمل مسؤولياته".