تسود مخاوف لدى السلطة في
الجزائر، من حملة
مقاطعة كاسحة للمشاورات السياسية التي يرتقب أن تشرع فيها، مع الطبقة السياسية بشأن إثراء وثيقة مقترحات لمراجعة الدستور، كشفت عنها الحكومة الخميس، وأثارت ردود فعل متباينة بين مؤيد لحضور جلسات التشاور ومعارض لذلك.
ورتب مدير ديوان رئيس الجمهورية، بالجزائر، أحمد أويحي، للشروع في جلسات التشاور مع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وأعضاء المجتمع المدني وكذلك الصحفيين، بشأن
مراجعة الدستور، منتصف حزيران/ يونيو المقبل. لكن هذا التاريخ يشد السلطة كما الأحزاب الموالية لها، بعد أن بدأت دائرة رفض المشاركة بالمشاورات تتسع وسط
المعارضة.
وكشفت رئاسة الجمهورية عن وثيقة المراجعة الدستورية الخميس، بعد أن انتهت لجنة المراجعة من عملها الذي دام أكثر من 12 شهرا، إذ باشرت عملها في شهر نيسان/ إبريل من العام الماضي 2013. وقرر الرئيس الجزائري تزويد الأحزاب السياسية وكل من له علاقة بالمشاورات بوثيقة الدستور الجديد، لدراستها وإثرائها قبل بدء
المشاورات رسميا تحت إشراف أحمد أويحي، مدير ديوان الرئيس.
وأعلن جزء كبير من أحزاب المعارضة، مقاطعة المشاورات المرتقبة، بمبرر"غياب الجدية"، إذ تعتبر هذه الأحزاب أنه سبق للسلطة أن أطلقت مشاورات مثيلة، صيف العام 2011، شاركت فيها أغلب الأطياف السياسية، إلا أن السلطة لم تعتد بوثيقة المشاورات النهائية.
وأفاد رئيس المجموعة البرلمانية لحزب "جبهة القوى الاشتراكية" المعارض، شافع بوعيش، لـ"عربي21" بأن الأولوية يجب أن تعطى لإعادة بناء الإجماع الوطني، وذلك يجب أن يكون قبل مراجعة الدستور".
وتابع بأن "العبرة عندنا باحترام الدستور، وحاليا هناك خرق للدستور في الكثير من الملفات؛ فالوزير الأول عبد المالك سلال يستعد لعرض برنامج حكومته الجديدة، بينما لم يقدم حصيلة برنامج حكومته السابقة وهذا يتنافى مع البند رقم 84 من الدستور الجزائري".
وأعلن حزب"جيل جديد" الحداثي المعارض، رفضه المشاركة في مشاورات، وصفها رئيسه جيلالي سفيان في حديث مع "عربي21" بـأنه "مسرحية"، وقال: "لا يمكن أن نشارك في مهزلة دستورية، ولو أنه كان بنية السلطة مباشرة مراجعة دستورية حقيقية لفعلت عام 2011، بعد إعلان الرئيس عن إصلاحات سياسية في خضم ثورات الربيع العربي".
وأعادت وثيقة مقترحات المراجعة الدستورية، تحديد الفترات الرئاسية بولاية واحدة بمدة خمس سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، بالنسبة لرئيس الجمهورية، خلافا لما تم إقراره في المراجعة الدستورية التي تمت في خريف 2008، والتي فتحت الولاية الرئاسية إلى ما لانهاية. وبموجب ذلك تمكن الرئيس بوتفليقة من الترشح لولاية ثالثة ثم رابعة، بموجب انتخابات الرئاسة التي تمت يوم 17 نيسان/ إبريل الماضي.
وأفاد المحلل السياسي والكاتب الصحفي، بوعلام ياسين لـ"عربي21" في قراءته لوثيقة المقترحات الخاصة بمراجعة الدستور الجزائري بأن "بوتفليقة اعترف صراحة بأنه ارتكب خطيئة عندما ألغى ما يمنع الترشح لأكثر من ولايتين، فهو تصرف في شؤون السلطة التنفيذية كما لو أنها كانت ملكا خاصا له.
