قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها من القاهرة إن مزاج شباب
ثورة يناير بعد ثلاث سنوات من الثورة جذب انتباه العالم خلال 18 يوما من الاعتصام في ميدان التحرير، وهي التي أدت إلى إسقاط حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وبعثت الأمل في بداية ديمقراطية.
وترى مراسلة الصحيفة، هبة صالح، أن
الشباب الذي شارك في تلك الثورة يحس اليوم بأنه خسرها، ويخشى مع القمع المتزايد، وعودة الدولة الأمنية، أن تكون البلاد دخلت في مرحلة أخرى من مراحل الاستبداد.
ويعالج التقرير مسألة الانتخابات الرئاسية والشباب، حيث أشارت فيه إلى إجابة الناشطة منى سيف على شكوى قائد الانقلاب والمرشح الرئاسي عبد الفتاح
السيسي من صعوبة تواصله مع الشباب
المصري، حيث نشرت على صفحة في "فيسبوك" قائمة بأسماء سجون البلاد، حيث يسجن الشباب، ثم قالت: "من لم تجده هناك ستجده في المشرحة أو في القبر والتواصل مع هؤلاء بالتأكيد أصعب".
وقالت الصحيفة إن منى مؤسسة مجموعة الضغط "لا للمحاكم العسكرية" وأخاها علاء المدون المعارض الذي أطلق سراحه مؤخرا من السجن، هما جزء من الشباب الذين شاركوا في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، ولكنهم يجدون أنفسهم اليوم مهمشين ومقموعين بعد انقلاب السيسي في 3 تموز/ يوليو الماضي، الذي أطاح بأول رئيس منتخب، الدكتور محمد مرسي، منذ الإطاحة بنظام المخلوع مبارك في ثورة شعبية عام 2011.
وأضافت أن كثيرا من الشباب لن يذهب للانتخابات الأسبوع القادم، "فمثلا يحيى عادل وهو طالب هندسة من بنها في دلتا النيل يقول: لا أرى مرشحا يحقق أهداف الثورة ولذلك لن أنتخب لأن صوتي لن يكون له أثر .. لقد فقدت الأمل".
وأشارت إلى أن آلاف الناشطين، معظمهم من مؤيدي مرسي، يقبعون في السجن في محاولة لشل حركة الإخوان المسلمين، والتي صنفتها السلطات منظمة "إرهابية"، استكمالا لما تقوم به من قمع ضد الجماعة.
كما أن الناشطين الذين شاركوا في الثورة بدأوا يصبحون هدفا في توسعة للعملية القمعية، فقانون حظر التظاهر دون إذن يراه الناشطون عودة إلى التدابير القمعية القديمة، عندما كان التجمع بجميع أشكاله محظورا.
6 إبريل ممنوعة
والضربة الأخرى التي وجهت لشباب الثورة هي حظر محكمة لحركة 6 أبريل، وهي من "الحركات الشبابية الداعية للديمقراطية"، على حد قول الصحيفة، حيث تمتد شبكتها في أنحاء البلاد، واتهمت بنشر الفوضى وتهديد الأمن القومي. ومع أن المجموعة تظاهرت ضد مرسي قبل الانقلاب، إلا أن قائدها أحمد ماهر وشابين آخرين يقضون حكما بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
وأشارت الصحيفة إلى حكم الثلاثاء الذي طال المحامية الناشطة ماهينور المصري بالسجن لمدة عامين بتهمة التظاهر دون ترخيص.
ونقلت الصحيفة عن أحد منظمي 6 أبريل، أحمد عبد الله،قوله: "يبدو أنهم يريدون اقتلاع كل الأصوات المعارضة، فحربهم ليست فقط ضد الإسلاميين بل ضد كل من شارك في ثورة 25 يناير".
وحاول الإعلام المصري منذ تموز/ يوليو الماضي رسم صورة السيسي على أنه المنقذ، وأن كل من يعارضه خائن ممول من الخارج، بهدف قلقلة الأوضاع في مصر.
واختلف الجو كثيرا عن الأيام التي أعقبت الإطاحة بنظام مبارك، حيث أفاق المصريون على جيل جديد يملك من الشجاعة ما يمكنه من أن يواجه السلطان ويطالب بمحاسبة الحكومات والعدالة الاجتماعية والحقوق الشخصية.
