تقارير

هل باتت مشاركة الإسلاميين في المجالس البرلمانية شكلية لمجرد الحضور؟

تجارب مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية اختلفت من بلد لآخر، كما أن حجمها لم يكن على وزن واحد..
تجارب مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية اختلفت من بلد لآخر، كما أن حجمها لم يكن على وزن واحد..
لم تتوانَ حركات الإسلام السياسي عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية، حينما أُتيحت لها فرصة المشاركة في الدول العربية التي تسمح أنظمتها السياسية بمساحات وهوامش للممارسة الديمقراطية، وفي كثير من مشاركاتها في الانتخابات البرلمانية حققت تلك الحركات فوزا ملحوظا، وحضورا لافتا.

لكن بعد كل تجاربها ومشاركاتها في المجالس النيابية في كثير من الدول العربية، التي ظهر من خلالها محدودية مساحات التغيير والتأثير، والتي لا تعدو المساحة التي تسمح بها الأنظمة السياسية في إدارتها للعملية الانتخابية برمتها، ما الذي خلصت إليه تلك الحركات جراء مشاركاتها السابقة؟

وكيف يمكن تقييم تجارب تلك الحركات في المشاركة البرلمانية.. وهل تولدت لديها قناعة بمحدودية جدوى المشاركة، بما يعني أنها ليست وسيلة يمكن التعويل عليها في عملية الإصلاح والتغيير المنشود، وأن مشاركاتهم لا تعدو الوجود في تلك المجالس لمجرد المشاركة وإثبات الوجود؟ فإن كان الأمر كذلك، فما جدوى الاستمرار في هذا المسار؟ وهل ثمة مراجعات لسلوك هذا المسار وتوفير الجهود والطاقات المبذولة فيه لاستثمارها في مجالات وميادين أكثر إنتاجا، وأشد نفعا كالدعوة والتعليم والإرشاد والعمل الخيري؟

في توضيحه لرؤية الحركات الإسلامية المشاركة في المجالس البرلمانية، قال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، الدكتور رامي العياصرة: "المشاركة في المجالس البرلمانية جزء من آليات ووسائل الحركات الإسلامية التي باتت تعرف بـ"حركات الإسلام السياسي"، مع أن جماعة الإخوان المسلمين حركة دعوية شاملة، ولكن لبروز وتقدم العمل السياسي ضمن مجالات الاهتمام العام في المجتمعات بعمومها ـ وليس عند الإسلاميين فحسب ـ أصبحت توصف بهذا الوصف".

وأضاف: "معنى ذلك أن مشاركة الحركات الإسلامية السياسية هي مسألة مستقرة من حيث التأصيل، ولكنها بكل تأكيد تخضع للتقييم من حيث القدرة على الإنجاز وتحقيق الأهداف المرحلية، التي تسعى للوصول إليها ضمن رؤيتها".

وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ولتحديد الجدوى من العمل السياسي والبرلماني تحديدا، لا بد من تحديد الأهداف أولا، ومعرفة المطلوب منها حتى نتمكن من القول بأنها ذات جدوى أو لا؟ وفي تقديري، أن الحركات الإسلامية إن لم تتمكن من الإصلاح والتغيير ضمن الأدوات الدستورية ومن خلال المشاركة البرلمانية، فإنها تستطيع التأثير وإحداث حالة من التوازن في أداء الأنظمة السياسية تجاه القضايا ذات الاهتمام والأولوية لدى الحركات الإسلامية".


                      د. رامي العياصرة قيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن

وذكر العياصرة أمثلة للقضايا موضع الاهتمام والألوية لدى الحركات الإسلامية، التي منها "الحفاظ على الهوية الإسلامية للمجتمعات، والوقوف في وجه التطرف العلماني المعادي للإسلام والدفاع عن مؤسسة الأسرة، والجانب القيمي والأخلاقي وغيرها، إضافة إلى تعميق شرعية الحركات الإسلامية التي اسُتهدفت في الفترات الأخيرة، وحاولت بعض الأطراف الدولية والإقليمية العربية تصنيفها كحركات إرهابية".

وأكدّ أنه "لا يستطيع أحد يدرك أهمية وقيمة العمل السياسي أن يتجاوز إيجابيات المشاركة السياسية ضمن طبيعة وديناميكية النظام الديمقراطي نفسه، ولكن هذا لا يعني أنه ليس ثمة سلبيات لتلك المشاركة، نعم هناك سلبيات ولكنها تخضع للتقليل منها قدر الإمكان مع محاولة تعظيم الايجابيات بقدر الإمكان كذلك، ومن هنا تخضع حالة المراجعات الدائمة للموازنة بينها في محاولة الوصول إلى الحالة الأكثر فائدة والأقل ضررا، وبالخلاصة فهي ليست مشاركة لأجل المشاركة".