ولكن الخطيئة لا يتحملها وحده، وإنما هي مسؤولية المجلس الدستوري، والبرلمان أيضا".
وأكد رئيس الحكومة الأسبق، مولود حمروش، في لقاء على مستوى ضيق بالصحفيين السبت، أنه تلقى دعوة المشاركة بالمشاورات، قائلا: "ما زلت لم أتخذ قرارا بشأن المشاركة أو المقاطعة.. سأفكر في الأمر".
ووجه، أحمد أويحي، دعوات المشاركة في مشاورات مراجعة الدستور، إلى 150 جهة تتمثل في 36 شخصية وطنية و64 حزبا معتمدا، بالإضافة إلى 10 منظمات وطنية و27 جمعية وطنية تمثل حقوق الإنسان والقضاة والمحامين والصحفيين والقطاع الاقتصادي والشباب والطلبة، وكذا إلى 12 أستاذا جامعيا تمت دعوتهم بالنظر إلى كفاءاتهم، حسبما ورد في نص الدعوة.
غير أن بوعلام ياسين أوضح أنه في "عام 1996 استقبل الرئيس السابق اليمين زروال نفس العدد من الأطراف (150)، ليشرح أهداف مقترحاته، أنها لتعديل الدستور الذي أجراه في نفس العام. أما حاليا فإن أويحي هو من سيستقبل المعنيين بالاستشارة، ليتفاعل معهم حول مقترحات بوتفليقة. والسبب أن الرئيس غير قادر لا صحيا ولا ذهنيا على تحمل مشاق هذه العملية. وما دامت هذه الحقيقة واضحة ومعروفة وتأكدت يوم أداء القسم الدستوري، فلماذا أضاف بوتفليقة لنفسه ولاية رابعة؟
وأربكت مواقف المعارضة بالجزائر، وبخاصة أحزاب ما يعرف بـ"تنسيقية الانتقال الديمقراطي"، موقف السلطة، التي تخشى أن تجد نفسها "تحاور نفسها أو مجرد الأحزاب الموالية لها" بشأن وثيقة دستور، يعنى بها كافة الجزائريين. وقد شرعت الحكومة عبر الأحزاب الموالية لها في حشد التأييد للمشاورات.
ودعا السبت، عبد القادر بن صالح، الأمين العام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الموالي للرئيس بوتفليقة، المعارضة التي أعلنت رفضها المشاركة في مشاورات المراجعة الدستورية إلى "مراجعة مواقفها".
وأفاد بن صالح خلال تدخله في مؤتمر تحضيري حول مشاورات تعديل الدستور، بأن "مبرر المعارضة رفض المشاركة بالمشاورات على أساس أن مقترحاتها ضمن مشاورات العام 2011، لم يؤخذ بها، أمر مردود عليها"، وبرر موقفه بالقول إن "وثيقة المراجعة الدستورية التي أعلن عنها الخميس، هي بالذات خلاصة تلك المشاورات".
وتابع بأنه "كان بإمكان الرئيس تمرير الوثيقة مباشرة عبر البرلمان، لكنه فضل إعادة إثرائها من جديد وعلينا جميعا، معارضة وموالين، أن نلتقي للاتفاق حول تصور واحد بشأن الدستور". بينما خاطب المعارضين بالقول: "راجعوا مواقفكم وقدموا تصوراتكم".
لكن رئيس المجموعة البرلمانية لـ"جبهة العدالة والتنمية" الإسلامية، المعارضة، الأخضر بن خلاف، أكد لـ"عربي21" السبت، أن "قرارنا رفض المشاركة قد اتخذناه في إطار تنسيقية أحزاب الانتقال الديمقراطي، المتكونة من خمس تشكيلات سياسية، وهو قرار نهائي".