وتابعت الصحيفة بأن هؤلاء الشباب الذين ينتمون لخلفيات متنوعة وفي الغالب غير إسلامية كان الدافع الأساسي لهم هو البطالة والغضب بسبب التهميش السياسي والفساد، ووحشية الشرطة، وكان الشعار الرئيسي للثورة "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وهذا الشعار كان له صدى كبير في قطاع الشباب تحت سن الثلاثين، الذي يشكل ثلثي الشعب.
اختلافات
ولكن الشباب وبعد تخلصهم من مبارك اختلفوا بسرعة مع من هم في السلطة، ابتداء بالمجلس العسكري ثم حكومة الإخوان الملسمين المنتخبة وسقط الكثير منهم في معاركهم من أجل إصلاح وزارة الداخلية، ونقل السلطة إلى البرلمان، وغيرها ما جعل "الثوار" يعادون كل من هو في السلطة، على حد قول الصحيفة.
ولكن الصحيفة ترى وإن بدا أن الشباب غيروا مجرى التاريخ في 2011 إلا أن واقع البلاد السياسي لعب الدور الأساسي، "فالجيش هو من دفع مبارك الدفعة الأخيرة، والإخوان المسلمون عززوا الأعداد في ميدان التحرير".
ولعدم وجود تنظيم قوي يربط الشباب، وغياب خبرة سياسية، فإنهم لم يستطيعوا ترجمة نجاحاتهم الأولية إلى مكاسب سياسية، لتغيير النظام السياسي من خلال المؤسسات، بحسب الصحيفة.
ويقول المحللون إن التوقعات بأن يستطيع الشباب في بلد لم يعتد على الديمقراطية ورزح في عصور الاستبداد لعقود، أن يقوموا بتغيير جذري هو توقع مبالغ فيه.
ونقلت الصحيفة عن البروفيسورة في الجامعة الأمريكية قولها: "منتقدو الشباب لا يأخذون بعين الاعتبار أن الشباب بلغوا في عصر ليس فيه سياسي ولا تنظيم سياسي، ولذلك فهم بحاجة للوقت".
وفي نفس الوقت تعتقد البروفيسورة أن النظام غير قادر على إسكات الشباب الغاضب، لأن الدولة الناصرية كانت قائمة على تقديم الحكومة لفوائد مادية مقابل هدوء الشعب سياسيا، ولكن هذا الأمر غير ممكن الآن إذا أخذنا الواقع الاقتصادي بعين الاعتبار.
وقالت: "لدى الناس توقعات سياسية واقتصادية، ولا يتم تحقيقها بالطريقة القديمة وآليات الدولة متآكلة، وهذا ما سيؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في المستقبل".
سنشتري اللحم
ولكن مزاج المصريين الآن يبدو أنه يميل للاستقرار، قالت الصحيفة، مضيفة أن البعض يقول إنه يحن إلى استقرار الماضي، فمثلا يقول المقاول محمد الزيات إنه يعلق آماله على السيسي بأن ينهض بالاقتصاد، مضيفا: "قالوا إن مبارك سارق، ولكننا كنا نعمل خلال حكمه.. والسيسي سيعيد العمل، وسنستطيع شراء اللحم والفواكه لعائلاتنا، حيث توقف العمل بعد الثورة".
ورسالة السيسي هي أن مقاومة الشباب ستؤدي إلى تحطيم الانسجام في الدولة، وتؤدي إلى خراب لا يمكن إصلاحه لبلد يحاول جذب السياح والمستثمرين الأجانب، وينشل شعبه من الفقر.
ولكن السيسي يردد حول أهمية الشباب، ولذلك قام بضم "تمرد" إلى جناح الشباب في حملته.
ولكن وحتى خارج دوائر الناشطين، فإن الكثير من الشباب المصري الذي تحمس للثورة يقول إنه غير راض عن الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وكان هذا واضحا في غياب الشباب عن طوابير التصويت على الدستور في كانون ثاني/ يناير.
فشلنا
وفي غياب استطلاعات رأي يمكن الاعتماد عليها، فمن الصعب التوقع ولكن هناك قليل من الشك في أن السيسي سيهزم أمام المنافس الوحيد حمدين صباحي السياسي الاشتراكي الذي قد يعجب الشباب، ولكن الكثير من الشباب المصري المحبط يقول إنه لن يشارك في الانتخابات، كما قالت الصحيفة.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إن مهمة الإعلام في مصر ورجال الدين هي تشكيل الوعي المصري للعمل الجاد لبناء البلاد، أما الذين يطالبون بالديمقراطية والمزيد من الحريات فعليهم أن يخففوا الوطء قليلا حتى لا يدمروا البلاد عن غير قصد.