وردا على سؤال إن كان ثمة مراجعات لمسار المشاركة، أوضح العياصرة أن "المراجعات وإعادة تقويم مسارات العمل السياسي، وبالذات البرلماني منه، مطلوب في محاولة الوصول إلى أكبر حد من تحقيق المصالح والأهداف المتوخاة من تلك المشاركة، لكنها بكل الأحوال لا تعني الوصول إلى قرار بالعدول عن المشاركة السياسية، لأنها ميدان عمل يسير بالتوازي مع العمل في الميادين الأخرى.. وهذه الرؤية تنسجم مع فكرة الشمولية التي تميز دعوة الإخوان تحديدا ضمن الحركات الإسلامية الفاعلة، فليس ثمة تعارض وتضارب، بل يتوجب التكامل بينها".

من جانبه، لفت الأكاديمي المغربي، والقيادي بجماعة العدل والإحسان الدكتور أحمد الزقاقي، إلى أن "تجارب مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية اختلفت من بلد لآخر، كما أن حجمها لم يكن على وزن واحد، وتعددت أسباب اتخاذ قرار المشاركة أيضا، ففي بلدان كانت مشاركة الإسلاميين حاجة دولة أو نظام ما لقياس شعبيتهم واستغلالها، وتلطيف مطالبهم".

وأردف: "وفي أخرى كانت حاجة نظام غربي وبإيعاز منه بغرض إدماج "الإسلاميين المعتدلين" في "المنظومة الديمقراطية"، قبل أن ينقلب على هذا النهج بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وصار يرى فيهم خطرا عليه، وفي بلدان أخرى كانت نتيجة تطور طبيعي أوصلهم إلى الحكم (ماليزيا، تركيا)".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وفي البلاد ذات المرجعيات المتعددة (إسلامية، ماركسية، ليبرالية علمانية..)، كثيرا ما زُج بفريق من الإسلاميين في أتون الصراع السياسي على طريقة (فرق تسد) لترميم بنيان الاستبداد، والتمست المسوغات النظرية للمشاركة من القرآن الكريم (اجعلني على خزائن الأرض)، ومن السيرة النبوية (صلح الحديبية)، فكان قياسا فاسدا؛ لأنه كان قياسا مع وجود الفارق" على حدّ قوله.

وتابع: "كما أنهم أدلوا ـ في سياق الرد على من يقولون إن المشاركة تحتاج إلى شروط ـ بحجة أخرى، هي أن المشاركة تنضج وتحسن الشروط، إلا أن الشروط لم تتحسن ولم تنضج، لا سيما بعد "إفشال" الربيع العربي، ونتيجة لأخطاء فادحة صدرت من أحزاب إسلامية لم تحسن تدبير الاختلاف مع النخب التي تخالفها، ولم تحسن تدبير العلاقة بين الدعوي والسياسي، إذ تركت واجهة التربية مكشوفة، واستهلكتها المهام التنظيمية والسياسية والاجتماعية، وحسبت أنها تحكم وهي لم تحكم يوما".


            د. أحمد الزقاقي أكاديمي مغربي وقيادي بجماعة العدل والإحسان

وأكمل فكرته معللا رأيه السابق بالقول؛ "لأن الجيش والأمن والمخابرات كانت في أيدي (الثعالب العجوزة) الماكرة والمؤتمرة بأوامر الاستكبار العالمي، وإن تقييما موضوعيا لأداء الإسلاميين المشاركين يفضي بنا إلى القول؛ إن كثيرا منهم جيء بهم إلى (المجالس النيابية) ليبصموا لا ليحكموا"، حسب تقييمه.

وعن المراجعات، رأى الزقاقي أنها "اتخذت منحيين، فأمام عدم تحقق الأهداف المرجوة، وشراسة الاستبداد التمسوا مخرجا سهلا، وهو القول بضرورة تطليق الإسلاميين للسياسة واهتمامهم بالدعوة فقط، والمنحى الثاني كفر أصحابه بالديمقراطية والديمقراطيين، وانخرط أصحاب هذا المنحى في سلوكيات عنيفة وضارة بالفرد والمجتمع".

وأضاف: "وأثبتت الوقائع والأحداث صواب رؤية فريق من الإسلاميين كان يرى في المشاركة مضيعة للوقت، ويرى العمل وسط المجتمع والالتحام به، وعدم الخجل من الدفاع عن القطعيات الإسلامية والعقائد الإيمانية، والوقوف في وجه الفساد والاستبداد بسلمية وعدم المساومة على المبادئ".

