على الورق تقدم مسودة الدستور
المصري الجديد التي أقرتها لجنة الخمسين، وكانت متوفرة للرأي العام، تقدم للمصريين حقوقاَ جديدة من ناحية تجريمها للتعذيب والاتجار بالبشر وحماية الدولة للمرأة.
ومن الناحية العملية لم يتغير الكثير على المميزات التي تمتع بها مؤسسات الدولة التي قامت ثورة يناير 2011 ضدها بما في ذلك مؤسسة الأمن التي ينظر إليها على أنها الجهة الرئيسة المتهمة بالتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان. وهي التي لم تتوقف حتى أثناء النقاش على الدستور مما يشير بشكل واضح إلى الفجوة الكبيرة بين الكلام والأساليب القمعية التي تمارسها الدولة حيث قامت الشرطة بملاحقة وقتل مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي.
وينظر للدستور الذي أقرت مواده الـ 247 على أنه مرحلة مهمة في "خريطة الطريق" التي اقترحها وزير الدفاع وقائد الإنقلاب الفريق أول عبدالفتاح
السيسي الذي أطاح بمرسي، حيث سيقوم حكام مصر الجدد بطرحه للتصويت لتأكيد شرعيتهم وبالتالي استبداله بالدستور الذي أقر العام الماضي في تصويت شعبي حظي بالغالبية.
ولم تحدد لجنة الخمسين موعد الانتخابات، وفيما إذا كان التصويت على الدستور ستتبعه انتخابات برلمانية ورئاسية كما هو مقرر في خريطة الطريق، وهو ما يفتح التكهنات حول أن الخطوة تهدف لفتح الطريق أمام وزير الدفاع للوصول إلى سدة الرئاسة.
ولوحظ ليلة الأحد أن محطات التلفزة وزعت تغطيتها بين الأحداث التي شهدها ميدان التحرير والتصويت على الدستور، ما يشير إلى المفارقة بين اللغة المثالية التي يتحدث عنها الدستور والواقع المتفجر في مصر. وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" التي قالت إنه رغم التعديلات على الدستور إلا أن المحللين لا يتوقعون أن تؤدي المسودة إلى تغييرات بنيوية في أسلوب الحكم.
وتعتمد نسخة الدستور الحالية مثل غيرها من قبل على دستور مصر عام 1971 الذي تعامل معه كتاب المسودة وكأنه "إنجيل" بحسب زياد علي، الخبير في القانون الدستوري في "المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية" في القاهرة، مضيفاً أنه من المثير أن لا يوجد "دستور ثوري في مناخ الثورة".
وتواجه الحكومة المؤقتة في الآونة الأخيرة دعوات للتغيير ونقداً لما يُنظر إليه على أنه نزوع نحو الحكم الشمولي الذي مثلته حقبة حسني مبارك، وتحديداً الانتقادات على قانون التظاهر الذي قاد لحملات قمع ضد الإسلاميين وغير الإسلاميين، وجاء اعتقال وتمديد حبس الناشط علاء عبدالفتاح لكي يوسع من شق المعارضة لحكومة حازم البيبلاوي، بعيداً عن المعارضة الإسلامية التي يمثلها الإخوان المسلمون والذين قتلت قوات الأمن من مؤيدهم في ميداني رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة أكثر من ألف معتصم في الصيف الماضي، فيما قامت قوات الأمن باعتقال عشرات الآلاف منهم، وأصدرت محكمة في الإسكندرية أحكاما قاسية على فتيات بعضهن قاصرات لمجرد التظاهر تأييداُ لمرسي.
وينظر للنقاش حول مسودة الدستور في جزء منه على أنه محاولة لمحو كل أثر للحكم الذي قاده الإخوان في العام الماضي، والتخلص بالتالي من الدستور الذي أقرته حكومة مرسي في استفتاء شعبي، واعتبرته القطاعات المعارضة للحكم دستوراً إسلامياً.
وفي الوقت الذي انتقدت فيه الأطراف العلمانية دستور الحكم السابق، فالدستور الحالي سيواجه انتقادات من التيارات الإسلامية التي لم تشارك في صياغته وحتى التي كانت محسوبة على الانقلاب لم تحضر جلسات التصويت عليه مما سيجعل من المسودة الحالية عرضة لنفس الانتقادات.
وتحفل المسودة الحالية بالإشارات العلمانية وتتجنب الدينية حتى "الأخلاق العامة"، ولا تقدم في الوقت نفسه حماية للأقليات الدينية، ولا تغير طبيعة العلاقة بين الدولة والدين كما يقول محللون نقلت عنهم "نيويورك تايمز".
فالمسودة تتحدث عن حرية ممارسة التعاليم الدينية باعتبارها "مطلقة" وليست "محمية" كما في الدستور السابق، مما يضع ممارسة التعاليم الدينية موضوعا لقوانين الدولة والتي لم تقدم في العادة إلا حماية قليلة من التمييز الديني. وفي نفس الوقت يحظر الدستور الجديد إقامة احزاب سياسية بناء على الدين مما يعني الغاء الشرعية عن الأحزاب الإسلامية.
ويظل تصويت اللجنة على ترك موضوع تحديد موعد الانتخابات البرلمانية للرئيس المؤقت عدلي منصور هو التطور الأهم مما يفتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول مصير السيسي وقراره بالترشح للرئاسة أو لإعطاء الأحزاب العلمانية فرصة لإعادة تنظيم نفسها.
وتنقل "نيويورك تايمز" عن ناثان براون من جامعة جورج تاون، قوله إن أياً من الأحزاب السياسية ليست جاهزة على ما يبدو للمشاركة في الاانتخابات" مما يعني أن الفريق السيسي قد يصل للحكم ويقوم بتشكيل المجال السياسي.
وفي تعليق لصحيفة "التايمز" البريطانية قالت إن الدستور أكد تدخله في الحياة المدنية بعدما منحت لجنة الدستور حق تعيين وزير الدفاع، وسلطة محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية.
وقالت الصحيفة إن سلطة تعيين وزير الدفاع من شأنها تعزيز مكانة الفريق عبد الفتاح السيسي. ونقلت الصحيفة عن الفريق عادل سليمان، المحلل السياسي، قوله "لقد نزعوا فعلا منصب وزير الدفاع من سلطة رئيس الجمهورية ومن سلطة الشعب". أما المتحدث باسم القوات المسلحة فقال إن الجيش بحاجة إلى سلطة تعيين وزير الدفاع "لتجربته".
وأضافت أن الجيش احتفظ لنفسه بسلطة محاكمة المدنيين "في جرائم او اعتداءات على أعضائه، وأن نحو 1200 مدني حوكموا عسكريا منذ إسقاط حسني مبارك من السلطة عام 2011. كما أن ميزانية الجيش ستبقى سرية، هذا إذا تذكرنا أن المؤسسة العسكرية تسيطر على 40 في المئة من الاقتصاد المصري.