اشتهرت
مصر تحديدا
بقوتها الناعمة عن غيرها، في مجال
التمثيل تحديدا، وقد مر فن وعلم التمثيل بمجموعة
من الأطوار، بداية من كلاسيكية الأداء على
المسرح، وكان سدنته في هذا جورج أبيض ويوسف
وهبي.
وقد كان كلاهما متأثرا
بمفهوم كلاسيكية الأداء التمثيلي الخاص بفن الأوبرا، والتي لها جذور تاريخية واجتماعية
في النظام السياسي والطبقة الأرستقراطية وقتذاك، والتي كان يخاطبها فن الأوبرا،
وكان فنانوها يقدمون الأدوار بشكل وبطريقة غير طبيعية أو مبالغ فيها، سواء من الحركة
المتضمنة الإشارة والإيماءة واللفتة، أو من الناحية الصوتية وارتدادها الصوتي الرنيني
المنغم، وقد كان هذا يؤكد أن
الفن وبالتبعية فن التمثيل لا يطابق الواقع، وإنما هو
فن منفصل بكل أبجدياته عن الواقع.
ثم انتقلنا إلى مرحلة
أخرى، حاول فيها فن الأداء التمثيلي أن يقترب مما سُمي وقتها في ستينيات القرن المنصرم
بالأداء الثوري أو الأداء الملتزم الذي يتماشى مع ما كان يُطرح من مضامين فكرية ثورية
تحررية في ذاك الوقت، فكان أداء زاعقا ملتهبا متأججا لإلهاب عواطف الجماهير بالقضية
التي يطرحها النص.
وقد جاء أداء كرم
مطاوع وشكري سرحان وصلاح ذوالفقار وأحمد مظهر كمثال، وكانت الأعمال السينمائية أو المسرحية
كمسرحية "ليلة مصرع جيفارا"، و"النار والزيتون" لسعد أردش، و"النسر
الأحمر" لكرم مطاوع. وفي
السينما "رد قلبي" لعز الدين ذو الفقار،
وكثير من الأعمال وتحديدا ذات الصبغة التحررية الوطنية.
ثم انتقلنا إلى مرحلة
الاقتراب من طبيعية الحياة، بمعنى أن معيار جودة التمثيل بصدقه في التعبير عن اللحظة
بدون مبالغة أو زعيق أو مبالغات. وقد اقترب من هذا فنانون كُثر، كانوا وجوها شابة وقتذاك،
وهم: محمود ياسين ونور الشريف ومحمود عبد العزيز وعادل إمام وسعيد صالح.
ثم تأتي مرحلة التمثيل
الممنهج وهو ما قدمه كاتب هذه السطور وقتما كان وجها جديدا في فيلم "غرام الأفاعي"،
وقد لفت الأنظار مسببا حالة من الإعجاب للموهبة التي أثقلت نفسها بالتدريب على تعاليم
استديو الممثل الأمريكي، وهو منهج معني بالأسلوب لصاحبه لي ستراسبيرج؛ الذي يعد تطويرا
لمنهج إعداد الممثل للمعلم قسطنطين إسنسلافسكي.
ثم ننتقل لفن الأداء
التمثيلي في هذه المرحلة لنجد كثيرا من اللخبطة والتخبط الذي يصل لحد الجهل والادعاء،
سواء بما سمي بورش إعداد الممثل أو في طبيعة التمثيل في هذه المرحلة التي اختلط بها
الحابل بالنابل، ولم يعد هناك ما سمي بالتمثيل المنضبط، أو الدقيق في رصد إحساس الشخصية،
فجأة أصبح التمثيل مهنة من لا مهنة له!!
نتمنى أن يعود فن
التمثيل فتيا كما كان، بعد أن شاخ وأصابته الكثير من الأمراض التي كادت أن تفتك به
أو فتكت به بالفعل، ولكن الأمل ما زال موجودا، والطاقات الحقيقية ما زالت بخيرها وموجودة،
نرجو أن تتاح لها فرص الظهور والتألق حتى يعود لمصرنا الحبيبة أهم ما كانت تتميز به
من فن وعلم التمثيل.