وخلص الأكاديمي والباحث المغربي في حديثه إلى القول بأن طوفان الأقصى "خلص الإسلاميين من الكثير من الأساطير الضاغطة، التي عمل الغرب على إشاعتها والترويج لها، ولا ريب في أن المقاومة ومواجهة عدو الأمة التاريخي سيعلي من شأنهم، ويقوي من رصيدهم، ليصبر شعار المرحلة والمستقبل تخليص الأمة من (الاحتلال الداخلي) و (الاحتلال الخارجي)".

بدوره، أبدى الكاتب والإعلامي المغربي، نور الدين لشهب تحفظه على وصف مشاركة الإسلاميين بأنها لم تكن ذات جدوى، لافتا إلى أن الأمر كان على عكس ذلك، إذ "ظهر أن الإسلاميين يمتلكون نخبة على درجة عالية من الثقافة السياسية، شخصيات تحظى بقدر كبير من الاحترام والمصداقية، ولها غيرة على مستقبل البلاد، وقامت بتصريف خطاب سياسي يتجاوز قبة البرلمان إلى باقي البلدان العربية والإسلامية".

وأضاف: "واستطاع المتابعون والمراقبون والباحثون أن يتعرفوا على شخصيات لها مصداقية وغيرة على الوطن والأمة بشكل عام، وهذا ما عايناه في السنوات القليلة الماضية مع برلمانيين من الكويت والأردن ومصر وتونس والمغرب، برلمانيون كانوا دائما حاضرون في الدفاع عن الهوية والدين وقضية فلسطين، لا سيما الإخوة البرلمانيون من الأردن والكويت والمغرب".

وردا على سؤال "عربي21" بشأن ما يرجوه الإسلاميون من المشاركة في المجالس النيابية، بعد أن أثبتت التجارب العديدة عقم ذلك المسار وعدم جدواه حسب معطيات تلك التجارب، قال لشهب: "المشكل هنا لا يتعلق بالإسلاميين وحدهم، بل بالبيئة السياسية الحاضنة للعمل السياسي، وهي بيئة موبوءة بفعل استمرار الاحتلال الخارجي المتمثل في الضغط على الأنظمة وتهديد كيان الدولة القطرية".


                                             نور الدين لشهب كاتب وإعلامي مغربي

ولفت إلى أن "الأمر يتعلق أساسا بالدولة القطرية الوظيفية ما بعد الاستقلال المنقوص، أو ما يسميه الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي بـ"الاحتقلال" ناهيك عن الاختلال الداخلي، ويتعلق الأمر هنا بالاستبداد والتسلط في العالم العربي، ومدار الاحتلال والاختلال قائم أساسا على مناهضة روح الهوية المطلقة التي يمثلها الإسلاميون، أو الإسلام السياسي".

وتابع: "وهو الذي يعد بنظرهم القادر على تعبئة الأمة والدفاع عن الهوية، وصون كيان الدولة كما وقع في بداية القرن مع المقاومة الوطنية المسلحة ضد الاحتلال، ولا يزال الأمر على ما هو عليه كما يتابع العالم في العراق وفلسطين وأفغانستان"، مؤكدا أن "عقم المسار لا يعني أن الإسلاميين المشاركين في اللعبة السياسية قد ركنوا إلى الذين ظلموا، وأنهم فرطوا في الدعوة والخدمة العمومية للمجتمع. بل بالعكس، فإن العمل السياسي غالبا ما يكون مسنودا برجال الدعوة والعمل الدعوي والخيري الذي يعد خزانا مهما للانتخابات".

وعن وجود مراجعات لمسار مشاركة الإسلاميين في المجالس البرلمانية، نفى الكاتب والإعلامي لشهب "وجود تلك المراجعات في أوساط أنصار المشاركة، سواء في الجزائر أو الكويت أو الأردن أو حتى في المغرب، والفرق فقط في أن هناك من يضع شروطا للمشاركة، وهناك من يشارك دون شروط".

وأنهى كلامه بالتأكيد أن "من مهام الإسلاميين اليوم الحفاظ على الوجود بأقل التكاليف، خصوصا ما تعرض له الإسلاميون المشاركون في اللعبة السياسية الرسمية في مصر وتونس تحديدا، فالحركة الإسلامية تعمل على الحفاظ على تنظيماتها في هذه اللحظة التاريخية، وصحيح أن طوفان الأقصى قد أنعش الإسلاميين في المنطقة، لكن الصهينة المعولمة والأنظمة المتسلطة بالمنطقة، خاصة التي تقود ما يسمى بالثورات المضادة، تؤدي دورا ليس في صالح الإسلاميين".
التعليقات (0)