يحاول
الاحتلال جاهدا التقاط أنفاسه وضرب حالات بعينها حتى تكون عبرة وردعا لغيرها،
ونموذجا فاشلا في إنتاج الحياة المستقرّة السعيدة الهنيئة، وكأنّه يريد أن يقول إن
بإمكانك تحقيق حياتك المأمولة في ظلّ الاحتلال وإنّ بإمكانك أنت وعائلتك أن تعيش
بسلام وأمان؛ فقط ما عليك إلا أن تُخرج الاحتلال من رأسك وتدفن رأسك في الرمل.
"الوطن
وقيم الحرية والكرامة والسّيادة والاستقلال والتحرر من الظلم والطغيان ليست
للحيوانات البشرية أمثالكم، أنتم قطيع ليس لكم الا العلف وطأطأة الرأس، بينما للاحتلال
كلّ شيء ذي قيمة في حياتكم، ممنوع أن تتجاوزوا ما يريده الاحتلال في حياتكم، لا
تحشروا أنفكم فيما هو فوق رؤوسكم، سماؤكم هي فقط تحت أقدامكم، لنا سماؤكم وأرضكم
ومياهكم وهواؤكم وعقولكم وقلوبكم وحاضركم ومستقبلكم، أنتم كشجرة منبتّة ليس له
قرار، نحن متى شئنا نقتلعكم ونلقي بكم إلى حيث نريد وكيفما نريد، نحرّككم وفق
سياساتنا الرشيدة العالية الرفيعة وأنتم باختصار ليس لكم من الأمر شيء إلا ما
نتيحه لكم من بقايا من حياتنا التي لا نريدها. أنتم الحديقة الخلفية ومخزون الأيدي
العاملة الرخيصة التي ما خلقها الله إلا لخدمتنا ومسح نعالنا، أفهمتم الدرس جيّدا
إن أردتم أن تبقوا في مأمن من
الاعتقال؟".
عائلة
الشيخ ماجد حسن نموذج يريده الاحتلال رادعا للعائلة
الفلسطينية، انظروا كيف دمّر
هذا الشيخ عائلته، أساء تربيتهم ولم يعلمهم أبجديات الاحتلال وقوانين الخضوع
والاستسلام والاستحمار، لم يفّهمهم حكمة المثل العربي الفصيح: "حطّ راسك بين
الروس وقل يا قطّاع الروس"، ولا: "امش الحيط الحيط وقول يا ربّ الستيرة
.."، ولا "مئة عين تبكي ولا عين أمّك"، ولا ثقافة السوق والعمل
والموظف على مقاسهم الذي ما له دخل في شيء إلا لقمة العيش المغمّسة بالذل والهوان.
الشيخ
أخو الشهيد وابن عائلة فلسطينية حرة تربّت قبل كلّ شيء على القرآن ونهلت معاني
القوّة والعزة والأنفة والكبرياء التي تجعلها لا تنحني إلا لله، فلا الاحتلال ولا
كل ّمن يقف خلفه من طغيان عالمي مستكبر يزن في قلبها جناح بعوضة. الشيخ عرف كيف
ينجّي أولاده من ثقافة الشيطان بالانحياز التام إلى ثقافة الرحمن، نمت في صدره
عقيدة التوحيد لا بالمفهوم المنفصل عن الواقع الذي يصدّره مشايخ السلطان، وإنما
بالعقيدة التي تحرّر الإنسان من كل قوى الطغيان، شعوريا ومعرفيّا وسلوكيّا، نفوس
امتلأت قلوبها وعقولها وميادين حياتها عشقا وحبّا لله، فسارت في ركابه متحرّرة من
آصار وأغلال الاحتلال.
فمن
أحسن إذا تربية الشيخ أم تربية الاحتلال؟! تربية الحرية والكرامة أم تربية الذلّ
والمهانة؟ فهل ابتلى الشيخ أبناءه وبناته في هذا الخيار الحرّ أم أنه أسدى لهم خير
ما يصنعه أب حرّ لأبنائه الكرام؟
هل
قسى الشيخ على أبنائه وبناته؟ الشيخ صاحب القلب الحنون المحبّ الشفوق الذي يتلوّع
ألما كلما اعتقل ولد أو بنت، وما أصعب اعتقال البنت على قلب الأب والأمّ التي
تنسجم مع روحه العالية والتي كان لها نصيب من هذه الاعتقالات، يتمنّون أن يُعتقلوا
ألف مرّة ولا أن تُعتقل البنت! معاذ الله أن يسمح لقبله أن يقسوا على فلذات كبده
ولكنه الخيار الصعب، السير في ظل الاحتلال فاقد لكرامته وشعوره بهويته وانتمائه
وصدقه مع ربه ودينه ووطنه وقضيّته، أن يفقد الشعور بالقضيّة ذات القداسة الربانية
هو وعائلته، وأن لا يبقى لهم في هذه الحياة إلا الهامش الضيّق جدا الذي يرسمه الاحتلال
لهم!
الشيخ
اختار خيار المؤمنين الأحرار، اختار الرسالة السماوية والقضية الفلسطينيّة بمعادلة
واحدة تنشر للناس النموذج المعاكس للذي يريده الاحتلال، نموذج النفوس التي تسكنها
روح الانتصار، تنشر للناس أملا وتبدّد من حولها ألم الاحتلال، وهذا بالطبع له ثمن
ولكن مهما غلا هذا الثمن فإنّه على الأقلّ يحقق قيمة الإنسان ولا يكون كما يريدون
لنا "حيوانات بشرية ليس لها إلا الانصياع".
هل
رأيتم أيّها الناس لماذا يختار الشيخ الخيار الصعب مهما كلّف الثمن؟ هم يريدونه
نموذجا للردع وتخويف الناس وهو يريد لنفسه وعائلته نموذجا لردّ كيد الاحتلال ولنشر
روح وثقافة التحرير والانتصار، مهما قصر أو طال ليل هذا الاحتلال والذي لا شك
بانّه إلى زوال كما زال غيره كثير من الطغيان.
بهذه
النماذج العالية ليس فقط يزول الاحتلال وإنما سيزول معه الثنائي النكد الذي كان
سببا لوجود هذا الاحتلال: الهيمنة الغربية الاستعمارية والنظام الرسمي العربي الذي
ما زال يدور في فلكه، هذه النماذج تصنع تحرير فلسطين وتحرير أمّة طال عليها ليل
الاستعمار بإذن الله.